أحمد عبد العزيز الجارالله/السياسة الكويتية: مُسيلمة وسجاح بيننا وداعش وحزب الله والإخوان يفتكون بالمسلمين… فأيّ مصير ينتظر الأمة؟

99

مُسيلمة وسجاح بيننا و”داعش” و”حزب الله” و”الإخوان” يفتكون بالمسلمين… فأيّ مصير ينتظر الأمة؟

أحمد عبد العزيز الجارالله/السياسة الكويتية/05 حزيران/2021

“الإخوان” و”القاعدة” و”داعش” و”حزب الدعوة” و”حزب الله” وسائر هذه الجماعات بين ظهرانينا خيرُ مثال على ما نعيشه من حروب ردة لم تنتهِ بجزِّ الخليفة أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- جذورها، بل هي بدأت حتى قبل وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولاتزال مُستمرة بأشكال مُختلفة، فيما وللأسف حين نسعى إلى تحديد المسؤول عنها يتفرَّق دمُها بين الطوائف والقبائل والأحزاب، وحتى النزعات الشخصانية.

حين بدأ الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- دعوته إلى الدين الحنيف انبرت له قريش مُعارضة؛ كي تبقي على القيادة في مكة، لذلك أطلقوا أبشع النعوت عليه، وحين انتصر عليهم بالحق لجأوا إلى القول الحسن، فكان ردُّهُ -صلى الله عليه وسلم- بالتسامح والقول اللين؛ لأنه صاحب الحق المؤيد من المولى -عز وجل- ودعوته إلى الإنسانية جمعاء، وليست لقبيلة.

غير أنَّ بعض هؤلاء نكثوا عهدهم بعد وفاته، متوهمين أن الإسلام انتهى مع رحيل الرسول، بل منهم من ابتدع ديناً جديداً، مثل مسيلمة الكذاب وزوجته سجاح، اللذين توهَّما أنَّ الأمر استتب لهما بعد زواجهما، ومن غرائبهما أنهما حين استيقظا متأخرين بعد حفل زفافهما أسقطا صلاة الفجر، وخفضا الزكاة عن أتباعهما.

لم يقتصر الأمر على هذين الاثنين، بل كان هناك غيرهما، لكن كل هؤلاء لم ينظروا إلى الدولة الوليدة، التي كان قد أسسها الرسول في المدينة، وقوتها المُتعاظمة في غضون سنوات قليلة، ما أجبر الروم والفرس، أكبر إمبراطوريتين في حينه، على الاعتراف بها، بل أخذتهم حمى الريادة والحكم، حتى لو كان ذلك بحد السيف أو الفتنة.

بعد عهد الخلفاء الراشدين الثلاثة الأول، تغيَّرت رؤية بعض القادة المسلمين إلى شكل الحكم، فكان الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- يسعى إلى استكمال مسيرة الدولة على النهج الذي تركه الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأبوبكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان -رضي الله عنهم-، فيما معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- الذي كانت ولايته على حدود الدولة الرومانية، رأى أن يكون الحكم على الشكل الذي عليه في تلك الجارة العدوة، أي كما تحكم الدول سياسياً، وليس دينياً، وكان ما كان من الفتنة الكبرى في صفين، التي تأسس عليها الانقسام الطائفي الحالي، وهو في الحقيقة أعظم انتكاسة في التاريخ الإسلامي لما له من تبعات سلبية.

حتى الدولتان الأموية والعباسية، لم تسلما من حروب الردة السياسية رغم قوتهما واتساع رقعتهما الجغرافية، إذ كانت الجماعات المتطرفة تتوالد كالفطر على هامش كل معركة، وللأسف فإنَّ كلَّ هذا لم يُشكل أي عبرة للنخب الحالية، السياسية وغير السياسية، الحاكمة والمعارضة، بل يبدو أنَّ العرب يدورون في حلقة مفرغة، يجترون التاريخ ولا يستفيدون منه، لذا كانت حروب الردة السياسية في العصر الحديث، كما حدث في مصر عام 1952، التي منها بدأت موضة الانقلابات، والعراق 1958، وليبيا، وغيرها من الدول العربية، وكذلك الدول الإسلامية، كالانقلاب الملالوي على الشاه في العام 1979، أو أهلية، كما حدث في لبنان عام 1975، الذي تفكك إلى مناطق هيمنة عصابات وميليشيات، تتحكم فيها حالياً عصابة ما يُسمى “حزب الله”، التي تمنع أي تقارب بين طرفين.

هذا الواقع أورث شعوب الأمة القلق على مستقبلها؛ لأنها بعد ما سمي “الربيع العربي” اكتشفت مدى هشاشة مؤسسات الحكم، وغياب الدولة المشروع، إذ لم تكن التنمية إلا شعاراً براقاً كاذباً، وليس على غرار بقية دول العالم التي مرت بأزمات وجودية استطاعت التغلب عليها عبر التنمية المستدامة، كما هي حال الكثير من الدول الغربية، التي تتبوَّأ حالياً المراتب الأولى في كلِّ المجالات، فيما نحن في العالمين العربي والإسلامي لا نزال نعيش عقلية “داحس والغبراء” في الحكم والدول؛ لأنَّ الرؤوس الحامية المغامرة عندنا لاتزال لها السطوة والقوة.

لا شكَّ أنَّ هذا الأمر يُكلف العرب والمسلمين الكثير، ولن يخرجوا من نفقه إلا حين يقتنعون أن الأمم لا تتطور إلا بالوعي، وعدم الركون إلى الأساطير، فيما الإنسان هو من يجترح المعجزات إذا غيَّر واقعه المُتخلف واستفاد من معطيات عصره، وعمل على مُعالجة سلبياته، وليس لعن الظلام والاستسلام؛ لأنَّ عندها سيتعاظم قطع الرؤوس على الهوية الذي مارسته “داعش” و”القاعدة” و”الدعوة” و”حزب الله”، إذ ستصبح القوة المُهيمنة بسبب غياب الدولة المؤسسة.