روزانا بومنصف /التفكّك الوزاري يضع القوى الحكومية على المحكّ مراجعة آلية التصويت بالعودة إلى القاعدة الدستورية

300

التفكّك الوزاري يضع القوى الحكومية على المحكّ مراجعة آلية التصويت بالعودة إلى القاعدة الدستورية

روزانا بومنصف /النهار

2 كانون الأول 2014

لا يبدو المشهد الحكومي مشجعا على مشارف اشتداد الحاجة الى صورة حكومة متماسكة بالحدود الدنيا لمواجهة مختلف الملفات الضاغطة سواء في محنة العسكريين المخطوفين التي تطوي اليوم تحديدا شهرها الرابع او في ملفات اخرى متراكمة لا تندرج من بينها بطبيعة الحال ازمة الفراغ الرئاسي التي لها معايير تتجاوز الواقع الحكومي الى تعقيدات أوسع. ففيما يقوم رئيس الحكومة تمام بسلام بزيارات خارجية ساعيا من خلالها بالدرجة الاولى الى استقطاب الدعم الخارجي الملح للبنان في اكبر ازماته اطلاقا المتمثلة باستضافته لأضخم تجمع للنازحين واللاجئين السوريين تتصاعد ملامح فكفكة وفوضى شديدة السلبية في التعامل مع قضية العسكريين المخطوفين كان من شانها في الايام الاخيرة ان أدت الى ضياع في صورة القناة التفاوضية الرسمية اللبنانية مما يخشى معه ان تزداد شهية الخاطفين الى توظيف نقاط الضعف اللبنانية والمضي في ابتزاز الحكومة بطرق مختلفة ومتنوعة. كما انه في الجانب الاخر المتصل بملفات اقتصادية وخدماتية واجتماعية مفتوحة من دون حسم بات يخشى ان يصبح التأجيل المتكرر لطرح هذه الملفات على طاولة البحث في مجلس الوزراء بمثابة آلية تفريغ لفعالية الحكومة التي يشكو رئيسها بالذات من انها تعمل بنصف انتاجيتها. يضاف الى ذلك ان بعض ما رافق الضجيج الذي تصاعد في الاسابيع الاخيرة حول حملات الأمن الغذائي ومن ثم التطورات التي واكبت اعتصامات أهالي العسكريين المخطوفين دلل على تراجع كبير في التنسيق بين القوى المشاركة في الحكومة وبروز اجندات حزبية متعددة ومتضاربة عبرت عنها سجالات علنية بين الوزراء انفسهم.

بإزاء هذا الواقع تعتقد أوساط معنية بأن المرحلة الطالعة ستضع مختلف القوى المشاركة في الحكومة امام واقع اضطراري يصعب معه تجاهل الأثر السلبي الكبير للتراجعات المستمرة في صورة حكومة متماسكة بقراراتها الاساسية على الاقل مما سيحتم مراجعة حتمية لكثير من السلوكيات الوزارية المتبعة حاليا وتاليا اتخاذ القوى السياسية المعنية قرارات جادة بإعادة الاعتبار الى القرار الذي استولد هذه الحكومة بعد طول مخاض. ذلك انه في رأي هذه الاوساط قد تكون الحكومة الحالية مرشحة للتعمير طويلا وربما الى ابعد مما يتصوره كثيرون في ظل معطيات داخلية وخارجية غامضة وملبدة بشتى الاحتمالات ووسط ازمة فراغ رئاسي لا افق لها. وواقع الحكومة “الوكيلة” عن رئاسة الجمهورية اثبت منذ شغور المنصب الاول في الجمهورية مدى الخطأ الكبير الذي ارتكب عقب تثبيت قاعدة التصويت الجماعي او التوافق بالإجماع على القرارات الحكومية بدل اتباع الأصول الطبيعية التي نص عليها الدستور وحدد فيها الأغلبية والأقلية في التصويت ولم يلحظ استثناء لهذه القاعدة لدى شغور الرئاسة الاولى وتولي مجلس الوزراء السلطات الرئاسية بالوكالة.

تلفت الاوساط المعنية بالواقع الحكومي الى هذه النقطة تحديدا لتقول ان أسوأ ما تواجهه الحكومة الان هو نزعة وزراء الى التصرف باستنسابية واجتهاد كاملين متمتعين بحصانة انعدام قدرة الاخرين على على ضبط إيقاع العمل الوزاري ما دام جميع الوزراء يتساوون في التأثير الى حدود استعمال الفيتو على اي قرار ستتخذه الحكومة ولا يتلاءم مع مصلحة القوة السياسية التي ينتمي اليها الوزير. ومعنى ذلك في حال المضي على هذا المنوال الانحراف اكثر فاكثر نحو منحى تعطيلي مشابه لما أصاب مجلس النواب في معظم الحقبة الماضية والذي أدى الى ازمة التمادي في الفراغ الرئاسي ولم يكسره سوى التوافق على التمديد لمجلس النواب. ولكن مع حكومة لا تزال وحدها الأداة الحاكمة وسط تراكم الاخطار والتحديات تعتقد الاوساط نفسها انه صار من الملح جداً مراجعة جماعية لعملها ووسائل اعادة تصويب مسارها، إما بإحلال قاعدة توافقية حقيقية على أسس تضمن مصالح اللبنانيين ولا تخضع للمصالح السياسية والحزبية اقله في ملفات خطرة كمسائل المخطوفين وإما اعادة النظر في آلية اتخاذ القرارات والعودة تاليا الى أصول التصويت وفق ما يلحظه الدستور من دون اجتهادات ظرفية طارئة. وما لم يحصل ذلك يخشى ان تكون المرحلة الطالعة مفتوحة على مزيد من تفكك.

ولعل ما يضغط اكثر في اتجاه اجراء مراجعة لاليات العمل الحكومي ان ثمة مناخا داخليا بدأت ترتسم معه معالم انفراج مع الاستعدادات الجارية لاطلاق الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله في وقت غير بعيد. وهو مناخ يؤكد تكرارا ان الواقع الحكومي الذي نشأ في الاساس على مبدأ ربط النزاع واجتماع الافرقاء السياسيين في حكومة الضرورة تزداد الحاجة الى تحصينه واستمراره لملاقاة الاستحقاقات السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية بمزيد من التماسك خصوصا ان التمديد لمجلس النواب ومحطات اخرى امنية وسياسية دللت على صمود الخيارات السياسية لمختلف القوى الداخلية في شان منع كل ما من شانه هز الوضع الحكومي كعنوان كبير للاستقرار في الحدود التي تضمن الحؤول دون اي اهتزازات داخلية خطيرة. وهذا في ذاته ليس بالقليل بل ان كل الدول المعنية بالوضع في لبنان تبني كل سياساتها حياله على اساس هذا المعطى وتشجع مختلف القوى السياسية على الحفاظ على هذا الواقع.