تطبق “الدولة الاسلامية” تدريجاً على عين العرب. ايام قليلة وتصير على مرمى حجر من حدود تركيا. لا غارات الائتلاف الدولي نجحت في ردعها ولا التهديدات التركية الفارغة أحبطت خططها. بعد ثلاثة أسابيع من الحصار، تستعد كوباني لأن تكون ضحية جديدة للااستراتيجية الأميركية وسياسة الابتزاز التركية. قدرة المقاتلين الاسلاميين على مواصلة هجماتهم في سوريا كما في العراق ليست الا دليلاً على الفاعلية المحدودة للغارات الجوية. في غياب شبكة قواعد وعملاء على الارض، لايتوقع خبراء أكثر من مكاسب موقتة للحملة الجوية. وبتدمير آلية هنا ومعسكر هناك، لن يستطيع الائتلاف الدولي دحر تنظيم بقدرة “داعش” وبالتكتيكات القتالية العالية التي أظهرها، فضلاً عن الذخائر والمعدات المتطورة التي غنمها من الجيش العراقي ومقاتلي المعارضة السورية. والدليل على ذلك واضح. فعلى رغم الغارات المستمرة في العراق منذ الثامن من آب، وفي سوريا منذ الثالث والعشرين من ايلول، لم يتوقف التنظيم عن شن هجمات في كلا البلدين، محققاً مكاسب في الانبار وعلى مشارف بغداد، ومتوغلاً في كوباني بعد محاصرته اياها ثلاثة أسابيع.
ما هي الا أيام حتى يوسع التنظيم المتشدد نفوذه أكثر ويضيف الى سجله الدموي مذبحة جديدة. دولته ستنبسط من الموصل في العراق الى حلب في سوريا وتصير على مشارف تركيا. ومع أنه ليس ثمة ما يوحي بأن أنقرة تنوي الذهاب إلى أبعد من عرض القوة السياسي في مجلس النواب والعسكري على حدودها، لا ضمانات أنها تركيا ستكون بمنأى عما يحصل على الجانب الاخر من حدودها.
التفويض الذي حصل عليه الرئيس التركي للتدخل في سوريا والعراق واسع وفضفاض. هو يطلق يده في ضرب “داعش”. ومع ذلك، تكشف تصريحات المسؤولين الاتراك أن أولويتهم ليست الانضمام الى الائتلاف لضرب التنظيم، وإنما الافادة من هذا الحشد الدولي لأغراض أخرى. بالتأكيد لن تنضم أنقرة الى حرب اذا كانت ستصب في مصلحة الاكراد. حتى أن بعض التقارير تحدث عن مطالبة قادة استخبارات أتراك الاكراد السوريين بالتخلي عن مطالبتهم بالحكم الذاتي شرطا لمساعدتهم. غير أن سقوط كوباني قد يعيد النزاع التاريخي مع أكراد تركيا الى نقطة الصفر. لانقرة حسابات جديدة – قديمة قد لا تكون أكثر دقة من سياسة “تصفير المشاكل”. فمنذ 2011، تطالب باقامة منطقة عازلة ومنطقة حظر جوي في شمال سوريا. وفي معاييرها، يمثل نظام الاسد خطرا أكبر عليها من “داعش”. وعلى رغم أن اقامة منطقة الحظر لم تعد احتمالا بعيدا في ظل تحرك مقاتلات الائتلاف في أجواء سوريا واجازة مجلس النواب التركي تمركز قوات أجنبية على أراضيه، لا يزال التباعد كبيرا بين أنقرة وواشنطن، وخصوصا من حيث المطالبة التركية بتدخل مباشر ضد الاسد. ولن يكون تغيير موقف واشنطن في أي حال بسهولة الحصول على التفويض النيابي.