الـيـاس الزغـبـي/الـ 1701 في رأس بعلبك

314

 الـ 1701 في رأس بعلبك

 الـيـاس الزغـبـي/لبنان الآن

 لا مبرّر، بعد اليوم، للمداورة حول حقيقة انتماء لبنان إلى العالم الواسع، عَرَباً وغَرْباً، في الأسس الثلاثة التي تقوم عليها الدول: السياسة والأمن والاقتصاد.

ومقولة “النأي بالنفس” أو “التحييد” لم تَعْنِ، في أيّ يوم، خروج لبنان من بيئته العربيّة الطبيعيّة ذات العمق الإسلامي بوجهيه، ولا من بيئته الدوليّة ذات البعد الغربي من أوروبا إلى أميركا.

ولا تعني، في الوقت نفسه، استعداء ما عُرفَ ويُعرف بالمحور الشرقي، سواء كان اسمه في السابق الاتحاد السوفياتي والأنظمة العربيّة الدائرة في فلكه، أو “الجمهوريّة الإسلاميّة” اليوم وفروعها(غير الثابتة) من اليمن إلى العراق وسوريّا ولبنان.

ومنذ مقولة الاستقلال الأوّل سنة 1943، “لا للشرق ولا للغرب”، ظلّ لبنان ينتمي، في روحه وسياسته وجيشه وأمنه، إلى هذا التقاطع الخلاّق بين العرب والغرب، حتّى في الحروب التي مزّقته ولا تزال.

والقول اليوم بتحييد لبنان يتّصل بالخطّ التاريخي نفسه، ويحمل إرثه والتزاماته وعواقبه، برغم كلّ “الممانعات” الخطابيّة والمزايدات “المقاوماتيّة”، ومحاولات تنسيبه إلى محور يناقض سيرته ونهجه وعقيدته الوطنيّة التي اهتزّت مراراً ولم تقع.

مناسبة هذا الكلام اليوم، هي التسريبات عن وجود أبراج مراقبة بريطانيّة في شمال البقاع لمساعدة الجيش اللبناني ضدّ التنظيمات الارهابيّة، وتسريبات أُخرى عن مدرّبين أميركيّين مع الجيش في الجنوب، مترافقة مع حركة تسليح علنيّة وواسعة بمال سعودي وسلاح فرنسي وأميركي وتدريب غربي عموماً.

والحديث عن سلاح روسي من ضمن هبة المليار دولار استثناء يثبّت القاعدة، وحتّى السلاح الإيراني، في حال قبوله لا يغيّر في المعادلة اللبنانيّة الثابتة. واللافت في تسريب هذه الوقائع، تعليقات خجولة من “حزب الله” وإيران ونظام الأسد، تكاد تفضح حال القبول والرضى، برغم تمرير احتجاجات خافتة من باب رفع العتب الاعلامي.

فما معنى أن يسكت “حزب الله” عن ظاهرة الأبراج البريطانيّة في “عقر داره” بين منطقتي بعلبك والهرمل، وعن وجود ضبّاط أميركيّين في الجنوب، “عقر داره” الآخر؟

وما معنى أن يشارك حليفه وزير الخارجيّة، في كل اجتماعات التحالف الغربي، وآخرها في بروكسل، ولو تحت ضخّ غبار الشروط والتحفّظات لتمويه حقيقة الانخراط؟

وما معنى أن يذهب إلى الحوار مع فريق سياسي محسوم التوجّه العربي الغربي، هو “تيّار المستقبل”، في هذا الوقت بالذات؟

لا شكّ في أنّ تغييراً إلزاميّاً قد حصل في الموقف والموقع الإيرانيَّيْن، بدءاً من “الحوار النووي” وصولاً إلى الانخراط في الغارات ضدّ “داعش” في العراق، ولو مع النفي والخجل.

هذا التغيير أنتج قبولاً، ولو ضمنيّاً، بكشف العلاقة الميدانيّة الراسخة بين الجيش اللبناني والجيوش الغربيّة، ولم تكن لقاءات قائد الجيش الواسعة في واشنطن سوى رأس جبل الجليد منها، وكذلك التنسيق المخابراتي العميق مع أجهزة الغرب.

الوقائع هذه تسمح بطرح السؤال الشديد الحساسيّة: هل بدأ توسيع تطبيق القرار 1701 إلى الحدود اللبنانيّة الشرقيّة، وربّما الشماليّة لاحقاً، بهدوء وبطء وبدون ضجّة واستفزاز؟ وهل موقف “حزب الله” المربك والغامض مؤشّر واضح على الرضوخ، في إطار “الصفقة” الإيرانيّة – الغربيّة الكبرى بين النووي وتوزيع حصص النفوذ؟

الواضح أنّ إيران بدأت تسلّم بأنّها، من حيث شاءت أو لم تشأ، باتت جزءاً غير منظور أو غير مباشر، في السياسة الغربيّة والدوليّة الكبرى في الشرق الأوسط. وانعكس هذا التسليم قبولاً عمليّاً بمعادلات العراق وسوريّا وحضور تركيّا والسعوديّة فيها، وبالمعالجات اللبنانيّة – الغربيّة التي كانت ترفضها على الحدود الشرقيّة ودور الجيش والحوار الداخلي. وهذا يعني بشكل آخر تسييل المحاور والجبهات وتذويبها، كما ورد في مقال سابق.

كلّ هذا يعني أنّ يد الجيش اللبناني ستكون العليا في المرحلة المقبلة، وأنّ الحلّ لورطة “حزب الله” في سوريّا يبدأ ممّا يجري على حدود لبنان الشرقيّة، بعدما تمّ إخراجه من ورطته الجنوبيّة بالقرار 1701.

لقد بات هذا القرار خشبة خلاص لـ”حزب الله”، وللبنان كلّه. ولن يكون مفاجئاً أن يصبح مطلباً لـ”محور الممانعة والمقاومة” بعد أبلسته 8 سنوات.

كما لم يكن مفاجئاً التسليم والقبول، ولو على مضض، بركائز انتماء لبنان العربي الغربي: السياسة والأمن والاقتصاد

 

 

 

 

 

.