المخرج يوسف ي. الخوري/من عرفات إلى الخامنئي: المجزرة مستمرّة بحقّ لبنان

692

من عرفات إلى الخامنئي: المجزرة مستمرّة بحقّ لبنان!
المخرج يوسف ي. الخوري/18 تشرين الثاني/2020

الديباجة:
تابعت أمس على محطّة arte فيلمين وثائقيّين عن لبنان، وعلقت في رأسي بعض المشاهد منهما:

– شاهدت لأوّل مرة بالصوت والصورة، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن يُعلن أمام الكنيست الإسرائيلي: “لن نسمح بأن تُرتكب مجزرة جديدة بحقّ المسيحيّين في لبنان”.

– شاهدت لأوّل مرّة بالصوت والصورة أهل جنوب لبنان من الشيعة يستقبلون الدبّابات الإسرائيليّة بالورود والأرز وهي تجتاز الحدود اللبنانيّة في اجتياح العام 1982. أنا لا ألمّح أو أتّهم الشيعة اللبنانيين بالتعامل والتآمر مع إسرائيل على غرار ما يفعله البعض بنا كمسيحيين، بل أشير فقط إلى حجم الظلم الذي لحق بهذه الطائفة من الفصائل الفلسطينيّة، ليستقبلوا الإسرائيليين بهذا الشكل.

– شاهدت أبا أرز شامخًا كالأرز في منفاه الإختياري وهو يقول: “في العام 1975 تخلّى كل العالم عنّا وبقينا وحيدين في مواجهة الفلسطينيين وكل العالم”، وأسِفت أن العالم يتخلّى عنّا اليوم من جديد.

– لفتني أن أحد الفيلمَيْن إتّهم السوريين بالوقوف خلف مجازر صبرا وشاتيلا.

– إستوقفتني طويلًا مداخلات أحد الشباب اللبنانيين المنفيّين إلى إسرائيل يتكلّم باللغة العبريّة.

– لفتني أنّ الفيلمَيْن أشارا إلى أنّ انتصار العام 2006 الإلهي هو ليس إنتصارًا إلا في حسابات سيّد حزب الله، وأنّ لا أحد يُصدّقه من خارج بيئة هذا الحزب ومن خارج لبنان.

– لفتني في كلَيّ الفيلمَيْن تخصيص المساحة الأكبر لتعاظم قوّة حزب الله.

مُقاربتي مضمون الفيلمَيْن:
خصّصت، مساء أمس، محطّة arte الفرنسيّة-الألمانيّة سهرة عن لبنان، عرضت خلالها فيلمَين وثائقيّين، أحدهما: Liban – Pays dans la tourmente (لبنان – بلد في حالة اضطراب) للمخرج الإسرائيلي Duki Dror، والآخر Liban, l’épreuve du chaos (لبنان، محنة الفوضى) للمخرجة اللبنانية-الفرنسيّة أمل مغيزل. لفتني، إبّان متابعتي الفيلمين، أنّهما متشابهان في المضمون وسَرْد الأحداث لدرجة أنّه يكفي المشاهد أن يحضر أيَّ فيلم منهما، ليكون قد حضر الإثنين من دون أن يفوته شيء من الوقائع، ولدرجة أنّ عنوانَ كلّ فيلم مِن بينهما يصلح عنوانًا للفيلم الآخر.

خَلُص الفيلمان إلى استنتاجات متقاربة بخصوص حالة الإضطراب التي يعاني منها لبنان اليوم، ألا وهي أنّ لبنان هو رهينة الصراعات الإقليميّة، وأحيانًا الدوليّة، التي تدور حوله، وإلى أنّ زُمَرًا من زعماء الطوائف اللبنانيين تتحكّم به وتقبِض على مصير العِباد فيه.

ركّز الفيلمان على الأحداث نفسها خلال المائة عام الأخيرة من عمر لبنان، لاسيّما إتفاق القاهرة، وبداية حرب الـ 1975، والإجتياحَيْن الإسرائيليّين (1978 و 1982)، ومجزرة صبرا وشاتيلا، ونشوء حزب الله وتعاظم قوّته حتّى إحكامه السيطرة على كامل قرارات البلاد، وصولًا إلى ثورة 17 تشرين الأول 2019 وإنفجار المرفأ في 4 آب 2020. ألمُلفِت أنّ الحدَثَيْن الأخيرَيْن تمّ تناولهما على الهامش في الفيلمَيْن بالرغم من أهميّتهما، بحيث لم تَجْرِ مقاربتهما، إلّا بإختصار شديد، ومن باب الفساد المستعر في لبنان، وتقصير الزُمَر الحاكمة، وعدم إكتراثها بهَوْلِ الدَرْك الذي بلَغَته البلاد.

الأكثر لفتًا للإنتباه في الفيلمين هو التغييب شبه المطلق لحضور المسيحيين على الساحة اللبنانيّة بعد اغتيال الرئيس بشير الجميّل، في مقابل التركيز على تصاعد دور حزب الله لدرجة تصويره دولة أكبر من الدولة وليس في داخل الدولة. كما أنّ الفيلمين لم يتضمّنا أيّ مقاربة للبنان الغد، وإكتفيا ببعض التلميحات الخجولة، وغالبًا غير المباشرة، بأنّ الدولة المدنية العلمانيّة هي الحلّ، ممّا يدلّ على أنّ معالجة الموضوع برمّته تمّت من وجهة نظر غربيّة، وبالتحديد أوروبيّة، وهو الأمر الذي يبيّن قِلة معرفة بالواقع التعدّدي اللبناني أو تغاضياً عن حقيقة هذا الواقع. والأخطر من ذلك أنّ من شأن تقديم النموذج العلماني الأوروبي على أنّه نموذج حضاري يُحتذى به، أن يقضي على آخر حضور مسيحيّ في الشرق لصالح تنامي دور القوى الراديكاليّة الإسلاميّة، وبالتالي أن يقضيَ على لبنان الصيغة الذي بات البعض يُجاهر بأنّه كذبة.

والحال على ما استعرضناه آنِفًا، ما الذي تُريده محطة arte الواسعة الإنتشار من عرض فيلمين في الليلة نفسها، يصوّران كلاهما لبنان أسيرًا بيد حزب الله القادر على مجابهة القوى العظمى، وخلفه سوريا وإيران؟

قد يكتفي البعض بالنظر إلى الموضوع على أنّه مجرّد إضاءة على معاناة لبنان. لكن مَن يتابع arte أو سبق له أن تعامل معها، يُدرك تمام الإدراك، أنّ هذه المحطة التي تسخّر الميزانيّات الطائلة للأبحاث والجودة في الإنتاج، لا تعرض على شاشتها إلّا الأعمال التي يكمن وراءها هدف محدَّد أو المخصّصة لإيصال رسائل معيّنة. ولو كان الأمر غير ذلك، لكانت اكتفت، لسهرتها الخاصة بلبنان أمس، بإنتاج أو شراء عمل واحد من العملين المتشابهَين في المضمون، والمنوّه عنهما أعلاه، خصوصًا أنّ كلفة الواحد منهما تصل إلى مئات الألوف من “اليوروهات”. وبرأيي الشخصي، ما أقدمت arte على عرض الفيلمين في الليلة نفسها، وأعلنت عن إعادة بثّهما في 26 و27 تشرين الثاني الحالي، إلّا لتعزيز فكرة ما من ورائهما.

فهل إهتمام arte بالمعضلة اللبنانيّة هو جرس إنذار إضافي لإنقاذ لبنان من براثن حزب الله وإيران، أم مجرّد إستشراف للحقيقة المرّة القاضية بتحوّل لبنان إلى ولاية إسلامية تحت عباءة الفقيه؟

من حضر الفيلمين أمس، لا يصعب عليه الملاحظة، من خلال لغة الصورة، كيف أنّ وجه لبنان الثقافي والحضاري بدأ بالتحوّل منذ بدء تصاعد نفوذ حزب الله الذي لا يخجل قادته من إعلان نيّتهم إقامة الجمهوريّة الإسلاميّة في لبنان. فهل ستكتمل المجزرة بحقّ المسيحيين وبحقّ حضورهم في هذا الشرق وينتهي لبنان؟

لمعرفة الجواب، ما علينا سوى معرفة أيّ من اللوبيّين اللذين يتصدّران السيطرة على الإعلام في العالم، يقف خلف هذين الفيلمَيْن: هل هو اللوبي اليهودي أم ذاك الإيراني؟

ولكي أختم:
كنت مقرّرًا أن يكون عنوان هذه المقالة: “المجزرة مستمرّة بحقّ المسيحيين!”، لكنّي عدلتُ عن هذا العنوان، كي لا يتقدّم أحدهم بإخبار ضدي إلى النيابة العامة التمييزية، ويتّهمني مجدّدًا بأنّي أثير النعرات الطائفية، وبأنّي أدعو إلى تقسيم لبنان وإلى الفدرالية، ما سيضطر المدعي العام التمييزي إلى تحويلي إلى المحكمة العسكرية في قضيّة ثانية، لأن “شكلو صاير جِسمي لبّيس”!

ملاحظة: الصور المرفقة هي لياسر عرفات والإمام الخميني