لا خبز للدولة الإسلامية في لبنان
طوني عيسى/جريدة الجمهورية
الجمعة 29 آب/14
بمزيد من القلق، يسأل كثيرون: بعد جولة عرسال الأولى، ماذا تحضِّر «داعش» في لبنان؟ هل هي جولة ثانية هناك، أم تنبُت «داعش» كالفطر في مكان آخر؟ وما هي آفاق المواجهة؟
ما هي الصدفة التي تجعل من الأسد وحلفائه مستفيدين دائماً من حروب «داعش»؟
أساساً، لم تنطفئ نار عرسال الأولى. أما التداعيات السياسية فأشدّ خطراً. ويغرق لبنان في سجال غير بريء بين ذوي نظريّتين: أولئك الذين يقولون بالمعالجة «الواقعية» و»المتروّية» لتمرير القطوع بأقل الخسائر وإطلاق العسكريين المخطوفين، وأولئك الذين يطالبون بالتشدُّد والحسم. وعلى الأرجح، ستظهر تباعاً غايات هذا السجال المفتعَل ومخاطرها.
وستتضاعف الأذيَّة إذا إنفجر الوضع مجدّداً، في عرسال أو سواها، لأنّ ذلك سيفاقم السجال الداخلي ويُربك لبنان في المواجهة. فالقوى اللبنانية التي تماسكت حول الجيش خلال معركة عرسال- من باب الواجب الوطني- تبادلت حملات التشكيك والتشنيع بعدها. ويبدو ذلك شبيهاً بالتضامن الإجماعي الذي جرى خلال حرب تموز 2006، والذي ما لبث أن تحوَّل تشكيكاً وتشنيعاً أيضاً، بعد سكوت المدافع.
وثمّة مصالح عدّة تتقاطع على إرباك لبنان وإظهاره عاجزاً عن مواجهة الأزمات. فهذا الهدف قد تعمل له «داعش» وأخواتها بالتأكيد، لكنّ خصومها المفترضين في المحور الإيراني- السوري قد لا يكونون أقلّ حماسة لتحقيقه. وعلى مدى عشرات السنين، أراد النظام في دمشق إثبات أنّ لبنان لم يبلغ سنّ الرشد، ولذلك هو عاجز عن إدارة شؤونه بنفسه، ويجب أن يبقى تحت الوصاية لئلّا يكون مصدر تفجير للأمن الإقليمي والدولي. ومنذ العام 2005، إستطاع حلفاء النظام في لبنان أن يكونوا أوفياء لهذه النظرية، وأن يوحوا بأنّ خروج سوريا من لبنان حوَّله بلداً فاشلاً، لا شيء يسير فيه، من الإنتخابات الرئاسية والنيابية وتأليف الحكومة إلى آخر شأن حياتي أو تربوي. ولم يعد ينقص هؤلاء إلّا المطالبة بـ»تصحيح الخطأ» الذي إرتُكِب آنذاك بخروج القوات السورية!
لذلك، سينفجر الوضع مجدّداً، وهو أساساً لم يهدأ. وهناك سيناريوهات عدّة يرسمها المحلّلون لإنفجار جديد في عرسال، كما في البقاع الغربي حيث التوترات تتخّذ منحىً تصعيدياً وتُنذر بالأسوأ.
ويقول المحلّلون: إذا كانت «داعش» قد إفتتحت جولة ثانية هناك، فليست هي التي ستدفع الثمن، بل السنَّة أهل البقاعين الشمالي والغربي، لأنّ المعركة ستكون أكثر عنفاً، وستُؤخذ المنطقة بأهلها السنَّة في جريرة الإرهابيين. كما سيدفع الجيش وقوى الأمن ثمناً غالياً. وسيكون المستفيد الأكبر هو النظام السوري على مسافة كيلومترات قليلة، ومعه حلفاؤه، لأنه سيجنِّد العالم معه لـ»ضرب الإرهاب». وثمّة مَن يقول: «إنّ توريط هذه البقعة اللبنانية السنّية في صدام مشبوه ومفتعل قد يستولد تطوّرات دراماتيكية مذهبية خطرة».
وفي ظلّ إتهام «داعش» بمحاولة التمدّد نحو عكار فالبحر، قد يجد «حزب الله» فرصته الذهبية للسيطرة على منطقة لبنانية واسعة، وفقاً لسيناريو «التنظيف» الذي جرى تداوله في الأعوام الأخيرة. وعندئذٍ، سيُطرح السؤال مجدّداً: ما هي الصدفة التي تجعل من الأسد وحلفائه مستفيدين دائماً من حروب «داعش»، في سوريا كما في لبنان؟
الجميع يدرك أن لا خبز لـ»داعش» في لبنان. وأساساً هي عنوان مشبوهٌ تكتنف الألغاز بروزه المفاجئ. وإذا كان هذا العنوان مرفوضاً في البيئتين السنّيتين السورية والعراقية، فكيف يمكن للبيئة السنّية اللبنانية أن تتحمَّله؟ ومن هنا، لا خوف على لبنان وبيئته السنّية من أن تجتاحهما «داعش»، بل الخوف هو مما يراد تنفيذه من مخطّطات في لبنان، تكون «داعش» عنواناً لها.
وإذا كان مكتوباً أن تُستخدَم «داعش» لتغيير الخرائط في بعض الشرق الأوسط، فإنّ دورها في لبنان مختلف، لأنّ لبنان لن يتقسَّم. لكنّ الحراك «الداعشي» هنا سيكون حافزاً لدخول الحلبة اللبنانية مرحلة التصفيات النهائية. فكم سيطول الوجع، وكم سيُهدَر من دماء قبل إعلان النهاية؟