عائلات العسكريين الأسرى في عكار.. غصّة وحرقة انتظار
عكار ـ زياد منصور/المستقبل
29 آب/14
من فنيدق مروراً بتكريت وصولاً الى مشحة وانتهاء بالقبيات، شبان في زهرة العمر، عسكريون في الجيش وقعوا أسرى لدى المجموعات المسلحة الإرهابية في عرسال، لتجد عائلاتهم أنفسها وجهاً لوجه أمام كارثة ومصيبة غير متوقعة، سقطت على الرؤوس والقلوب محدثة حرقة وألماً وانتظاراً قاتلاً ، وخوفاً من أن تطول المسألة كما حصل في قضية مخطوفي اعزاز، فيطول الأخذ والرد واستعمال الورقة من هذا الطرف أو ذاك، او هذه المجموعة او تلك، فتطول الأيام، وحينها ربّما يعودون سالمين أحياء، لكن هذه المرة دون أن يجدوا آباءهم أو أمهاتهم على قيد الحياة، حيث منهم من اعياه المرض ويعاني امراض القلب وأمراضاً اخرى، فالاكتواء بلهيب الشوق الممزوج بالخوف على حياة أبنائهم العسكريين الموجودين في مكان ما في الجرود يعانون البرد والجوع والعذاب لا يمكن التكهن بنتائجه وعواقبه على الأجساد الهرمة والتعبة..
اليوم يعيش هؤلاء دون بارقة أمل تعيد اليهم بعض الرجاء بعودتهم سالمين معافين، كما كانوا مع كل «مأذونية» حين كانت تنتظرهم الأمهات والزوجات والأطفال والآباء مهللين مرحبين بعودتهم من عرسال البعيدة،
لا يوجد في أي منزل في تلك القرى، سواء في فنيدق حيث هناك ثلاثة أسرى هم علي السيد، وحسين محمود عمار، وخالد مقبل حسن (الموري)، أو جورج خوري في القبيات، أو ابراهيم مصطفى شعبان في مشحة، وأحمد غية في تكريت سوى البكاء والحسرة والقلق والغصة على أبناء ذنبهم أنهم قرروا خدمة وطنهم وجيشهم واعالة عائلاتهم، كما يوجد بعض العتب بشأن ما حصل والذي لا يمكن تصديقه.. إذ في هذه القرى وفي أحيائها وحاراتها فتحت البيوت للسوريين المظلومين، لتجد قضية النزوح تعاطفاً قل مثيله مقارنة مع أي منطقة في لبنان، كما يبرز موقف عتب يقول «كيف يمكن لمظلوم أن يظلم، كيف يمكن لمن قاسى وعانى وتعذب وأسر واعتقل أن يتحول الى خاطف وحاجز للحرية؟ فهذا أمر غير منطقي».
حكايات متشابهة وقصص مأسوية لقضية مؤرقة ومقلقة، قصص أُسر فقدت الابتسامة وتذوق اليوم مرارة الانتظار المرهق، انتظار خبرية أو قصة أو وريقة، أو رنة هاتف ربما تعيد بعض الأمل خاصة أن البعض، بحسب الأهالي يتعمد تشويه القضية، يتعمد التلاعب بمصير العائلات فينقل بيانات من هنا وهناك عن قرب تصفيتهم، أو توقف المفاوضات أو غير ذلك من شائعات لا تستند الى أي واقع.
«المستقبل» جالت في بلدات وقرى الأسرى العسكريين للوقوف على مشاعر الأهل، لمعرفة أين أصبحت القضية، ما هي مطالب الأهالي للخروج من هذه الأزمة ، وهل معجزة انقاذهم قريبة؟
بعضهم اكتفى بالصمت ، فكانت الدموع على وجنات الأمهات أو الأخوات كافية للتعبير عن حجم ما يعتمل في النفس والباطن ، منهم من اعتبر أن القضية تحتاج الى روية وهدوء وحكمة، وبعضهم دعا قيادة الجيش لاستخدام كل طاقاتها وكل الوساطات لحل المشكلة، ومنهم من دعا الى عدم تسييس القضية وابعادها عن الجدل العقيم والمناكفات والانقسامات في البلاد..
مشحة
في منزل ابراهيم شعبان في مشحة يجلس والده مصطفى وشقيقه يتأملان في صورة البطل المقدام الموصوف بالشجاعة والتهذيب، لكن الحرقة كبيرة والأمل أكبر، يقول الوالد: أتوجه مباشرة للخاطفين وفي نفس الوقت للسياسيين، نسمع كلاماً كثيراً وروايات مختلفة، اليوم ليس الوقت لمخاطبة الأشخاص بل لمخاطبة القلوب ولا سيما للمسلحين، واتمنى أن يصل كلامي الى الجميع..». «أتوجه اليكم كأب وأنا متأكد أيها الخاطف أنك قد تكون أباً، هل أن ضناك ليس غالياً عليك؟.. اليوم سيمضي شهر تقريبا على الأحداث في عرسال، منهم من له أب وأم أو خطيبة أو زوجة أو طفل رضيع.. أين هم الآن لا نعرف.. كيف ينامون، ماذا يأكلون؟ في المناسبة أتوجه الى المسلحين تحديداً: لقد عاملنا أخوتكم النازحين كأعز من الاخوة ووضعناهم في قلوبنا، حتى انه من الصعب التمييز في مشحة بين النازح وأخيه اللبناني، هل هكذا نكافأ؟ نحن بالفعل نخاف من حصول أي شيء غير متوقع، وكيف ستتطور الأمور، ما هو رأي أهلنا وأقربائنا وناسنا؟ أنتم ظُلمتم بالفعل، هل ترضى أيها المظلوم ان تظلم، والظلم صعب ولا يمكن القبول به والله خلقنا احرارا وحرّم الظلم على نفسه وعباده.. أناشد السياسيين أن يعتنوا بالقضية، ومعاناة الأهل لا يمكن وصفها بأية عبارات.. أتضرع لله تعالى أن يفرج عنهم.. ندائي للسياسيين ابذلوا جهوداً أكثر وضحوا من أجلنا قليلاً، وللمسلحين أقول لديكم أولاد واخوانكم يعيشون بيننا اشعروا معنا واعلموا أن لدى الشباب أهلا ينتظرونهم بفارغ الصبر».
تكريت
في تكريت حيث منزل أحمد غية تجلس الوالدة حزينة، لا تتوقف لحظة عن البكاء تناشد ابنها العودة سريعاً «أنا أنتظرك يا أحمد»، تقول ملتفتة الى صورة مركونة على طاولة رتبت بعناية، وتضيف «عد يا حبيبي» والى جانبها والد وخطيبة وأخوات أصابهم الخبر الصاعقة بفاجعة كبرى.. يتوجه والده عبودي للخاطفين بالقول: اعلموا أن العسكري الذي بين ايديكم لديه أب وأم وأخت وأنتم لديكم أيضاً عوائل، أقول لكم لدينا من بلداتكم وقراكم سوريون ونازحون واقترنوا وتزوجوا من بناتنا وبالعكس.. اناشدكم باسم كل الأنبياء والأديان أن تعيدوا الينا أولادنا ، وأرجوكم أن لا تقوموا بتعذيبهم..
أطلب من كل مسلح أن يعلم أن لا ذنب بشيء لهولاء الشباب، أناشد ضمائركم وعقولكم أفرجوا عن أولادنا ، لا ذنب لأولادنا بأي شيء… لقد احترق قلب أمه وشقيقاته والليل والنهار لدينا سواء، كله سواد بسواد..
اتوجه للشيخ سعد الذي نحبه «أحبك يا شيخ سعد ، تكريت معك والى جانبك» ، أرجوك أن تتدخل في القضية، فكما تدخلتم في اعزاز والراهبات تدخلوا أرجوكم في قضية أبنائنا، أولادنا أعزاء لكم كما هم لنا.
وأقول لقائد الجيش، يا حضرة القائد.. أحمد أبنك، وانت بلا شك ضنين بنا وبهم ونؤمن بقدرتك على ايجاد مخرج.. اناشد كل الذين يستطيعون أن يؤثروا على هؤلاء الجماعة أن يتدخلوا أنقذوا أبناءكم وأبناءنا، هذه قضية انسانية ووطنية ولا ذنب للعسكريين بشيء».. يتوقف والدموع تنهمر على وجنتيه : ابني ودعنا في اليوم الأول وعند وصوله وقع في الأسر ما ذنبه، وذنب هؤلاء الشباب لا ذنب لهم هم في الجيش لحمايتنا وحماية الوطن، ومساعدة العائلات الفقيرة.. اناشد الاعلام أن يقول الحقيقة ولا يشوه الموضوع وأتمنى أن يفرج عن ابن القبيات قبل ابني، ويفرج عن ابن الشوف قبل ابني.. أتضرع لله أن نجد مخرجاً ويعود الينا».
القبيات
في القبيات الحزينة والثكلى المفجوعة بالشهيد العسكري طوني حاكمة الذي صرعه الموت في حادث سير منذ أسبوع وهو متوجه الى الخدمة، تواجه قضية الرقيب جورج خوري بالرجاء والأمل ولا تعدم وسيلة ولا تهنأ حتى استرجاعه وعودته سالماً الى حضن والدته، والعائلة تتضرع الى الله وتنتظر ولو بارقة أمل تعيد جورج الى طفليه وزوجته وأمه وشقيقته.. حاولنا التواصل مع شقيقه دانيال الذي اعتذر عن اللقاء نظراً الى حالة العائلة ووضع الأم المتعبة جداً ، التي تنتظر فقط عودته، ومستعدة لكل شيء من أجل ابنها وعودته الى أحفادها.. تتجنب العائلة وسائل الاعلام ولكن تشكر كل المتضامنين كل من يرفع ويتابع قضية جورج لأن الموضوع لا يحتمل.. المهم أن هناك صفحات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تتضرع لجورج وتطالب الجميع بدعم قضيته، فالعائلة تريد عودة الى بيته وزوجته الحامل وطفله لا أكثر ولا أقل..
فنيدق
معاناة العائلات في فنيدق لا تقل عن غيرها من بقية العائلات، وتزيدها «خبريات» وصور ومقاطع فيديو يعتبرونها مفبركة ألماً على ألم، وكذلك ما تتداوله بعض الوسائل الاعلامية، ما يخلق حالة إضافية من التوتر والقلق. مختار فنيدق أحمد السيد والد الجندي الأسير علي السيد لا تكاد السيجارة تفارق شفتيه، الرجل يعيش حيرة شديدة، وفي الوقت نفسه تغضبه تصرفات البعض مع قضية ابنه والاتهامات التي سيقت بحقه. الرجل أهمل عمله ومتابعة شؤون المواطنين كمختار وكذلك زراعة التفاح ويقول:« ألله يسامحهم المهم يرجع علي بخير»، لا يوفر الوالد أي معلومة عن مصير ابنه. وهو يحاول التواصل مع كافة العائلات لدراسة الخطوات اللاحقة للتحرك بمنأى عما يقال هنا وهناك لكنه يردد لقد طفح الكيل «ابني ابن المؤسسة العسكرية، والدولة اللبنانية، حكومة وقيادة أمنية، مسؤولة عن تحرير وإطلاق جميع المخطوفين العسكريين من أبنائنا، ونحن نناشد الضمير الإنساني لدى كل من يستطيع المساعدة في إطلاقهم، التدخل للإفراج عنهم وإعادتهم إلى أهلهم وذويهم، لأن لا ذنب لهم في كل ما حصل ويحصل». «على القيادة أن تعي أن ابني في الأسر وما تردد وفق بعض التحليلات عار من الصحة ، وأنا متأكد أنه جراء الضغط.. مع العلم أنني أتوجه للقيادة في الجيش وأقول لها الى جانب علي هناك أربعة من أشقائه في الجيش، ولديه اثنتا عشرة سنة في الخدمة ومتزوج ولديه طفلة ، مستحيل ما نقل عن ابني، وقلت للجميع إنه إذا كان صحيحاً ما نسب الى ابني فأنا أتبرأ منه ولن يكون ابني، أنا واثق بصدق انتمائه لجيشه.. وللخاطفين أقول: «بين ايديكم شبان حرام حجزهم ولديهم اطفال وعائلات ماذا تنفع تصفيتهم أو احتجازهم؟. هذا حرام ديناً وشرعاً». الصورة عينها والموقف نفسه في منزلي حسين محمود عمار، وخالد مقبل حسن (الموري) جو الحزن عينه والأمل، كذلك الفاجعة كبيرة والله يقرّب الفرج.