الحريري في وجه التحديات
رندة تقي الدين/الحياة
بقاء الرئيس سعد الحريري خارج لبنان لمدة أكثر من ثلاث سنوات مكّن الزعيم السنّي اللبناني من تكوين صورة أوسع مع إدراك أعمق ومسؤول للمخاطر التي تدور في لبنان وفي محيطه الجغرافي بعيداً من الخلافات والانقسامات اليومية لداخلية التي كثيراً ما تأخذ مظهراً تافهاً من بعيد في حين انها تزيد تسميم الأجواء داخلياً. والمخاطر التي تهدد سنّة الاعتدال ومسيحيي الشرق الذين هم أساس في تكوين لبنان جعلت الحريري يتقدم بخطوات على التيار الذي يرأسه لمد اليد لأخصام الماضي مثل العماد ميشال عون. فالحريري عاد الى لبنان مع دعم سعودي لكل لبنان وخصوصاً للدولة وللاعتدال.
في وقت يقتحم تنظيم «داعش» أماكن في العراق ويرتكب جرائم مروعة ها هو الزعيم السنّي اللبناني يعود للتصدي لتغلغل ما يدعى بالإسلام الجهادي من «داعش» و»النصرة» في عرسال والمهدد لكل لبنان. والجدير بالذكر ان بعض هذه العناصر الارهابية المتطرفة آتية من السجون السورية حيث فتح النظام السوري ابوابه لهذه المجموعات ليظهر للعالم ان نظام الأسد هو الخيار الافضل. ان لبنان ليس بمنأى عن المنطقة بأسرها وعناصر التطرف موجودة فيه في وجه «حزب الله» الذي يمثل شريحة كبرى من الطائفة الشيعية مع سلاح جعله الاقوى في المعادلة السياسية اللبنانية واقوى من الدولة وأوجد شعوراً بالغضب والكراهية في الشارع السنّي اللبناني، تماماً كما حدث مع نوري المالكي في العراق مع سنّة العراق. ورغم قوته، فإن دخول «حزب الله» في المستنقع السوري أضعفه حتى انه لم يطلق رصاصة دفاعاً عن غزة. فعودة الحريري تطمئن الشارع السنّي الذي افتقد زعيمه. ومن بيت الوسط وتحت صورة والده رفيق الحريري شهيد الاعتدال دان الحريري التطرف المجرم اينما كان في الوطن العربي. وأكد في خطابه في مأدبة الغداء التكريمية للمفتي الجديد عبداللطيف دريان على «رفض أخذ قلة متطرفة الاسلام الى مواجهة مع بقية الشركاء في الوطن والامة» واصفاً الفئة التي تقوم باقتلاع المسيحيين في العراق من ارضهم بأنها «ضالة معادية للاسلام وخارجة على رسالة النبي»
خطاب الاعتدال في وجه ما يجري في المنطقة ضرورة ملحة ولكن الكلام وحده لا يكفي. فالمطلوب توحيد الصف في البلد وتجنب الانقسامات الداخلية المعطلة لكل شيء. الشعب اللبناني بحاجة الى اوضاع معيشية افضل. فعودة الحريري اعطت دفعة من الامل لكثيرين اعتقدوا انهم متروكون وكاد التطرف يكون خيارهم الوحيد لملء فراغ الساحة. والمسألة الاخرى المهمة للبنان والحريري يدرك خطورتها هي الفراغ الرئاسي. ولم يتوقف عن تكرار هذه القناعة مع قناعة اخرى بقراره باستمرار حوار وصفه بالمثمر والمفيد مع العماد ميشال عون، مؤكداً لجميع زواره في باريس والسعودية انه لن يعود عن الحوار معه وانها نية صادقة وليست مناورة سياسية ورغبة في تصحيح ما اعتبره خطأ في الماضي بعدم التحاور والعمل مع عون. فهو ردد مرات عديدة انه جرّب كل شيء منذ تسع سنوات وادرك ان لا يمكن تهميش شريحة مسيحية كبرى من الشعب اللبناني المتمثلة بالعماد عون ولن يعدل عن ذلك بعد الآن. كما سمعناه يقول مرات عديدة انه ليس هو من يختار للمسيحيين مرشحهم للرئاسة وان عليهم ان يتفقوا في ما بينهم من دون ان يستثني اياً من المرشحين. ولكن المعضلة امام قناعة الحريري هي كيف يوفق بين حلفائه المسيحيين ومحاوره العماد عون وحليف عون «حزب الله» لانتخاب رئيس توافقي.
ان ما جرى في العراق من تخلي ايران عن نوري المالكي يمكن ان يحدث في لبنان. وقال الرئيس باراك اوباما أخيراً لتوماس فريدمان عن ايران: «ان الايرانيين ادركوا ان موقف الشيعة المتشدد داخل العراق على المدى الطويل سيفشل وهذا درس لكل بلد وان نظرية الغالب الذي يأخذ كل شيء تؤدي الى سقوط الحكومة عاجلاً او آجلاً». فهذا ينطبق ايضاً على لبنان. واذا قررت ايران دفع «حزب الله» للتوافق على اجراء انتخاب رئاسي يزول التعطيل. ولكن السؤال: ما هو الثمن الذي سيتم دفعه للايرانيين المعروفين بمنطق البازار ومن يدفعه؟ فطالما ليس هناك اتفاق بين «حزب الله» والحريري ووليد جنبلاط على مرشح توافقي يبقى الفراغ عنوان الساعة. وكثرت التكهنات بعد احداث عرسال ان العماد جان قهوجي هو الرئيس المقبل لكن لا يمكن اجراء انتخاب طالما بقي التعطيل. ان ما يجري من تهديد لمسيحيي الشرق ينبغي ان يوحد الصفوف في طائفة اساسية في لبنان بامكانها مع الاعتدال السنّي حماية تعدد الطوائف والعيش المشترك في بلد محاط بصراعات مهددة وفي منطقة على شفير الهاوية بسبب تفاقم التطرف الاعمى الذي دفع السعودية الى التحرك السريع للتصدي له اينما كان بدءاً من لبنان.