الكولونيل شربل بركات/كميل دوري شمعون شخصية واعدة في زمن المحل

886

كميل دوري شمعون شخصية واعدة في زمن المحل
الكولونيل شربل بركات/18 أيار/2021

في هذا الزمن الذي يفتقد فيه لبنان لشخصيات قيادية تعبر عن رايها بصراحة ولا تحسب حسابات الربح والخسارة الوضيعة. في زمن الخضوع والخنوع هذا الذي نمر فيه، حيث سيطر سلاح العمالة الإيرانية على الراي الحر وعلى مواقف السياسيين، يظهر من تراب هذا الجبل الخصب نجم جديد من عائلة عريقة قدمت الكثير في سبيل لبنان. وقد حمل اسم جده المؤسس الرئيس كميل شمعون الذي اعتبر “الرئيس الملك” زمن التحديات الكبرى، وقد واجه في نهاية عهده بكل ثبات مشروع عبد الناصر الذي كان يحاول أن يلعب على مشاعر اللبنانيين في موضوع الوحدة العربية، بينما كان يهرب إلى الأمام لتغطية خسائر المصريين المتتالية من جراء الثورة التي أفقدت مصر ثروتها الاقتصادية وهجّرت رؤوس الأموال والصناعيين الكبار ما أعادها إلى الوراء بعدما كانت قوة اقتصادية ومركز ثقل بين دول العالم زمن الملكية وليس فقط دول الشرق الأوسط.

الرئيس الجديد لحزب الوطنيين الأحرار لا يبدو بأنه جاء من فراغ ولبس ثوب ابيه، ولكنه كما أفصح، كان تحمّل، كما كل اللبنانيين الأحرار، ثقل السنوات الأولى للحرب، وخاض غمارها شابا، ليتفرغ بعد نهاية حرب السنتين لدراسته الجامعية، ويعود بعدها ليركز على الانتاج. هذا الرجل العصامي والمندفع لا يبدو ممن يمارس سياسة التكاذب والدوران حول المواضيع. وقد جاوب محاوره طوني خليفة بكل صدق وشفافية. وكانت له مواقف يحسد عليها في الجرأة وصواب الرؤية ووضوح الخط. فلا هو يخجل من مواقف حزبه اثناء الحرب، ولا من الدفاع عن ابطال لبنانيين مثل سعد الحداد الذي حافظ على جنوب لبنان وعلى تركيبته الديموغرافية وعلى سكانه ومصالحهم، يوم كانت الدولة قد باعتهم لفتح وغسلت أيديها منهم. وهو لم يخف من أن يرد على اسئلة من نوع فضل حزب الله على اللبنانيين بأنه خلصهم من داعش. فقد قال بكل صراحة بأن هذا الحزب من نفس فصيلة داعش ولا يؤمن للإثنين. ولم يخجل من أن يؤيد الفدرالية كحل لنظام جديد قد يعتمده لبنان، فهي تحمّل المسؤولية عن وجع الناس لممثلي مناطقهم وبدون القائها على الغير كلازمة المارونية السياسية مثلا أو لازمة الاستعمار و”وحش الرأسمالية” أو “ما خلونا” وهذا كلام يجب أن يسمع من قبل كل الناس.

وأنا أستمع لكلام كميل دوري شمعون رايت فيه أملا للبنانيين. فهو لا يفتش عن الجواب حتى على تهمة التعاون مع اسرائيل في موضوع السلاح، ولم يختبئ وراء إصبعه كما يفعل الغير، ولكنه جاوب بدون تردد بأننا صحيح اشترينا أسلحة من اسرائيل يوم أجبرنا الفلسطينيون على ذلك ولسنا بنادمين. وهو الكلام الذي يجب أن يقال لنخرج من دوامة التكاذب والخجل من ماضي فرضه علينا السوريون وفلسطينيو المنظمات التي عاثت بلبنان فسادا. ونحن نعاني في هذه المرحلة الجديدة من سيطرة فصيل مسلح على السلطة وهو ينتمي هذه المرة إلى امبراطورية بائدة هي الامبراطورية الفارسية، كما كانت تلك العربية زمن الناصريين تحاربنا لمصالح ثورتها الغشيمة وتحاول أن تلحقنا بركب العار والفقر، وهو ما تفعله هذه اليوم بعد أن تسببت بفرض الكثير من العقوبات وتخلي العالم عن المساعدة على الخروج من أزمتنا.

وفي كلامه الصريح دعوة إلى الرئيس عون لانهاء هذه الأزمة التي أوصل البلاد إليها بتقديم استقالته ولما لا فقد فشل في مهمته، وفي بلاد العالم يستقيل الرئيس بنتيجة فشل اقل بكثير مما يحدث اليوم في زمن رئاسته. وهو لم يضع اللوم على باسيل، ولكنه بالتأكيد لا يرى فيه بارقة أمل، كونه يتحمل جزءً كبيرا من فشل عمه الرئيس. وهو لم يساير حاكم مصرف لبنان، ولكنه لم يعطه دورا أكبر من حجمه، كما يريد أن يقنعنا حزب الله وشركائه، فهو بالنتيجة موظف يؤدي دورا تحت إشراف الحكومة التي بيدها القرار.

وقد أعجبني كلامه على أننا لسنا بحاجة لمن يحمينا ولكننا لا نقبل بأن نحارب الآخرين في بلادهم ولا بأن يعود أبناء لبنان محملين بسبب سياسات لا تخدم لبنان بشيء. وهو قالها بكل صراحة، نحن مع حياد لبنان، ولم يخف أن يقول بأننا نريد أن نعيش حتى مع إسرائيل بدون حالة عداء أو حقد. فنحن نريد أن ننفتح على الجميع من داخل حدودنا بدون تمييز. ولكنه اضاف بأنه مع حق الفلسطينيين بالعودة إلى بلادهم، ولكننا بالطبع لن نوقف حياتنا وتقدمنا ولحاقنا بقطار التطور بانتظار عودتهم.

هذا النوع من الرجال يفقتد وجودهم في هذه الآثناء، لأن كل من عمل في مجال السياسة يمني النفس بأن يصل إلى منصب الرئاسة. وكأن هذه الرئاسة التي عمل من أجلها ميشال عون قد شرفته. من هنا نقول لكل من أعتبر نفسه أهلا لذلك المنصب أن يكف عن العمل في سبيل الوصول إليه، بالاتعاظ من تجربة ميشال عون، فهذا الرجل الذي أمضى سنين طويلة مبعدا عن الوطن، قبل بالعودة تحت شروط المحتل، وها هو يخسر اسمه وأحلامه وتاريخه في سبيل منصب هو من حقّره ووسخ صورته في ذاكرة اللبنانيين لمدى الأجيال، وقد بدى واضحا بأنه باع الوطن في سبيل المنصب فخسر الأثنين.

نتمنى بأن يبقى رئيس حزب الوطنيين الأحرار الجديد، ابن بيت شمعون، هذا البيت الذي رفع اسم لبنان عاليا في فترة من الفترات، بعيدا عن متاهات التزلم والانقياد لمصالح خاصة. فسوف يكثر المغرضون ويلتفوا حوله ليوقعوه سريعا في براثن المادة واغراءات المناصب. فليكن أيماننا اقوى بأن الله قد يمن علينا بمن يتعالى على المادة الرخيصة ويسير في ركب بناء الوطن، كبيرا كما اسم لبنان عبر التاريخ، وناصعا كبياض ثلجه، لا يغبّر عليه رخيص نفس أو وضيع بأحلامه، ويبقى راسخا في قناعاته مدافعا عن سيادة الدولة واستقلاليتها، وعاملا على صهر اللبنانيين في وطن، هو درة الشرق والغرب، كان وسيبقى ما نحلم به ونعمل له. وليكن هذا القائد مثالا لقياديين جدد ينطلقون ليجددوا الإيمان بوطن الأرز ويجمعون من حولهم الطاقات التي تعمل لتنسينا تلك الحقبة السوداء التي تحكّم فيها بلبنان فئة حاقدة بعبوس وجوهها وتكديس أسلحتها وتجارتها بالممنوعات، فهي لا تعرف سواها سبيلا للكسب الرزق أو التعاطي مع الآخرين.