د. وليد فارس/”أكتوبر الأحمر” الشهر الأخطر في المواجهة الانتخابية الأميركية

115

“أكتوبر الأحمر” الشهر الأخطر في المواجهة الانتخابية الأميركية
د. وليد فارس/انديبندت عربية/06 تشرين الأول/2020

أطلقتُ عليه اسم “اكتوبر الأحمر”، وهو الشهر الأخير من الحملات الانتخابية في أميركا، وهو مرحلة السباق النهائي التي تحتوي على كل الخضّات المحتملة، المتوقعة والمفاجئة. لكل انتخابات رئاسية في أميركا “مفاجأة أكتوبر” (October Surprise)، منذ عقود. معظمها الإفصاح عن ملف حسّاس، أو معلومات مكتومة، أو فضائح شخصية أو مالية للمرشحين، تعتبر الطلة الأخيرة في المعركة، لعّلها تقلب الموازين رأساً على عقب. وفي الحلقة الانتخابية الحالية تتلخص المواجهة في المعادلة التالية: حملة جو بايدن تقصف بكل ما لديها من هجومات و”فضائح” من كل الأنواع، وحملة ترمب تذيع كل “الإنجازات” والإيجابيات التي حققها عهد الرئيس. وتدخل التجاذبات بين الحملتين في إطار ربع الساعة الأخير، وتطول مدة هذه “الدقائق النهائية”، أربعة أسابيع!
وكما وصفت في كتابي الجديد “الخيار” (The Choice)، سيقارن الناخب بين ثماني سنوات لإدارة أوباما بايدن، وأربع سنوات لإدارة ترمب، ليس فقط على الصعيدين الأمن القومي والسياسة الخارجية، بل على الصعد الاقتصادية، والمالية والاجتماعية. إلا أنه برأينا، فإن معظم المواضيع والملفات التي تهم الأميركيين، قد تم طرحها ونقاشها والاشتباك حولها لأشهر عدة. فهل سوف تغير المناظرات رأي الناخبين في نوفمبر (تشرين الثاني)؟
في الماضي كانت المناظرات تغير رأي الناس في الزمن الانتخابي، أما في عهد الـ “توك شو”، و “تويتر” و”فيسبوك”، والإنترنت بشكل عام، الآراء تتكون على مراحل وعبر الزمن المعيوش، ولا سيما مع قدرة المواطنين على أن يلعبوا دوراً أكبر عبر صفحاتهم، فتتحول إلى “جرائدهم” الفردية، وأحياناً إلى إنتاجهم التلفزيوني الخاص، على منصات مثل إنستاغرام.
العالم تغير، وأميركا تغيرت. تكوين التأييد أو الرفض للمرشحين يتطور كالجنين، رويداً رويداً، وتتداخل في تكوينه عوامل كثيفة معقدة. مع باراك أوباما عام 2008 دخلت الشعبوية اليسارية لتحدث صدمات في عمق اليمين، ومع دونالد ترمب منذ العام 2016 دخلت شعبوية يمينية لا يمكن ترويضها من قبل اليسار. المرشحة كلينتون كانت أكثر تأثيراً من بايدن في الرأي العام، خصوصاً بصفتها امرأة. ومع ذلك، خسرت المعركة أمام “المرشح المحدلة” ترمب، كما خسر ماكاين ورومني أمام محدلة أوباما.
المعركة في هذا العام هي بين “ماكينة أوباما” وجماهير ترمب. ماكينة الديموقراطية تشمل مدفعية إعلامية مُدمرة (بالمعنى الرمزي)، وشبكة كوادر هائلة، تبدأ بمنصات الحزب الواسعة وتنتهي بألوية الـ “انتيفا”، العالية التنظيم والتعبئة، إلى الجامعات ومراكز الأبحاث. أضف إليها أكثرية في مجلس النواب تقّيد تحركات البيت الأبيض منذ فبراير (شباط) 2019.
حالة ترمب الشعبية هي كتلة واسعة متراصة تستمع إلى “فوكس نيوز” وشبكات الراديو في عمق البلاد، بالإضافة إلى حوالى 70 مليون متابع على “تويتر”.
إذاً الكتل الكبرى تشكلت ولن تتغير كثيراً على الرغم من المناظرات والقصف الإعلامي. من قد يتأثر بالضجة الانتخابية؟
من قد يتحرك باتجاه أو عكسه، هم الناخبون في الوسط، من مستقلين، أو غير متأثرين بالسياسة، أو أصحاب القضايا الخاصة. إنهم بعض الملايين المنتشرين في كل الولايات، ولكن، هل كل الولايات مهمة. قانونياً نعم، ولكن الأهم هي الولايات المتأرجحة الخمس أو الست من أصل 50.
إذاً، المجموعات الأهم الآن، في الشهر الأخير، هم الناخبون في الوسط في الولايات المتأرجحة.
إذاً، ماذا يؤثر فيهم، ومتى؟ هؤلاء يتأثرون في آخر الحملات، إذاً أكتوبر، لذلك أطلقت عليه اسم “اكتوبر الأحمر”. وهم يتأثرون بالأحداث السياسية الملّونة، والتطورات الدرامية من ناحية وبحسابات مالية واجتماعية. يقلقون بسرعة من تطور الأحداث، ويخافون من اختلال الأمن. وبالتالي مثلاً يقلقون إذا نُقل الرئيس إلى المستشفى، ويفرحون إذا عاد إلى البيت الأبيض. يقلقون إذا شاهدوا عنفاً على شاشة التلفزيون، ويبحثون عن السياسي القادر على إنهاء العنف وإعادة الاستقرار. هم الذين أعطوا النصر لأوباما، ونفسهم الذين قلبوا الميزان لصالح ترمب.
ترى ماذا يدور في ذهنهم هذا الشهر؟ كأنهم يشاهدون فيلماً أميركياً طويلاً وسيقررون من هو البطل عند انتهاء الفيلم، بينما العالم يتفرج على انتخابات أميركا ويحبس أنفاسه.