الرئيس الحكيم يتقدّم على الرئيس القوي
جورج سولاج/جريدة الجمهورية/الثلاثاء 26 آب 14
يتمّ الترويج منذ فترة لانتخاب رئيسٍ قويّ للجمهورية تحت عنوان «مواجهة التحديات الوجودية في لبنان والمنطقة، وطمأنة المسيحيّين» خصوصاً بعد اضطهادهم في سوريا والعراق على أيدي الإرهابيّين والتكفيريّين. فهل يُشكّل انتخاب رئيسٍ مارونيّ قويّ فعلاً حلّاً وضمانة، وما هي حظوظ وصوله إذا ما أجريت الإنتخابات الرئاسية في مرحلة قريبة مقبلة؟ أولاً، لا بد من قراءة موضوعية وهادئة بعيداً من العواطف والمسايرة والمكابرة، لما جرى وما زال يجري في المنطقة عموماً، وفي كل من سوريا والعراق أخيراً. ألا يُعتبر الرئيس بشار الأسد قوياً؟ ألم يكن رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي الرجل الأقوى في طائفته وبلده وعلاقته مع مرجعيته الإقليمية؟ ألم يكن معمر القذافي قوياً؟ ألم يكن حسني مبارك قوياً…؟ ألم يكن علي عبد الله صالح قوياً؟ ماذا كانت النتيجة؟ ثورات ودماء وفوضى، وحرب مستمرة في سوريا والعراق. ثانياً، لم يكن لـ «داعش» أن تحتل هذه المساحة وتمتلك كل هذه القدرات والإمكانات لولا تعاطف مجموعات واسعة من أبناء سوريا والعراق معها، نتيجة عدم إيجاد حلٍ سلميّ للنزاع السوري من جهة، وسطوة المالكي على مقدّرات البلاد والعباد وتهميش أهل السنّة خصوصاً. ثالثاً، إن الناس راجعة من الحج وبعض المرشّحين اللبنانيّين يتطلعون للذهاب إليه، بمعنى أن الرئيس القوي أصبح جزءاً من المشكلة، وليس من الحل في كل من سوريا والعراق، والأمر ذاته ينسحب على لبنان، وما زال هناك من ينادي بالرئيس القوي. ولو سلّمنا بوصول رئيس لبناني قوي، خصوصاً إذا كان محسوباً على المحور الذي كان يضم الأسد والمالكي، فإنّ ذلك سيُعتبر إنتصاراً لهذا المحور وانكساراً للمحور المضاد له، وبالتالي سيُلهب مشاعر الغبن لدى شرائح واسعة ويدفعها أكثر فأكثر الى التطرف والسقوط في فخ التعاطف مع «داعش»، وربما التورّط في خلق بيئات حاضنة لها في لبنان. رابعاً، ماذا يمكن لرئيس قوي أن يفعل في ظل الصلاحيات الحالية المحدودة لرئيس الجمهورية، والإنقسام السياسي والمذهبي المتجسّد في حرب استنزاف عبثية في الجوار وعلى الحدود؟ إن الولايات المتحدة الأميركية التي تسعى لإيجاد «معادلة تلبّي تطلّعات السنّة» كما وصفها الرئيس باراك أوباما، أو التوازن الجيوسياسي بين إيران والعرب، لن تؤيّد خياراً رئاسياً في لبنان يُشكّل انتخابه حسماً سياسياً لفريق على فريق. ولن تقبل المملكة السعودية أن يكون هناك غالب ومغلوب في لبنان من الباب الرئاسي، ولن تُضيِّع إيران وقتها في محاولة الإتيان برئيس يُضعف قوى الإعتدال السنّي في لبنان، ويُحبط نصف المسيحيّين إذا كان طرفاً، ولو قويّاً. إن المنحى السياسي، دولياً وإقليمياً، يؤشّر الى تسويات وتفاهمات، وإن مؤجّلة، تتطلب رئيساً معتدلاً عاقلاً حكيماً، لا ينتمي إلى أي طرف، لا في «8 آذار» ولا في «14 آذار»، ولا يُشكّل إنتخابه استفزازاً ولا انكساراً لأحد، لأن الأولوية الأولى في المرحلة المقبلة هي لوضع استراتيجية دولية – إقليمية موحّدة لمكافحة داعش وفظائعها.