الكولونيل شربل بركات/لقمان سليم شهيد آخر على دروب الحرية

279

من أرشيف يوم اغتيال الشهيد لقمان سليم سنة 2021

لقمان سليم شهيد آخر على دروب الحرية
الكولونيل شربل بركات/04 شباط/2021

سقط لقمان سليم اليوم بعد جهاد عنيف في سبيل كرامة لبنان وعزة شعبه…

سقط لقمان سليم في صراعه من أجل الحق والقانون، ومن أجل حرية قومه، بدئا من الطائفة الشيعية الكريمة المصادرة القرار والمأسورة الارادة بيد أزلام إيران وزبانيتها…

سقط لقمان سليم وهو يدافع عن لبنان بلد الحرية؛ في المعتقد والرؤية، والفكر السياسي المتعدد الطرح والملتزم بالعمل لتحقيق الأمن الاجتماعي، الذي يخدم الدائرة الصغرى والتي تحيطه كما بقية المستويات من الدوائر…

سقط لقمان سليم، وقد عرفناه من خلال شجاعة قلم فاقت كل الأقلام. ومن خلال تعدد ظهوره على الشاشات لمناقشة الأمور وتحليلها. وهو الذي يسكن في منطقة تم احتلالها من قبل الغزاة الجدد، لتصبح معتقلا كبيرا يحيطه أفواج من الغاصبين والمستعدين للقتل بمجرد أن يطلب منهم، بدون رحمة ولا حساب لجيرة أو علاقة أو حتى قرابة دم…

سقط لقمان سليم مدافعا عن وجه “شيعة الحق” المميز، والذي ساند المظلوم ضد الظالم خلال تاريخه الطويل، وقد شوهه ارتباط تبعي، واستتباع بدون سبب، لجماعة كانت تناضل من أجل العيش الكريم، فإذا بها تقاتل بالأجرة، وتعادي بالأمر، وتدافع عن الظلم والظالمين بدون أي وجه حق…

سقط لقمان سليم الذي كان تُرك يناقش مقولاتهم ويعارض تطلعاتهم، لكي يقال بأنهم يسمحون بالراي المخالف. ولكنه طوّر النضال والاعتراض ليصبحا أداة كاشفة لمخططات جهنمية، تغيّر المفاهيم، وتقود الأجيال الجديدة نحو هوة التحجر والانغزال، في وطن الانفتاح والتعددية، وتدفن استقرار الوطن ومؤسساته، لتزيد من الاستزلام والخضوع.

لم يكن وجود أمثال لقمان سليم في الطائفة الشيعية حالة نادرة، ولا كان نضال بعضهم بالقليل. ولكن رمزية لقمان سليم هي في موقعه، وبيته، وتاريخه الطويل، وقلمه الجريء. وهي في ظهوره المتكرر على الشاشات، ودقة ملاحظاته وعرضه الأمور. وفي الاحترام الذي يلقاه في المجال الاعلامي. وسليم لم يهادن، ولم يخف، وبقي يؤمن بأن شيعة لبنان أكبر من غيّ هؤلاء وظلمهم. وأعمق من أموالهم وسلاحهم. وقد حلم دوما بأن الشيعة اللبنانيون أنفسهم سينتفضون على هذه الحالة التي وضعوا فيها. ومن هنا خوفهم منه، ووضعهم له على لوائح الاغتيال منذ زمن طويل. ولكنهم خافوا أن تقطف رؤوسهم بعدما بدأت حملة الردود بالمثل، فالتجاء قادتهم إلى حماية انفسهم بدل التعدي على الآخرين.

اليوم وباستشهاد لقمان سليم يعظم القهر والغضب، ويفهم اللبنانيون مرة أخرى بأن التعامل مع هذا الجسم المحتل وأدواته غير ممكن. فقد أسقطوا البلد بمؤسساته وقيمه وتاريخه. وضربوا اقتصاده وأهم وجوه الافتخار عنده. وها هي المستشفيات التي كانت قبلة الشرق والغرب تكاد أن تقفل، والجامعات التي ملأت أفواج المتخرجين منها ساحات العالم المنتجة تغلق، والمصارف التي كانت نقطة جذب للاستثمارات ومساهمة في دعم الاقتصاد تفلس، ومؤسساته الاعلامية التي عممت سيادة الكلمة، ها هي تستغيث من الوجع وتستجدي اللقمة. وقد عادوا القريب والبعيد، وتجرأوا على الكبير والصغير، وتمادوا بتجاوز كل قانون واختراق حرمات كل البلاد في الشرق والغرب، ليلطخوا صورة لبنان وشعبه، ويغلقوا على أبنائه نوافذ العالم التي كانت لهم متنفسا منذ أيام الفينيقيين ولا تزال.

فماذا على اللبنانيين أن يفعلوا وقد تسلّط هؤلاء بسلاحهم، وتجبّروا بخطابهم، واستقوا بأوامر الولي الفقيه، الذي يعملون عنده بالأجرة البخسة، وقد دمروا بلادهم وشرعوا ابوابها، فلم يعد هناك من يحكم ومن يحاكم، ولم يعد أحد يجرؤ على الاعتراض. فمن يدّعون القيادة أشباه رجال، ومن يدّعون المعرفة فروا من وجههم، ومن يدّعون النضال خافوا من القتال، فبئس المصير. وكيف لبلد أن ينهض وقد تسلّطت عليه عصابة من القتلة لا تعرف الله ولا شرائعه، ولا تؤمن بحق أو قانون غير قانون سلاحها المر. فالويل لمن سلّطهم على لبنان، والويل لمن اعتقد بأنه بمسايرتهم ربح نفسه، لأنه يوم خسر لبنان خسر كل شيء، فلا ملجأ له، ولن تنفعه أمواله المكدسة في بنوك الخارج أو الممتلكات التي جمّع هنا وهناك، من العار وشرب كأس المر التي أعتقد بأنه يجيزها عنه.

باستشهاد لقمان سليم بكل فجور، ينطفئ سراج كان لا يزال متقدا ينفذ بواسطته بعض النور، ويمثل تطلعات فئة لبنانية حقيقية، تعمل من أجل التلاقي مع الأحرار في العالم القريب والبعيد، وتصبر على كل الظلم لتقوم بعد سقوط القتلة. ولكنها الآن، تبدو مترنحة متهاوية يغلفها اليأس، فالموجة القادمة من سياسات الدول لا تبشر بالخير، ومقتل لقمان سليم هو أول الغيث في سلسلة من العهر الجديد المتمادي والمرتكز على “غياب القط ليسرح الفأر”. فهل إننا سنمر بموجة اغتيالات كتلك التي ثبتت اقدامهم بعد ثورة 14 آذار؟ وكيف سيواجه الأحرار في وطن الأرز هذه الموجة الجديدة؟

الوضع لا بد يبدو قاتما، ولا رجاء ممن يدعون تمثيل القانون أو قيادة الدولة. فقد اكتمل هضمها من قبل الدويلة، أي عمال الامبراطورية، وهي اليوم لا حيل لها ولا قوة، لأنها افتقدت منذ زمن إلى الرجال. ولكن الوطن، وهو عزيز على أهله ويستحق النضال في سبيله، لن يسقط ما دام الأحرار يتمسكون بحقه في الحياة، ويناضلون، ولو بالصمت والرفض لكل مخططاتهم، ولن يقدر “فاتك” بكل جيوشه، أن يقضي على مقاومة “جبال الصوان” وأهلها. وليكن لقمان سليم “مدلج” آخر يسقط على بوابتها بكل جرأة، فيولد الحزن عليه صلابة عند الوطنيين الحقيقيين فلا ينسوا شجاعته ولا يقبلوا بالخضوع ولو دار الزمن، فلا بد للقيد أن ينكسر ولا بد لهذا الشعب من قيامة، ولا بد أن يولد تحت كل حجر طفل جديد “لمدلج” سيعود ليحرر الآرض…