أصهار لبنان دوليون جاسر الجاسر
الحياة/05 تشرين الأول/14
لا شيء يشغل لبنان هذه الأيام سوى سيدتين. تناسوا الفراغ الرئاسي وتجاذبات الأحزاب ومشكلات الكهرباء واختطاف العسكر وانصرفوا إلى رولا سعادة وأمل علم الدين اللتين بثتا بريق أمل واعتزاز لبنانيين امتصّا حال الاحتقان والضيق السائدة. وجدوا أخيراً أخباراً سعيدة بعد أشهر من سحب سُود ليس فيها مطر ولا خلف ظلمتها شمس، إنما تبعث بنذر شؤم وأخبار سوء، فلم يعد للاكتئاب منافس ولا مجال سوى للإحباط. خبران سعيدان تسلّلا ليعيدا إلى البنان روح الإنجاز والحضور والهيمنة، ويقين التمدد والانتشار، وقدرة الحضور الفريد، حيث يختفي الآخرون أو يستحيل ظهورهم. رولا سعادة المسيحية اللبنانية استقرت سيدة لأفغانستان المسلمة المغلفة بالتشدد، فهل من رسالة أقوى وأكثر تعبيراً يحلم اللبنانيون بها. أمل علم الدين الوحيدة التي دجّنت زير النساء جورج كلوني وأدخلته القفص سعيداً ومبتهجاً ودافعاً كل ثمنه.
هاتان السيدتان تشكّلان الجوهر اللبناني من حيث التنوع والمغامرة والاندماج الثقافي، فلا يعتز اللبناني قدر ثقته أنه يستطيع أن يجعل كل أرض بلده، وكل سكانها صحبه، فهو العربي الوحيد الذي لا يغلق الباب ولا يحب الانطواء ويضيق بالطريق إن كانت طويلة وأحادية.
كرسيَّان أحدهما رئاسة والآخر زواج، لكنهما أيقظا السؤال عن لبنان الذي كان، فكلا الكرسيين اقتعدته امرأة كانت نتاج الزمن الجميل حين كان لبنان محطة ونافذة ومنارة ثقافة وباباً لا يستأذن الداخل إليه ولا تلاحقه نظرات الشك والريبة؛ حين كان لبنان لا يعرف سوى الابتسامة يقصده العرب سائحين ودارسين ومستثمرين وخاطبين أيضاً.
اللبناني يختلف عن كل عربي، فهو لا يستقر منقطعاً إلى طائفته وأهل جنسيته، كما هي عادة العرب، بل يقذف بنفسه في رحم المجتمع الجديد ويكون جزءاً منه، فلا يمضي وقت إلا وهم أقرب إليه من حاملي جوازه، وهم أسعد به من جيرانهم الثابتين.
أصهار لبنان الدوليون هم جذوة الأمل وشحنة الطاقة ومحاولة العودة إلى لبنان الذي احتشد بكل الطوائف من دون أن تكون الفروقات محل سؤال، هو البلد الذي تتزاوج فيه الطوائف حتى أن العائلة الواحدة المتشعبة قد تضم كل الطوائف والمذاهب. أقصد أنه كان يفعل ذلك، أما اليوم فإن البغضاء والحساسية هما الأطغى وترتفع نبرتهما مع تصاعد الأحداث حتى لتوشك العائلة المتشعبة أن تتقوقع مرة أخرى، فتعود إلى جذورها العربية الأصيلة.
لم تكن الحرب الأهلية في لبنان سوى حالة طائفية، لكنها تبخرت مع تلك الأيام لولا تبدلات المشهد اللبناني وتحوله من ساحة جمال إلى ميدان تجاذبات.
رولا وأمل حديث اللبنانيين، ولو أنهما جاءتا سابقاً لكان الأمر طبيعياً بالنسبة إلى لبنان الذي أفرز شعراء وأدباء وتجاراً ومصممين وغيرهم، وبثّهم إلى العالم أجمع فلم يدهشه شيء، لكنهما جاءتا في وقت نسي فيه الجميع تلك الأيام العطرة، فلا أمامهم سوى فرز الأحزان وجدولة الآلام، فكانتا الإنقاذ والمتعة والبهجة واستعادة الزمن الذي كان.