شارل الياس شرتوني/دولة حزب الله أم الدولة اللبنانية، المطلوب الحسم

92

دولة حزب الله أم الدولة اللبنانية، المطلوب الحسم
شارل الياس شرتوني/13 نيسان/2021

رهانات حزب الله والمصالح الاوليغارشية المتشبثة بشراسة باقفالاتها، لا تعالج خارجًا عن مظلة التدويل وسياسات العقوبات المالية الدولية، والا فنحن أمام سيناريوات نزاعية اقليمية مفتوحة وتداعيات لايملك أحد ناصيتها.

*التحالف مع ميشال عون فقد سقطت شرعيته في الاوساط المسيحية وانتهى استخداما لشخص على قاعدة مقايضات مصلحية مالية وسياسية تتوزع بينه وبين أفراد عائلته وصهريه جبران باسيل وزبانيته، وشامل روكز وطموحاته القاصرة قدرا وقدرة.

*أعادت مداخلة البطريركية المارونية التموضع التاريخي والوطني والسياسي للمسيحيين خارجا عن المفكرات المصلحية والشخصية لمن يدعي احتكار تمثيلهم وتجييرهم لصالح سياسات نفوذ اقليمية أيًا كانت، وأكدت تلاقيها مع الطروحات الاصلاحية التي دفعت بها الحراكات المدنية، والتزمت خيار التدويل والحياد مداخل أساسية من أجل حماية السلم الاهلي

*****
ان التعايش مع دولة حزب الله التي لا تعدو كونها محطة مرحلية داخل مشروع انقلابي شيعي اقليمي تديره ايران قد اصبح من المستحيلات، لأن الازمات اللبنانية المتداخلة قد بلغت حدا من الخطورة التي لم يعد بالامكان التأقلم مع املاءاتها، وإحالة لبنان الى وضعية الموت السريري المديد. إن كل التبريرات المعطاة لعدم تشكيل الحكومة هي من الهشاشة والاصطناع الذي لم يعد ينطلي على أحد، في حين أن الاهداف الانقلابية للفاشيات الشيعية، بمنطلقاتها الداخلية والخارجية، قد اصبحت منذ زمن بعيد من المعطيات البديهية التي ينبغي احتسابها في أية عملية تقدير للوضع السياسي في البلاد. تندرج سياسة المماطلة المتمددة الى غير أجل ضمن رؤية سياسية تستهدف شرعية البلاد الوطنية وفاعلية المؤسسات الدولاتية، التي لم تعد الا امتدادات لسياسات النفوذ المنتظمة تحت لواء مراكز القوى الشيعية وشبكة انضواءاتها الإرادية وغير الإرادية. ان المماحكات حول إشكاليات التأليف الوزاري، سواء لجهة صلاحيات رئيسي الجمهورية والوزارة، أم لناحية المحاصصات بين مراكز القوى الملتئمة، وأسماء الوزراء وصفاتهم التمثيلية (سياسية، وتكنوقراطية، وتكنو-سياسية)، ليست الا حجج واهية تستتر وراءها السياسة الانقلابية، وصورة عن واقع الدولة اللبنانية الصوري الذي جعل منها اسما لغير مسمى، مما يعني أنها دولة لا تنطبق عليها الصفات السيادية التي تعطيها حيثيتها الفعلية. سوف تمعن الوضعية الحالية في التفكك المنهجي لأوصال الدولة، والدخول في متاهات الفوضى السياسية والأمنية، وتثبيت الانهيارات المالية والاقتصادية والاجتماعية والايكولوجية، والدخول في مدارات الفوضى الاقليمية. تندرج ديناميكيات التفكك على المستويات التالية:
– تفكك حيثيات دولة القانون وتحول المؤسسات الدستورية الى كيانات اسمية لا قوام لها فعليا، وغطاءات تستعملها سياسات النفوذ معابر مرحلية من أجل النفاذ باهدافها المرحلية والمتوسطة والبعيدة المدى.لقد تحولت الديموقراطية التوافقية من مفهوم المشاركة التي تضبطها الآليات الدستورية والاعلانات الميثاقية، الى واقع المحاصصة بين حلفاء انتهازيين يبنون تحالفاتهم على قاعدة مصالح ظرفية وشخصية، وانطلاقا من حسابات انقلابية ناظمة لها. ان واقع الانقسامات الأفقية على تنوع اعتباراتها الفئوية هو الذي مكن سياسات النفوذ الاقليمية والداخلية من تطويع الحياة السياسية الداخلية واخضاعها لموازين القوى المتقلبة والتحالفات الانقلابية، والى اضعاف الكيان الدستوري للدولة لحسابها. لقد نجح حزب الله في السيطرة على الحياة السياسية انطلاقا من سياسة التحالفات الانتهازية المبنية على مقايضات مصلحية مقابل تنازلات تطال السمات السيادية، واستقلالية الكيان المعنوي والحقوقي للدولة (تقاسم الريوع السياسية والمالية على حساب مفاهيم الخير العام وضمانات دولة القانون والحقوق المواطنية،كما هو الحال على درجات مختلفة مع نبيه بري، وميشال عون وحسان دياب وضابط الايقاع حزب الله)، ومن مقارعة شرعية الدولة اللبنانية الدستورية باسم الشرع الاسلامي وحدوده كما يفهمها المذهب الخميني.

إذن نحن أمام مفارقات قانونية وسياسية لاغية لمفهوم الدولة الحديثة وموجباتها، وأمام مشروع سياسي سوف يؤدي في خواتيمه، الى نهاية الكيان الوطني والدستوري للدولة اللبنانية وروايتها الميثاقية المنشئة. نحن أمام تحديات واسئلة مطروحة على الطائفة الشيعية، على تنوع توزعاتها السياسية والاجتهادية، لجهة حسم الخيار بين استمرارية الجمهورية اللبنانية ككيان دولاتي، أو الانخراط النهائي في المشروع الانقلابي الشيعي الذي تقوده إيران وتمليه سياسة السيطرة في الداخل اللبناني.أما التحالف مع ميشال عون فقد سقطت شرعيته في الاوساط المسيحية وانتهى استخداما لشخص على قاعدة مقايضات مصلحية مالية وسياسية تتوزع بينه وبين أفراد عائلته وصهريه جبران باسيل وزبانيته، وشامل روكز وطموحاته القاصرة قدرا وقدرة. أعادت مداخلة البطريركية المارونية التموضع التاريخي والوطني والسياسي للمسيحيين خارجا عن المفكرات المصلحية والشخصية لمن يدعي احتكار تمثيلهم وتجييرهم لصالح سياسات نفوذ اقليمية أيًا كانت، وأكدت تلاقيها مع الطروحات الاصلاحية التي دفعت بها الحراكات المدنية، والتزمت خيار التدويل والحياد مداخل أساسية من أجل حماية السلم الاهلي، وتلافي ديناميكيات التداخل النزاعي على المستوى الاقليمي، وصيانة التداول الديموقراطي كمدخل محوري من أجل قيادة مرحلة انتقالية باتجاه الخيارات الاصلاحية البديلة، وحماية الكيان الوطني اللبناني في مرحلة حاسمة على المستويين الداخلي والاقليمي.

إن وضع اليد على رئاسة الوزارة السنية قد بقي دون سياسة التطويع المرتجاة وتحول الى استلاب سياسي، وعملية مقايضات مالية مع الاوليغارشيات السنية، بدءا من سعد الحريري وانتهاء بنجيب الميقاتي، ومواجهات مؤجلة مع الاوساط السنية على تنوع انتماءاتها، بدءا بالمعتدلين بينهم وانتهاء بالتيارات السلفية والجهادية التي تترصد فرصها. العلاقات مع وليد جنبلاط لزمت الى الحليف-الغريم نبيه بري على أساس تلافي الاصطدامات غير المبرمجة وتبادل الريوع السياسية والمالية، والمهادنات المرحلية والانتقائية .ينطلق تحالف حزب الله-أمل من قاعدة صيانة السلم الاهلي الشيعي الخسع والخاضع لتموجات صراعات النفوذ المناطقية والسياسية والمذهبية، وتقاسم الريوع السياسية والمالية، والاحتفاظ بالمدى الجيوپوليتيكي اللبناني كمنصة لادارة النزاعات الاقليمية ( سوريا، العراق، الاراضي الفلسطينية، اليمن، البحرين…)، والاقتصاد المنحرف دوليا وإقليميًا. لقد انطفأت ثورة الارز مع المقايضات المصلحية/السيادية التي أسس لها الاتفاق الرباعي، واستبدال التبعية السورية بالتبعية الايرانية، وهمشت الحركات المدنية بفعل الممانعات المشتركة بين الفاشيات الشيعية والاوليغارشيات المافيوية، على قاعدة صيانة المصالح المالية المشتركة بينهما وتغطية الاستباحات السيادية المبرحة.

– إن التجاهل المتعمد للأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية هو جزء من سياسة انهيارات مبرمجة تستهدف الكيان الوطني والدولاتي على حد سواء. إن الخلاف حول إشكاليات التحقيق المالي الجنائي لجهة تحديد أطرافه هو أمر مصطنع، لإنه لا جدوى لهذا العمل إن لم يتم على خط التقاطع بين المصرف المركزي والوزارات والادارات الرسمية، وكل المسؤولين السياسيين والاداريين الذي اشتركوا في هندسة وتنفيذ سياسة الديون البغيضة في كل مندرجاتها، وعطفها على اعمال قضائية دولية ومحلية من أجل رصد الاموال المنهوبة ومصادرتها. يضاف الى ذلك تجاهل القرار ١٥٤ العائد لإعادة رسملة البنوك، وهيكلة القطاع المصرفي على قاعدة تقسيم عمل جديدة مبنية على التداخل بين السياسات المالية والنقدية، وإعادة احياء الحياة الاقتصادية على خط التواصل بين الاقتصاد المعرفي وتطبيقاته في سائر المجالات الزراعية والصناعية والخدماتية، والسياسات التربوية والبحثية المتلازمة. إن الخروج من حلقة التضخم المالي الذي سببته السياسات الريعية، والمضاربات المالية والعقارية، ومترتباتها الحالية لجهة التلاعب بأسعار صرف الدولار التي تديرها المافيات الاوليغارشية المالية-السياسية بتحكيم من مراكز النفوذ الشيعية (نبيه بري وعلي ابراهيم)، يتطلب انعطافات أساسية لناحية الحوكمة المالية والاقتصادية والنخب المالية والسياسية المقررة في هذا الشأن.

يفصح الابقاء على اللعبة المالية الحالية عن أهداف سياسية وجنائية إرادية تتوخى الابقاء على الاقتصاد الموازي القائم على الأعمال غير المشروعة والجرائم المالية والاقتصادية، التي اعتمدت النظام المصرفي اللبناني والقطاعات الاستثمارية اللبنانية محطة لتبييضها وإدارتها على المستويين المحلي والدولي. إن سياسات النهب التي اعتمدت في مجالات إعادة الإعمار والتي حالت دون إعادة تجديد البنيات التجهيزية على نحو متماسك وضمن مهل زمنية معقولة ( كهرباء، مياه، مواصلات عامة، شبكات التواصل المعلوماتية المتداخلة-الخليوي والانترنت والتبادل الافتراضي-، ومعالجة النفايات، والتخطيط المدني…) استهدفت النهضة الاقتصادية لمرحلة ما بعد الحرب لحساب سياسات انقلابية، ومصالح ومداخلات الاوليغارشيات المافياوية على تعدد مسارحها المحلية والدولية. أخيرا لا آخرا ان غياب أية سياسة ضريبية جديرة بهذه التسمية ينبىء عن فقدان الكيان الدولاتي الديموقراطي إحدى أهم ركائزه لجهة اعطاء الدولة حيثيتها على قاعدة المقولة الأميركية “لا ضريبة دون تمثيل”، أو عندما يقتصر دفع الضريبة وبنيتها على بعض المواطنين دون سواهم (جبل لبنان مقابل الباقي، الضرائب غير المباشرة، غياب الضرائب المباشرة بتصريفاتها التحفيزية والرادعة والتوزيعية والايكولوجية… ).

-تتقاطع ذكرى بداية الحرب اللبنانية (١٩٧٥-١٩٩٠) مع انقضاء ٨ أشهر على عملية المرفأ الارهابية، و٣٠ سنة على عودة المداخلات الخارجية الى الداخل اللبناني من البوابات الاقليمية المتنازعة والمتمركزة داخل النسيج السياسي-الاجتماعي اللبناني، وعلى متون اعلاناته الدستورية والميثاقية المنتفاة لحساب سياسة النفوذ الاقليمية المتوالية والمتزامنة. إن الاحتجاب وراء مفارقات سياسة النفوذ الايرانية في المديين الاقليمي والدولي هو شأن أساسي في مجال تقييم أداء حزب الله وطبيعة مداخلاته، لكنه يتلازم مع سياسة السيطرة التي تعتمدها الفاشيات الشيعية على مستوى استهداف الخيارات الليبرالية والتعددية والدستورية والميثاقية للكيان اللبناني، انطلاقا من مصالح استراتيجية ومالية، وأحكام شرعية مضادة لمفاهيم دولة القانون، ومنطق التسويات العقلانية والتوافقية التي تستند اليها آلية تحكيم النزاعات في الديموقراطيات التوافقية. إن ارتهان مسألة التأليف الوزاري بمداولات إيران الدولية هو جزء أساس في السياسة الانقلابية بأبعادها الداخلية، وليس أمرًا طارئا أو وليد مخارجات عارضة. إن انعدام الحس الاخلاقي الذي يحكم اداء الاوليغارشيات الحاكمة في هذه الظروف المأساوية التي كانوا بأساسها ليست بحادثة، لأنها تعبر عن مستواها الانساني والاخلاقي، وعن خيارات انقلابية إرادية تذكرنا بإرث التحالف اليساري-الفلسطيني وتداعياته الكارثية على توازنات الاجتماع السياسي اللبناني، ومفارقات الدولة اللبنانية القاتلة على خط السيادة المعطلة والمحدودة والاستنسابية، واللبنانين المتروكين على أعتاب الإفقار والهجرة والصراعات الاقليمية المفتوحة. رهانات حزب الله والمصالح الاوليغارشية المتشبثة بشراسة باقفالاتها، لا تعالج خارجًا عن مظلة التدويل وسياسات العقوبات المالية الدولية، والا فنحن أمام سيناريوات نزاعية اقليمية مفتوحة وتداعيات لايملك أحد ناصيتها.