الكاتب والمخرج يوسف ي. الخوري/لو كنت رئيسًا

487

لو كنت رئيسًا…
الكاتب والمخرج يوسف ي. الخوري/31 أيار/2021

راجَعتُ ليلة أمس كلّ بنود الدستور اللبناني، وإتّصلت بمحاميِ الخاص، لأتّأكّد من أنّه في حال تَقَمَّصْتُ شخصيّة رئيس الجمهوريّة لن أتعرّض لأيّة ملاحقة قانونيّة.
نصحني الأستاذ بألّا أتقمّص شخصيّة فخامته، وألّا أقِفَ في حذائه أو أنطقَ بلسانه، وأن اكتفي بتخيّل نفسي رئيسًا، وأن أظلُّ أذكّر من وقت إلى آخر بأنّي “لست الرئيس ولكن لوكنت رئيسًا لفعلت كذا وكذا”…
فلو كنت رئيسًا، لطلبت وقف التداول فورًا في “بطاقة التموين”، بطاقة الرِفقِ والمَهَانة. فشعبي لا يُذلّ لبطاقة من هذا النوع. شعبي ودائعه مسروقة، ردّوا له ودائعه وهو يُنهض نفسه بنفسه.
ولو كنت رئيسًا، لاستدعيت حاكم البنك المركزي، ورئيس جمعيّة المصارف، ورؤساء مجالس إدارة الـ 28 بنكًا تجاريًّا في لبنان التي تستحوذ على أكثر من 90% من ودائع اللبنانيين. أستدعيهم، وعندما يمثلون بين يديِ، لا أُعطيهم الإذن بالجلوس، فأُبقيهم منتصبين أمامي كما كنّا ننتصب، زمرة المقاصَصِين، أمام ناظر المدرسة، ثمّ أأمرهم:
– “أَرجِعوا إلى كل الناس أموالهم حتّى آخر قرش، وبالعملات التي أودِعت بها هذه الأموال. هذا أمر”.
يُحاول حاكم البنك المركزي أن يجرّني إلى ملعب “سَعدَناته” المالية والقانونيّة، فأمنعه قائلًا:
– “أنت لا تقاطعني. نفّذ الأمر ولا تجادِلُني. وبما أنّك بالتكافل والتضامن مع زملائك، زمرة المصرفيين، خنتم زبائنكم وانتزعتم اختلاسًا ما اِئتمنوكم عليه، فأنا متأكّد من أنّكم الآن ستجهدون لخلق الحجج والأعذار، ولابتداع الألاعيب القانونيّة، كي لا تُنفّذوا أمري. لكنّكم، شئتم أم أبيتم ستُنفّذون أمري وفقًا للآليّة التالية:
1. أنتم الحاضرون هنا أمامي، بَلَغت موجودات بنوككم 270.5 مليار دولار في بداية العام 2019. صفّوها. صفّوا موجوداتكم، صفّوا موجودات البنوك الصغيرة الأخرى، على أن تُرجعوا للناس أموالهم ومن عائدات التصفيات.
2. بالانتظار، سوف أأمر بأن تضع الدولة اللبنانيّة حارسًا قضائيًّا على كامل موجوداتكم، وعلى رخصكم، حتّى تُعيدوا لكل صاحب حقٍّ حقَّه.
3. بالانتظار أيضًا، أُلزِمُكم بدفع فوائد على أموال العُملاء المحتجزة قهرًا لدى بنوككم، وبنفس نسبة الفائدة (العالية) التي كنتم تفرضونها، على تأخّر المتعثّرين في سداد سنداتهم، قبل قيام ثورة 17 تشرين.
4. تُحتسب الفوائد على كل مبلغٍ غير مجمّد وحجزتم عليه قهرًا لدى مصارفكم، مع مفعول رجعي يعود إلى تاريخ 16 تشرين الأول 2019.
5. الفوائد على المبالغ المجمّدة تستمر بنفس النسبة حتى تاريخ انتهاء عقد التجميد. بعد ذلك، وفي حال لم تُحرّروا لأيّ عميل أمواله بتاريخ الاستحقاق، تدفعون له فوائد تأخير بحسب النسبة العالية.
6. سأخضعكم جميعًا، أنتم الواقفون أمامي، لمحاكمة علنيّة حول بمسؤوليات كلّ منكم في انهيار الوضع المالي، وذلك بعد أن تُحرّروا أموال العملاء المحتجزة قهرًا. وعليه أنتم ممنوعون من مغادرة البلاد حتّى إشعار آخر.
هنا، تخيّلوا معي، أيّها القرّاء، ردة فعل هؤلاء المصرفيين الذين هم في الأساس، وكما يعرف جميعنا، لا يضحكون للرغيف السّخن. سيجنّ جنونهم. كيف لا والأمر طال الآن جيوبهم!… سيحاولون عزف الأسطوانة التي لا يُجيدون اللعب على غيرها: “فخامة الرئيس، القطاع المصرفي هو القطاع الوحيد الصامد في لبنان، وما تطلبه منّا في هذه اللحظات سيدمّر القطاع ويقضي على آخر نفس ليبرالي في لبنان”…
أُجيبهم:
– اِنتهت الحرب عام 1990 وكان مجموع رؤوس أموال بنوككم 200 مليون دولار. اليوم، وبعد ثلاثين سنة أصبحت رؤوس أموال بنوككم 30 مليار دولار! فما لي ولنَفَسِكم الليبرالي ولبنان مفلسٌ ومحتلّ وأنتم تزدادون ثراءً وفحشًا؟ أمّا القطاع المصرفي كقطاع، فانتهى. وما هو مؤكّد، بعد احتيالكم على عملائكم واحتجازكم ودائعهم بالقهر، فإنّ هذا القطاع لن تعود الثقة إليه، ولن يتعافى من وسخكم قبل 20 أو 30 سنة، وبالتالي سيُصبح عالة على لبنان الجديد الآتي، فيُستحسن أن يُصفّى بالكامل ويُنشَأُ مكانه قطاعٌ مصرفيٌ نظيفٌ ومتطوّرٌ ولا يخون من أمّنوه.
اِنصراف.
وبينما هم يهمّون بالخروج، صرت أقرأ ما يجول في بال كلّ منهم. منهم من يقول إنّي رئيس ديكتاتور. ومنهم مَن هو متأكّد من أنّه للمصارف أساليبها وقدراتها الماليّة التي ستحرّرها من أمري المُعطى لها. ومنهم مَن يُراهن على أنّ القيامة ستقوم في وجهي في القضاء لأنّ لا صلاحيّات لي لأتدخّل مع البنك المركزي والبنوك. ومنهم مَن يُراهن على أتباعه من النوّاب لإسقاط أمري في مجلس النوّاب…الخ…
كرئيس للبلاد، ولو في الخيال، ألَمَني كثيرًا أنّ كلّ هذه الأفكار وغيرها تدور في رؤوسهم، من دون فكرة واحدة تُحاكي وجع الناس الذين باتوا على عتبة الانقياد والخضوع لبطاقة الذلّ التموينيّة، التي يُريدها أولاد المنظومة معلّقة على صدور ناسي الطيّبين. عند قراءتي أفكار هؤلاء المصرفيين النتنة استوقفتهم قائلًا:
– أتتذكّرون إيلي حبيقة؟
– النائب والوزير. طبعًا نتذكّره.
– لا، أنا أقصد إيلي حبيقة الميليشيوي، رئيس الهيئة التنفيذيّة في القوات اللبنانيّة أواسط الثمانينيّات.
– طبعًا طبعًا هو نفسه.
– يُحكى أنّه حينذاك، عام1985، صار يحصل تلاعب بسعر صرف الدولار، ومضاربات “سوداء” بين المصرفيين والبنك المركزي. إيلي حبيقة لم يكن ملمًّا بهكذا ألاعيب، فاستدعى مستشاريه الماليين وسألهم أن يشرحوا له كيف يحصل التلاعب بسعر الصرف وبغلاء الأسعار… فشرحوا له ما يجب أن يشرحوه، وأعلموه بأسماء التجّار والمصرفيين الذين يتلاعبون بالسوق وبلقمة عيش الناس.
على الفور استدعى حبيقة كلّ هؤلاء وكلّمهم (على الواقف) لأقلّ من 5 دقائق ثمّ صرفهم حتّى من دون مناقشتهم. أذكر يومها أنّ سعر صرف الدولار كان 80 ليرة لبنانيّة، وفي غضون ساعات قليلة عاد إلى سعره الطبيعي بـ 50 ليرة.
(أضفت قائلًا)
أظنّكم، يا حضرة السادة، تقدّرون الآن ماذا قال إيلي حبيقة لهؤلاء.
– (أحدهم) وهل تهدّدنا يا فخامة الرئيس برواية حبيقة هذه؟
– لا… اعتبروها إخبارًا تحذيريًّا من صديق. اِنصراف.
إنّه اليوم المائتان وستة وعشرون بعد السنة لانبعاث طائر الفينيق.