لبنان “دولة سلبيّة”
الياس الزغبي/لأبنان الآن
05 تشرين الأول
في المصطلحات السياسيّة الحديثة تسميات أو نعوت عدّة للدول المصابة بخلل كبير أو انحراف بنيوي خطير.
سمعنا بالدولة – الحاجز أو الممرّ، والدولة الفاشلة، والدولة المارقة، والدولة العاجزة، والدولة – المريض.
وكانت لكلّ توصيف حالة واقعيّة تنطبق على دولة أو أكثر، من أفريقيا والصومال إلى كوريا الشماليّة، ومن كوبا وفنزويلا إلى إيران والعراق وسوريّا، إلى اليونان.
ودخلت قواميسَنا تعابيرُ تختصر تلك الحالات مثل البلقنة والكوبنة والكورنة والصوملة واللبننة والعرقنة والليبنة واليمننة والسورنة..
لكنّ لبنان الآن، يكاد يخرج من هذه التصنيفات والألقاب، إلى حالة جديدة مختلفة، غير العجز والفشل والمروق والمرض، هي ما يمكن وصفه بالدولة السلبيّة. فلعلّنا نقدّم إضافة إلى “حضارة” التخلّف، بعدما طوى المتقدّمون بيننا مراحل العطاءات الحضاريّة الفعليّة من مهد الأبجديّة إلى أنوار النهضة وروّاد الثقافة والعلم والأخلاق في القرن العشرين.
لقد بات اللبنانيّون لا يلتقون إلاّ على السلبيّات في شؤون الوطن والدولة والسياسة والأمن والاقتصاد، وحتّى التربية والثقافة. ففي وجه كلّ إيجابيّة إختراع سلبي لإلغائها.
فـ “كلّ شيءٍ ضدُّه من جنسِهِ حتّى الحديدُ سَطا عليهِ المبردُ”!
– في السياسة الخارجيّة دولتان: واحدة مع التحالف الغربي العربي وأُخرى ضدّه، ووزير الخارجيّة يوقّع في جدّة ويتنصّل في بيروت، يقاطع النظام السوري في باريس والرياض ويلتقيه في نيويورك، يلوّث سمعة الدبلوماسيّة اللبنانيّة في الخارج بتعابيره وإيحاءات يديه وتحقيره المرأة، ويتبرّأ من فعلته فور عودته!
– سفير النظام يدلف إلى مقارّ نصف المسؤولين أو رُبعهم، وينشر النظريّات والسلبيّات، كأنّ دولتنا نصف دولة أو رُبعها!
– في مجلس الوزراء حكومتان: واحدة تريد إعمال العقل في حلّ قضيّة العسكريّين المخطوفين، وثانية تحفر في الجرح تحت شعار رفض المقايضة. واحدة تبحث عن مخرج لإنقاذ عرسال من عبء النازحين ولغم الحرب، وثانية تستغلّ مسألة النازحين لتحقيق مكاسب سياسيّة شعبويّة، وإعادة لبنان إلى طاعة النظام.
– في مجلس النوّاب، ممنوع أن يقوم أعضاؤه بواجبهم الأوّل في انتخاب رئيس للجمهوريّة كي يستقيم التشريع وتستقيم المؤسّسات، ومسموح فقط أن يلتقوا على سلبيّة التمديد وتكريس الفراغ الرئاسي، وحتّى فراغ المطالب الاجتماعيّة عبر السلسلة، وفراغ المستوى التربوي عبر الإفادات وتسليع الجامعة.
– في الأمن، يُحرَّم على لبنان أن تُطلق يد جيشه في وجه الارهاب وفي وجه كلّ سلاح غير شرعي، ويُسمح له بالتعايش السلبي بين الشرعي واللاشرعي، بين سلاح الدولة وسلاح المليشيات.
– في حماية الحدود والسيادة، يجوز لفريق لبناني خرقها في الاتجاهَيْن، ولا يجوز للحكومة المطالبة بتوسيع تطبيق القرار 1701، ولا بربط غرفة العمليّات اللبنانيّة بالغرفة الدوليّة لحماية لبنان من الارهاب. المسموح فقط سلبيّة الموقف المعلّق والرمادي بين النعم واللا، فيستفيدون كشركاء مضاربين!
– وإمعاناً في “تسليب” لبنان (جعله سلبيّاً)، يجب أن تسارع إيران إلى دخول بازار تسليح الجيش، بعرض إستعراضي، لئلاّ تغيب كليّاً عن الحلقة الأخيرة من قوسها المتهاوي.
وغداً، مع دخول تركيّا الحرب المزدوجة ضدّ “داعش” والنظام معاً، سيخرج من ينادي بتحييد لبنان و”النأي بنفسه” ممّن كانوا في أساس نسف حياده ونأيه!
لو كان تحييد لبنان عملاً إيجابيّاً لكانوا التزموه سابقاً بدلاً من أن يورّطوه في الدماء السوريّة. أمّا اليوم، فلا يعني ادّعاؤهم سوى تكريس سلبيّة لبنان وليس حياديّته. وفي هذه السلبيّة تجاه معركة المصير في وجه الارهاب والديكتاتوريّة، مقتل أكيد لدولة صغيرة تبحث دائماً عن سند ونجدة في غمار الأمواج المتلاطمة.
إذا كانت سلبيّة لبنان ممكنة موقّتاً، ومن المعقول إدارتها بين قواه الداخليّة وتجاذباتها السياسيّة من الحكومة إلى البرلمان، وحتّى في شؤون أمنه الداخلي وفوضاها، فإنّ سلبيّته الخارجيّة في حرب المصير ستكون خطيرة وقاتلة، خصوصاً أنّنا متّجهون إلى تذويب حدّة المَحاور.
لا يطمح اللبنانيّون إلى تقديم براءة اختراع سياسي جديد إسمه “الدولة السلبيّة”، أو “نيغاتيف” دولة.
فعلى الأقلّ، دعوه إيجابيّاً في الانتساب إلى معركة مصيره كوطن ودولة، واستمرّوا في لعبة سلبيّاتكم الداخليّة، إلى ما شاءت الكراسي!