الأب سيمون عساف: أسرار الكنيسة السبعة

259

أسرار الكنيسة السبعة
الأب سيمون عساف/19 شباط/2021

في كتاب الديداكه الذي سنتكلم عنه لا حقا نجد  الشرح  عن السرين الأولَين، المعمودية والإفخارستيا. وبما ان السيد المسيح خضع في نهر الأردن للعماد بادلا  الختانة به، وعملا بوصيته اذهبوا وعمدوا باسم الآب والابن والروح القدس،  يتقبل المؤمنون سر العماد والذي هو مفتاح الأسرار المقدسة للدخول فى الجماعة -الكنيسة. وضعت الكنيسة المقدسة فيما بعد  تراتبية الأسرار السبعة: سر المعمودية، سر التثبيت، سرّ الإفخارستيّا، سرّ التوبة و المصالحة، سرّ الزواج، سرّ الكهنوت، سر مسحة المرضى.

الأسرار
السرّ هو إصطلاح كنسيّ، وتعريب كلمة (Sacrement) تعني حصراً أحد أسرار الكنيسة السبعة، أيّ عمل مقدّس ينال به المؤمن  نعمةً إلهيّة ولادة روحية جديدة، تمنح الخلاص والتبرير. وحدث موهبة في ظهور تاريخيّ يواصل حياة السيّد المسيح القائم من الموت وأعماله الخلاصيّة، وحضوره المنظور بيننا، يستمرّ بشكل علامات وحركات وصور ورموز حِسّية تجعلها حاضرة في الهنيهة تأوينها. نستهل المقال بالمعمودية المقدس.

تتضمّن الأسرار قوّة رباعيّة الدلالة:
مدى الإظهار: فالعلامة تبيّن النعمة المبرِّرة والعبادة الباطنيّة.
مدى الإلتزام: بقبول العلامة يلتزم المؤمن مضمونها ومتطلباتها، يعيش بالقداسة ويعبد اللـه بالروح.
مدى التذكار: تشير العلامة وتذكّر بأعمال الفداء الخلاصيّة.
مدى المعاديّة: هي عربون المجد الأبديّ.

وكلّ هذه الإمتدادات، تتضمّنها كلّ الأسرار في وحدة لا تتجزأ. وكما  الأسرار تحتاج إلى العلامات والحركات والمادّة مثل: الماء والزيت  والميرون والخبز والخمر، كذلك تحتاج إلى الإيمان بيسوع المسيح والكلمة، لتتمّ وتمنح الخلاص .”أجل إنّ مادّة الأسرار، صارت الخليقة الّتي اتّحدت بالله في تجسّد المسيح، فقد قامت معه بقيامته، وامتلأت من حياته بصعوده إلى السماء. وبما أنّ المادّة قد امتلأت من الحقيقة الإلهيّة, صار بوسع قطعة من الخبز أن تصير إفخارستيّا وقربانًا مقدّسًا، تحمل الإله الحيّ وتوزّعه على الجياع، وفي وسع بعضٍ من الماء أن يصير، بالمعموديّة قناة لحياة الله. ونقطة من الزيت، في الميرون أن تمنح الروح القدس، وأيقونةٍ أن تكون سرّ المسيح وحاملة الروح .”

  المعموديّة كلّمة سريانّيّة تعني: الغوص والاغتسال. أمّا الغوص، فالاختفاء المعتمِد في الماء وتغطيسه عند العماد.
وأمّا الاغتسال فلأنّها تغسل الإنسان من الخطايا.

أنّ الخلاص الشامل هو في يسوع المسيح، المائت والقائم من الموت. إذ بقيامته صار الربّ: مركز الكون منذ آدم حتّى انتهاء العالم.
إنّ معنى العماد الأساسيّ هو أنّ البشريّة قد غطست في حدث الخلاص الّذي هو يسوع المسيح. قد اشتركت في بشريّته الّتي ماتت وقامت من الموت.

ماهيّة السرّ:
سرّ المعموديّة هو الميلاد الثاني بالماء والروح، بعد الولادة الطبيعيّة، ثمرة الحبّ والاتّحاد والمشاركة، المكرّس بالزواج.
به يصير المعتمد ابنًا لله الآب وأخًا ليسوع المسيح وصديقًا وهيكلاً للروح القدس، وعضوًا في العائلة المسيحيّة الكبرى، الكنيسة.
هو علامة اشتراك المؤمن بحياة يسوع وموته وقيامته والختم للعهد القائم بين اللـه والإنسان. يُعتبر سرّ المعموديّة المدخل إلى الكنيسة وباقي الأسرار والشرط لدخول الملكوت والخلاص. به نتغيّر ونصير خليقة جديدة بالروح القدس.

تأسيس المعموديّة وضرورتها للخلاص:
المراجع الكتابيّة: مر 16/15-16 ( وقال لهم: «اذهبوا إلى العالم كلّه، وأعلنوا البشارة إلى الناس أجمعين. كلّ من يؤمن ويعتمد يخلص، ومن لا يؤمن يهلك»
يو 3/3-8: ومتّى 28/18: «أنّي أوليت كلّ سلطان في السماء والأرض، فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس

مفاعيل المعموديّة:
التجديد. يو 3/3-8. الاتّحاد بالمسيح. رومه 6/3-11. الخلاص. مر 16/16.
أصالة السرّ وممارسته في الكنيسة:
سلّم السيّد المسيح السلطان للتلاميذ وخلفائهم من بعدهم، ليواصلوا توزيع الأسرار. وبرهان سلطان العماد يظهر في النصوص التالية: يو 20/21-23، متّى 28/18-19.
أمّا الكنيسة فقد حققّت وصيّة المعلّم ابتداءً من الرسل: رسل 2/38-41- رسل 8/26-38- رسل 10/44-48.

المسيح الّذي عاش مرّة على أرضنا نعيش حياته وموته وقيامته بالروح القدس كلّ يوم من خلال الأسرار وخاصّة سرّ المعموديّة.

عايشنا حقبة من تاريخنا وهو حاضر الآن فينا في كلّ لحظات حياتنا بالروح القدس الّذي يحقّق فينا أعمال المسيح، يقوّم ويجدّد ويغفر الخطايا. يحوّلنا إلى صورته. وبالعماد يُدخلنا في وحدة حياة مع اللـه ومع إخوتنا برباط المحبّة.

أنواع المعموديّة:
إنّ المعموديّة واحدة. أف 4/4-5: «فأنّتم جسد واحد، مثلما دعاكم اللـه إلى رجاء واحد. ولكم ربّ وإيمان واحد ومعموديّة واحدة».
ولكن لها ثلاثة أشكال:
1- معموديّة الماء:
إنّها المعموديّة الطقسيّة الرسميّة في طابعها الجماعي والتعبير الإعتيادي عن الإيمان بالمسيح وسلطانه.

2- معموديّة الدم أو الاستشهاد: إنّها المعموديّة الأقرب إلى عيش المسيح في آلامه. لو 12/50. أنّها مثال المعموديّة المسيحيّة لأنّها ذروة الحبّ ِوالشهادة للإيمان وشراء الحياة بالدم والحياة. هي المعموديّة المسيحيّة الّتي عاشها السيّد المسيح في آلامه «عليّ أن أقبل معموديّة الآلام».

3- معموديّة الشوق: هي معموديّة الّذين يتشوّقون بصدق إلى معرفة اللـه الحقّ والتزام مضمون الإيمان به دون معرفة واضحة للمسيح والكنيسة. هي معموديّة الروح الّذي يهبّ حيث يشاء، وفي كلّ ضمير لا يرفض أنواره وتدخّلاته وتحرّكاته.

مادّة المعموديّة:
الماء الطبيعيّ، وذلك استنادًا إلى قول الرّب: «إن لم يولد الإنسان من الماء والروح فلا يقدر أنّ يدخل ملكوت اللـه، أي أنّ يحيا حياة اللـه» (متّى 28/29)، ولأنّ الماء مادّة التطهير والحياة، ترمز إلى الماء الّذي جرى من جنب المخلّص الفادي، فأروى البشريّة العطشى إلى الخلاص وفاضت الحياة وغفران الخطايا. فما يفعله الماء في الجسم، تفعله التوبة في النفس.

صورة المعموديّة:
»أنا أعمّدك يا فلان حملاً في رعيّة المسيح، باسم الآب والابن والروح القدس». (راجع الرتبة الحاليّة) في العماد يطهّر المسيح كنيسته بالكلمة، هي كلمة منظورة في السرّ بفعل حمّام الماء.

رموز العماد ومدلولاته بحسب ترتيبها في الرتبة المارونيّة:
التقسيمات:
هي صيغ تتضمّن استدعاءات لاسم الخالق ومعجزاته وللمسيح المخلِّص. تعبّر عن وضع الإنسان الخاضع لعبوديّة الشرّ، والمشخّص بالشيطان. كما تعني تحرير الإنسان من سلطة الشرّ بقوّة اللـه الّذي جعل من الزمن تاريخ خلاص وغلبة على قوى الشرّ.

الاتّجاه نحو الغرب:
الغرب مقرّ الظلمة المرئيّة. صورة الخطيئة والشيطان والهلاك (1 يو 24/13). وبما أنّ الّذي نكفر به هو ظلمة، فلذلك نتّجه نحو الغرب من قبل الرمز ونكفر بإمام العتمة والظلمة.

الكفر بالشيطان:
هو الطاغية المحتالة وفاعل الشرور والمشارك فيها . إنّما قوته قد تحطّمت بالمسيح الّذي غلب الموت بموته وحرّر الإنسان من العبوديّة. الكفر بالشيطان هو تعبير عن نقض كلّ عهد مع الشرّير وكسر كلّ المعاهدات القديمة مع جهنّم.

الاتّجاه نحو الشرق:
يعني جواب طالب العماد على نداء اللـه وموافقته على عمله فيه. أنّه الانتقال من أرض العبوديّة إلى أرض الحرّية والإيمان باللـه، عبورًا بمياه الخلاص. نقول “نعم” الحياة بالنيابة عن الطفل القادم إلى العالم. ” نعم” المعموديّة عن الطفل ليلتزمها في زمن البلوغ. نعم الرسالة في التثبيت .هو تحوّل نحو الرب، من حياة الموت والخطيئة إلى حياة النعمة وصداقة اللـه.

المسحة بالزيت المقدّس:
المسح بالزيت المقدّس، بعد فعل الإيمان بالمسيح، يرمز إلى الختم والوسم الخفيّ الّذي يقتبله طالب العماد بالروح القدس، وهو الدرع بالجهاد والمناعة ضدّ سهام العدوّ.

النـزول إلى حوض العماد:
يعني تكفين الإنسان العتيق وبعث الإنسان الجديد. إذ يحلّ الروح القدس روح التجديد.

الميرون:
هو مزيج من عطور وزيت، يرمز إلى أنّ المعتمد نتيجة اشتراكه بسرّ المسيح الممجّد، صار يحمل في كيانه علامة المسيح، رائحة المسيح الطيّبة الّتي تغلّبت على نتن الموت والخطيئة والفساد، وصار عليه أنّ يفوح برائحة المسيح الذكيّة بشهادة الحياة والكلمة والأعمال.وهي تعني المسحة بالروح القدس والتكريس.

اللباس الأبيض:
الاتّشاح بلباس أبيض يوحي بالبراءة والفرح والنور والحياة .
(غلا 3/26-27) «كلّكم أبناء اللـه بالإيمان بالمسيح يسوع، لأنّكم تعمّدتم جميعًا في المسيح فلبستم المسيح».
بالعماد يلبس المؤمن المسيح ويصير هيكلاً للروح القدس، يصير شريكًا للمسيح في حالة المجد والحياة بالطبيعة، ويعبّر عن هذا الواقع باللباس الأبيض.

فوائد العماد الروحيّة:
-الولادة الروحيّة بالماء والروح.
-غفران الخطايا.
– البنوّة للآب والأخوّة للابن بالروح القدس.
-الالتزام بسرّ المسيح وبشارته والاشتراك بحياته وموته وقيامته.
-الانتماء إلى جسد المسيح السرّيّ أي الانضمام إلى الكنيسة.

حتميّات العماد والتزاماته:
– الكفر بالشيطان والخطيئة والعالم (شهوة العين, شهوة الجسد, وفخر الحياة).
– يلتزم طالب العماد بمعموديّة حياة، بحياة موت عن الخطيئة وبصراع دائم ضدّ قوى الشرّ، أي بحياة أمانة لله برفقة المسيح المخلّص.

– يلتزم المؤمن أنّ يكون أداة خلاص في العالم يواصل رسالة المسيح وأعماله ويبشّر بخلاصه، لأنّه صار علامة استمراريّة حضور المسيح بين الناس.

العرّابان ودورهما:
للعرّابين دور طقسيّ كنسيّ ومهمّة تربويّة، تعليميّة، فَهُما يمثّلان الكنيسة والجماعة المسيحيّة وليس الأهل. كانا قديمًا يشتركان في دهن المعمَّد بالزيت وتغطيسه بالماء.
ينوبان عن الطفل ويجيبان عنه. من هنا تظهر مسؤوليّتهما في تهيئة طالبي العماد وتأهيبهم وتعليمهم وتعهّدهم والسهر على سلوكهم وتحمّل مسؤوليّة تربيتهم المسيحيّة، بشرح العقائد الإيمانيّة لهم وتعلمهم القيم الأخلاقيّة. فهل هذا هو المفهوم الشعبيّ الحاليّ للعرّابين ودورهما؟ أم تفرّغ من معناه لينصبّ الاهتمام في اختيار العرّابين على مركزهما الاجتماعيّ وإمكانّيتهما الماّدية ؟

الخاتمـــة:
العماد ليس عملاً آليًّا، بل هو علامة الإيمان والاحتفال به، ممّا يوجب على الوالدين والعرّابين والجماعة المسيحيّة تأمين تربية الأولاد على الإيمان وعيشه معهم بالكلمة وشهادة الحياة والأعمال والصلاة. لأنّه الدخول في الكنيسة والقبول في جماعة تعيش في الإيمان والإفخارستيّا.