خلف أحمد الحبتور/كيف سيولد لبنان مجدداً ما بعد الحزب؟

202

كيف سيولد لبنان مجدداً ما بعد “الحزب”؟
خلف أحمد الحبتور/الجمهورية/10 تشرين الأول/2020

لا شيء يدوم إلى ما لا نهاية، وحدسي ينبئني بأن الحزب الذي يخضع لإيران ويتصرّف بالوكالة عنها والذي يسيطر على مختلف جوانب السياسة والحياة اليومية في لبنان، سوف يصبح قريباً من الماضي. لقد روّج «حزب الله» لنفسه بأنه حامي الشعب ضد الاعتداءات الإسرائيلية وأنه حريص على مصلحة اللبنانيين من مختلف الأديان والمذاهب. ولكننا رأينا مراراً وتكراراً أنه لا يتردد في رفع السلاح لاعتبارات مذهبية خلال الصدامات في الشوارع. إنه أداةٌ للتعطيل ويدخل دائماً في خلافات على أسماء المرشحين لرئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء وكذلك المرشحين لتسلّم الحقائب الوزارية، إلى درجة أن البلاد تبقى في أحيانٍ كثيرة من دون حكومة فعّالة طوال أشهر عدّة.

واقع الحال هو أن لبنان بات عصيّاً على الحكم. فقد اعتذر رئيس الوزراء المكلّف مصطفى أديب عن تشكيل حكومة جديدة بسبب الخلافات بين الأفرقاء. وألقى النائب فادي سعد باللوم علناً على «حزب الله» وحلفائه محمِّلاً إياهم مسؤولية الجمود في العملية السياسية. وقال في هذا الصدد: «يستخدم حزب الله سلاحه والنفوذ الذي يتمتع به لترهيب اللبنانيين وفرض إرادته عليهم».

لولا سياسات «حزب الله» لتحققت أمور كثيرة في لبنان. فضلاً عن ذلك، سوف يُغدق حلفاء لبنان التقليديون المساعدات عليه في هذه الأزمنة العصيبة التي يمرّ بها اللبنانيون راهناً، ولن يترددوا في الاستثمار أو تشجيع مواطنيهم على قضاء عطلتهم في لبنان الذي هو من أكثر البلدان تطوّراً وتنوّعاً في العالم العربي. وسوف أكون من أوائل الأشخاص الذين يستقلّون الطائرة للتوجّه إلى هناك.

أنا على يقين من أن عدداً كبيراً من القادة العرب والدوليين غاضبٌ جداً من الدوّامة الانحدارية التي يسلكها لبنان في الاقتصاد والسياسة. هم يرغبون حقاً في مساعدته على الصمود في وجه واحدة من أعتى العواصف في تاريخه، لكنهم يترددون في القيام بذلك لأنهم لا يريدون أن تُنفَق أموالهم على تسليح «حزب الله».

بصريح العبارة، على الرغم من أن الناس يحمّلون القادة الفاسدين وغير الأكفياء مسؤولية المشكلات التي تتخبط فيها البلاد، ولا شك في أن لهذا الأمر دوراً في ما آلت إليه الأوضاع في لبنان، إلا أن المشكلة الحقيقية التي تخشى بعض الشخصيات اللبنانية البارزة الإشارة إليها بالإصبع، تتمثّل في وجود كيانٍ غريب على الأراضي اللبنانية. فعناصر «حزب الله» لبنانيون بالاسم؛ أما ولاءاتهم فهي لطهران، وقد تسللوا إلى جميع أروقة السلطة.

عندما يفقد «حزب الله» نفوذه، يجب إعادة بناء المرتكزات السياسية للبلاد على نحوٍ كامل بدءاً من وضع دستور جديد.

لقد مُنيت المنظومة الطائفية القديمة المتوارثة عن فرنسا بإخفاق ذريع. ومن أجل أن ينمو لبنان ويزدهر، يجب اختيار رؤساء الجمهورية والحكومات ومجلس النواب وكذلك الوزراء بحسب كفاءاتهم وسمعتهم لا بحسب طائفتهم. وينبغي ألا يُسمَح أبداً للأشخاص الذين تتحكّم بهم انتماءاتهم المذهبية أن يجرّوا لبنان من جديد إلى المياه الآسنة والمظلمة التي يغرق فيها الآن.

الدستور هو ركيزة الدولة العظيمة، والدستور اللبناني يعود إلى مرحلة ما قبل اتفاق الطائف الذي أُريدَ منه أن يكون حلاً مؤقتاً من أجل وضع حد للحرب الأهلية ولكنه لم يعد بالفائدة على أحد. لا تزال معظم أحكام اتفاق الطائف مجرد حبر على ورق. فعلى سبيل المثال، كان يجب نزع سلاح جميع الميليشيات اللبنانية، إلا أن هذا البند لم يُطبَّق في الواقع سوى على المسيحيين والدروز، ما يعني أن الاتفاق نُفِّذ على نحوٍ انتقائي. أما «حزب الله» فقد عمد إلى توسيع إمكاناته العسكرية، وفعلَ أمراء الحرب ما يحلو لهم.

منحَ الدستور اللبناني الذي كان معمولاً به قبل اتفاق الطائف، صلاحيات أوسع لرئيس الجمهورية، وهذا هو عين الصواب. لا تستطيع أي سفينة أن تعمل أو تبحر بأمان بوجود ثلاثة ربابنة لكل منهم وجهته الخاصة. تاريخياً، لم يمارس الرؤساء المسيحيون القمع بحق المواطنين من الطوائف الأخرى، بل على العكس تماماً. ومن الأمثلة عن الرؤساء الذين قادوا السفينة بحكمةٍ وحنكة فؤاد شهاب وكميل شمعون وسليمان فرنجية. لم يميّز هؤلاء بين مسيحي ومسلم ودرزي، إلخ. خلال عهودهم، وكانت الحقوق الخاصة بكل طائفة مدوَّنة ومصانة في القانون.

عندما يولد لبنان من جديد، يجب أن تكون الدولة ضامنة حقوق المواطنين. ويجب توفير فرص متساوية للجميع بغض النظر عن انتمائهم الديني، فهذا يساهم في القضاء على نفوذ زعماء الطوائف الذين يختطفون الفرص لشراء ولاءات الأشخاص الذين يدورون في فلكهم.

لقد أمعنوا في تقسيم قالب الجبنة بين الطوائف والمذاهب، فلم يبقَ للشعب من خيار سوى التمسّك بزعماء طوائفهم الذين يقطعون لهم وعوداً بحماية حقوقهم وفتح أبواب الفرص أمامهم.

يجب أن يُكتَب الدستور الجديد بطريقة تُحرّر المواطنين من مختلف التأثيرات الدينية والمذهبية؛ بتعبير آخر، يجب فصل الدين عن الدولة، وفقاً للمبدأ الذي نجده تقريباً في جميع دساتير الأنظمة الديمقراطية في العالم.

وينبغي أن يُسمَح للمواطنين بالتصويت للرئيس الذي يجب أن يقع على عاتقه لوحده تشكيل حكومة يختارها بنفسه. ويجب أن تؤدّي الانتخابات التشريعية إلى اختيار نوّابٍ ذوي تمثيل فعلي لقواعدهم الناخبة، لا نوابٍ يملأون جيوبهم فيما يطيعون أوامر زعماء الطوائف الذين أوصلوهم إلى المقاعد النيابية تحقيقاً لمآرب شخصية.

بغية التخلص من أوجه الظلم الكامنة في النظام الانتخابي الحالي، ينبغي إجراء الانتخابات وفقاً للقانون الذي كان معمولاً به قبل القانون الانتخابي الأخير، والذي أتاح لنواب مستقلين تحقيق الفوز، في حين أن القانون الحالي لا يسمح بذلك.

إنه لأمر مؤسف أن تصل الأمور إلى مرحلةٍ يُضطر فيها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تأنيب السياسيين اللبنانيين وتحديد مهلٍ زمنية لهم كي يبادروا إلى التحرك. لا شك في أن ماكرون ينطلق من نوايا حسنة، ولكن يقع في نهاية المطاف على عاتق اللبنانيين أنفسهم إعادة بناء مستقبلهم، وحان الوقت كي يفعلوا ذلك. من الأجدى باللبنانيين أن يضعوا خطةً شاملة للتخلص من قبضة «حزب الله»، بمساعدة المجتمع الدولي أو من دونها، وحين تتمكّن البلاد من استنشاق هواء الحرية، يمكن وضع برنامج عمل سياسي جديد. كم أنا متشوّق لحلول هذا اليوم على لبنان الذي لطالما كان عزيزاً على قلبي.