حارث سليمان/عن الحكومة الهجينة: الثورة مسألة حياة

84

عن الحكومة «الهجينة»: الثورة مسألة حياة!
حارث سليمان/جنوبية/31 أيار/2021

تذخر وسائل الاعلام والمنتديات السياسية، بكَمٍ هائل من النقاشات، حول مسؤولية كل من الرئيس سعد الحريري ورئيس الجمهورية الجنرال ميشال عون ومن خلفه جبران باسيل، عن تعطيل قيام حكومة مؤلفة من ١٨ وزير من الاختصاصيين غير الحزبيين، حسب رغبة الحريري، او ٢٤ وزيرا يتشكلون من ثلاثة ثمانيات؛ ثمانية تعود للثنائية الشيعية ( 5) مع المردة (2) والقومي (1) وثمانية تعود لتيار المستقبل (5) والاشتراكي (1) ويضاف اليها وزيرين مسيحيين مستقلين، وثمانية لتيار عون (6) من بينهم وزيري طلال ارسلان(1) والطاشناق (1) حسب رغبة رئيس الجمهورية. وبمعزل عن

النقاش الدستوري الذي ساد الاوساط الحقوقية والقانونية، حول صلاحيات رئيس الوزراء المكلف في تشكيل الحكومة وتقديمها الى رئيس الجمهورية، كاملة لإصدار مراسيمها بعد اخذ موافقته عليها؟
وبمعزل عن الهزيمة المدوية التي طالت العهد وصهره كنتيجة لجلسة مجلس النواب، التي ناقشت رسالة رئيس الجمهورية وطلبه المضمر بسحب تكليف سعد الحريري بتشكيل الحكومة، والتي اعادت تجديد تكليفه، وصوبت وصححت وضحدت الاجتهادات الترهات، التي فبركها المستشار جريصاتي بالتواطئ مع باسيل، بمعزل عن كل هذا السجال الصاخب، المفتعل حينا، والواقعي حينا آخر، المجدي حينا، والعبثي حينا آخر، تتبدى أسئلة طال طرحها طيلة ٦ اشهر مضت وهي:

*هل عملية التعطيل أسبابها داخلية فعلاً، أم أن أدواتها داخلية وأسبابها خارجية؟ وهل أمر تشكيل الحكومة معطل لخلاف بين الحريري وباسيل؟! حيث تروج روايات كثيرة من ان المسالة شخصية واسبابها أمزجة متضاربة وكيمياء متناقضة!

*من هو المستفيد من استمرار الفراغ الحكومي، وماهي المهمة التي تؤديها حكومة د. حسان دياب في تصريف الاعمال، وما هي الانجازات التي تؤديها، لصاحب الامر الذي يطيل أمر بقائها ويعيق موعد رحيلها.

*هل تشكيل الحكومة الجديدة بعد أن أطلق عقالها السيد نصرالله، وحدد قابلتها القانونية وشاهد ولادتها بالرئيس بري، هي الحكومة التي ينتظرها شعب لبنان لتخفيف أزماته ومعالجة الكوارث المختلفة التي صنعتها طبقته السياسية الحاكمة!؟

هل الصيغة الجديدة المقترح ولادتها هي صيغة معدلة بشكل طفيف عن صيغة “حكومة المهمة” التي أوردتها المبادرة الفرنسية، ام انها صيغة جديدة مهمتها غير مهمة الاولى، ووظيفتها غير وظيفتها، وتركيبتها غير تركيبتها، وعضوية أفرادها غير عضوية الاولى!؟ وبالتالي فان دعمها الخارجي لا يشابه دعم الصيغة الاولى، والوعود العربية والدولية التي ستقطع لها لا علاقة لها بوعود الصيغة الاولى!؟
وبالتالي هل تبقى “حكومة مهمة” تستند الى عدم حزبية واستقلال وزرائها، لتنال دعما عربيا ودوليا، والى *كفاءة اعضائها وعدم خضوعهم لامراء الاحزاب وغرضياتهم وفسادهم، فيضعون حلولا وينفذونها، ويتبنون برامج إصلاح ويطبقونها، ويديرون انتخابات ديموقراطية في المجالات كافة، بلدية ونيابية ورئاسية، دون أن يلجأوا لوسائل الترهيب والترغيب والتزوير وصرف النفوذ والرشوة واستباحة المال العام ومرافق الدولة لشراء اصوات الناخبين !؟

والمأساة التي تضاف الى مآسي شعب لبنان، هو الحجم الهائل من الكذب والتضليل الذي تنشره الطبقة السياسية، لتزييف الواقع وإخفاء الحقائق وإثارة الشائعات التي تموّه الحدث، وتتستر على الارتكابات والارتباطات الخارجية المشبوهة. وأول أكاذيب المشهد الحكومي هو تصوير الخلاف بأنه ينحصر بخلاف حصص بين عون والحريري، فيما يختفي وراء هذا الخلاف موقف لحزب الله، له جانب داخلي متصل بأن الحزب لم يبتلع في تشكيلة الـ ١٨ الوزارية، قيام سعد الحريري بتسمية الوزراء الشيعة دون أخذ موافقة حزب الله، مكتفيا بعدم ممانعة الرئيس بري على توزيرهم.

أما جانبه الخارجي فهو قرار ايراني بربط كل أزمات المنطقة من اليمن الى العراق وسورية الى بيروت، بحل أزمة العقوبات الأمريكية على ايران، المتعلق بالملف النووي، فطالما هناك حصار على نظام الولي الفقيه في طهران، وعلى نظام الاسد في سورية فليشمل الحصار كل ابناء المنطقة وشعوبها!! المطلوب من الحريري حسب تشكيلة الـ٢٤ التي بشر بها نصرالله هو تسمية 5 وزراء مستقلين من الطائفة السنية و1 لجنبلاط فيما يقوم بري وعون بتشكيل بقية الوزارة أما ثاني الاكاذيب وأبسطها هو تصوير التشكيلة انها ثلاث ثمانيات، فيما الحقيقة ان الثمانية المخصصة لاختيار رئيس الحكومة وجنبلاط تحتوي على مقعدين لوزيرين مسيحيين يطالب رئيس الجمهورية عون ب تسميتهما، ومن ضمن هذه الثمانية وزارة الداخلية والعدل، ولذلك فان ما هو مطلوب من الحريري حسب تشكيلة ال٢٤ التي بشر بها نصرالله، هو تسمية خمسة وزراء مستقلين من الطائفة السنية وواحد لجنبلاط، فيما يقوم بري وعون بتشكيل بقية الوزارة. ولذلك فان ثالث الاكاذيب ان الانتقال من صيغة ١٨ الى صيغة ال ٢٤ هي زيادة عددية فقط لا تغير بجوهر الصيغة ووظيفتها.

ان تشكيلة كهذه، لن تكون الا وعاءا مثقوبا، وعدد ثقوبه المفتوحة على مزاريب الهدر والفساد، هو بعدد الوزراء الذين وصلوا الى مقاعدهم كمندوبي احزاب طائفية، وهي تشكيلة لا تجمع اي رصيد ولا تحوز اي ثقه لا على مستوى الداخل اللبناني، ولا على مستوى الجوار العربي ودول الخليج ولا على مستوى المنظمات والصناديق الدولية المانحة، أو دول اوروبا واميركا.

هنا يقع الخلاف الجوهري حول تشكيلة الحكومة ووظيفتها، فالحريري الذي تبلغ موقف الجهات المانحة كافة وفرنسا وغيرها من دول الغرب، يعرف ان حكومة حزبية ستتحول الى جثة هامدة لحظة ولادتها، حتى لو جرى تمويه المحاصصة فيها والتستر عليها، كما يعرف ان حكومة لا ترسم خطا فاصلا بين حدود دويلة حزب الله وحدود الدولة اللبنانية، لن تحظى باي دعم سعودي وبالتالي لن تنال دعما خليجيا عاما.
ولذلك فان صيغة ال ٢٤ وزيرا كما يتمناها بري ونصرالله، لن يستطيع الحريري القبول بها وحملها الى الجهات المانحة حتى لو اراد ذلك ورغبه.

اما البديل عن تشكيل الحكومة واصدار مراسيمها فهو انتظارين؛ الاول جلاء مفاوضات فيينا وتوصل ايران ودول الغرب الى اتفاق يرفع عن ايران العقوبات المالية، مما يعيد لحزب الله تدفقاته المالية وميزانيات دعمه من ايران، وهو ما يتيح له الاستغناء عن حكومة حسان دياب، والمنافع التي يجنيها منها، عبر تسهيلها له الاستفادة المزدوجة من تمويل دعم السلع وتهريبها الى سورية والاستفادة من عوائدها.

أما الانتظار الثاني فهو اعادة تأهيل نظام الاسد عربيا ودوليا ورفع قانون قيصر عنه، وهذا ما يمكنه من الاستغناء عن ضرورة استنزاف احتياط مصرف لبنان من العملات الاجنبية لصالح استيراد حاجات السوق السورية. لذلك فخيار الطبقة السياسية الراهن هو : اما حكومة تغطي اجندة حزب الله الإقليمية برئاسة الحريري، واما استمرار حكومة حسان دياب لنهاية مباحثات فيينا، و لغاية إعادة تعويم نظام الاسد عربيا ودوليا، و يمكن ممارسة هذا الانتظار حتى نضوب احتياط البنك المركزي في لبنان.

مرة جديدة يظهر مليا مدى تنكر الطبقة السياسية، لاي حس وطني او انساني تجاه شعب فقد كل مقومات حياته، كما يتأكد ان ترحيل هذه الطبقة بكل اطرافها هو الحل الوحيد لانقاذ لبنان ولانقاذ شعبه!! في مقابل الخيارات تلك ومن اجل مواجهتها، تتأكد يوما بعد آخر، الحاجة لثورة تغيير شاملة، تستأصل الطبقة السياسية كاملة وتنتزع السلطة وموارد الوطن من اياديها، وتشتد الحاجة الى تبلور معارضة سياسية، تكون بديلا وطنيا لعصابة المافيا والميليشيا، التي اصبحت خطرا على شعبها ودول المنطقة، والتي تتشبث بزمام السلطة ومقاليدها، دون ان تتمتع بادنى درجات المسؤولية الوطنية، آو الكفاءة والمهارات العملية.
وحدها معارضة سياسية تحمل قيما ثورية جديدة، وبرنامجا انقاذيا قويا، واجندة حراك سياسي وخارطة طريق لآليات اعادة تكوين السلطة، وتجمع شخصيات سياسية وطنية، صاحبة علم وتجربة، حاضرها لا يخجل من ماضيها، وحدها هي أمل شعب لبنان الى غد آخر.