المخرج يوسف ي. الخوري/مَلعَبُكم بين “شخطة” قلم البطريرك الحويّك و”محّاية” نتنياهو

965

مَلعَبُكم بين “شخطة” قلم البطريرك الحويّك و”محّاية” نتنياهو.
المخرج يوسف ي. الخوري/06 تشرين الأول/2020

ذكرتُ في مقالات سابقة أنّ الخميني، موسى الصدر، حزب الله، وحركة أمل، تعامل كلّ منهم مع إسرائيل في ظروف معيّنة. لم يعترض أحد على كلامي.

في 23 أيلول الماضي، خرجتُ بمقالة عنوانها: “حجمكم: ’شخطة’ قلم رصاص بيد بطريرك ماروني”، كان الهدف الرئيس منها إظهار معلومات من التاريخ الحديث، تدحض محاولات بعض الشيعة تشويه الحقائق التاريخيّة لغايات في نفس يعقوب، وقلتُ بوضوح: “لن يمرّ تزوير التاريخ معنا بعد الآن”. قامت القيامة وما عادت قعدت. إنهالت عليّ الردود كجَرْف السيول، بحيث قارب حجم مجموعها ما لا يقلّ عن مجلدين،
لكن، من دون ردّ واحد يتناول النقاط التي أثرتها في مقالتي.

أمطروني بالسباب؛ هدّدوني؛ إتّهموني بتزوير التاريخ؛ ذكّروني أنّ “صرماية” السيّد حسن “تشرّفني”، الخ… ولم يغِب عن بالهم إلصاق تهمة العمالة لإسرائيل بي.

ينتظر البعض منّي اليوم الإعتذار والتأسّف على مضمون مقالتي “المسيئة للشيعة” كما رآها الكثيرون، وبالفعل أنا أحمل في جيبي إعتذارًا وتأسّفًا:

أعتذر من غبطة أبينا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي على الإهانات التي طالته، وطالت مواقفه، بسبب مقالتي المشار إليها أعلاه، وهو لا دخل له فيها.

وأتأسّف على أصدقاء من الطائفة الشيعيّة، يجمع بيننا خبزٌ وخمر، وإلتزموا الصمت تجاه ما تعرّضت له من حملات مغرضة! لهؤلاء الذين من المُفترض أنّهم أصدقائي أقول: سكتّم عن الحملة التي شُنّت عليّ، فإمّا لم تقرأوا مقالتي وتُصدّقون أنّي هاجمت طائفتكم، وهذا أمرٌ مؤسف، وإما تخوّفتم من الدفاع عنّي بعدما بلغتكم أجواء الحملة الشرسة ضدّي، وفي هذه الحال، أنتم لستم بأصدقاء.

بالرغم من أنّ الموضوعيّة العلميّة تقضي بعدم الردّ على الردود التي لا علاقة لها بموضوعي، لكن، إستوقفتني النسبةً العالية من هذه الردود (الحملة المنظّمة ضدّي) التي ركّزت على ثلاث نقاط يهمّني تناولها اليوم، لأنّها تشكّل جزءًا من حملة مركّزة لتغيير وجه لبنان وثقافته، عن طريق تحجيم المسيحيين، ولأنّها تُعطي فكرة واضحة عن أسلوب “شيعة الفقيه” المبني على الإمعان في تشويه تاريخ المسيحيين في لبنان وتزويره، تمهيدًا لبلوغ جمهوريّة ملاليهم الحلم.

1. النقطة الأولى: إخترعوا لنا رواية أنّ الشيعة بنوا لنا كنيسة حراجل بأموالهم، وصاروا ينقلون الرواية المغلوطة بعضهم عن البعض الآخر في الردود على مقالتي.

2. النقطة الثانيّة: يُصرّون على أنّهم حموا الموارنة في حرب الـ 1860.

3. يُمعنون في إيهامنا بأنّهم هم اللبنانيّون الأصليّون، لاسيّما بسعيهم إلى تأكيد قول سيّدهم “إنّ كسروان وجبيل هي أرض المسلمين وقد جاءها المسيحيون غزاة…”.

حول كنيسة “سيّدة اللوزة” – حراجل:
مرجعنا في هذا الموضوع هو الأب بولس قرألي. لقد نقل الأب قرألي تاريخ كنيسة “سيّدة اللوزة” عن الخوري جرجس زغيب الذي خدم في هذه الكنيسة بين العامين 1701 و1729. يؤكّد الخوري زغيب أنّ كنيسة السيّدة كانت موجودة قبل دخول المماليك كسروان في العام 1305. هجّر المماليك الموارنة من حراجل، دمّروا كنيستهم، ثمّ باعوا أراضيهم لعائلات متوالية من بعلبك وأسكنوها في البلدة إبتداءً من العام 1505، بحسب وثائق إطّلع عليها الخوري زغيب من متاولة حراجل آنذاك. أواسط القرن السابع عشر، بدأت عودة الموارنة إلى حراجل عن طريق شراء الأراضي من المتاولة، وقد وجدوا أنّ أسماء النواحي باقية على قدمها إلّا إسم كنيسة السيّدة الذي حوّله المتاولة إلى “دارة السوده”. ما كان المتاولة يقبلون أن يُعيد الموارنة بناء كنيستهم، التي تملّك أرضها بو عيسى مشَيْك. ولسبع سنوات، بقي الموارنة يصلّون في كنيسة بلدة كفرذبيان، حتّى قبِل مشًيْك ووجهاء المتاولة ببيعهم أرض كنيستهم، مشترطين عليهم أن يكون بناؤها متواضعًا وصغيرًا، وأن يكون مذبحها باتجاه القبلة، وأن لا يكون فيها جرس وصنوج كباقي الكنائس. وأهم الشروط، ألّا يكون إسمها “سيّدة حراجل”. قَبِل الموارنة الشروط وتركوا للمتاولة أمر تسمية الكنيسة. كان بالقرب من مكان البناء شجرة لوز، فارتأوا تسميتها “سيّدة اللوزة”.
كيف إذًا يدّعي الشيعة المتاولة أنّهم بنوا كنيسة حراجل، وهم بالكاد قبلوا أن بينيَ الموارنة شبه مسجد ليصلوا فيه؟
كل التفاصيل حول “سيّدة اللوزة” جمعها الأب قرألي في منشوره “عودة الموارنة إلى جرود كسروان” (الصفحات 18 إلى 24).

حول حماية المتاولة الموارنة في حرب زحلة عام 1860:
لدحض هذا التزوير في التاريخ، سألجأ إلى مرجعين عايشا أحداث العام 1860. الأوّل شارك في معارك زحلة وهو درزي، والثاني شهد إمتداد الحرب إلى كسروان وهو ماروني.
جاء في كتاب “الحركات في لبنان إلى عهد المتصرّفية” (صفحة 129)، نقلًا عن حسين غضبان أبو شقرا الذي شارك بالهجوم على زحلة آنذاك، وتحت عنوان “المتاولة يساهمون”: “هجم الأمير سلمان الحرفوش ونسيبه الأمير محمد بمتاولة بلاد بعلبك على قرى النصارى في تلك الأنحاء كشمسطار وأبلح وغيرهما فأحرقوها وقتلوا خلقًا كثيرًا”.
وجاء في كتاب “ثورة وفتنة في لبنان” لأنطون ضاهر العقيقي الذي عاصر أحداث العام 1860، أنّه بعد إنتهاء معركة زحلة وخروج الدروز منها “إبتدأت الأعراب والمتاولة والمسلمين تنهب من زحلة…” (صفحة 113)، وهذا ما أكّده أيضًا أبو شقرا في كتابه المشار إليه أعلاه (صفحة 130). ويُضيف العقيقي أنّ متاولة بعلبك إنضمّوا إلى متاولة لاسا في جرود كسروان للإطباق على نصارى تلك النواحي وتهجيرهم، فهاجمهم الكسروانيون بقيادة طانيوس شاهين “وتغلبوا عليهم وطردوهم من أماكنهم…” (صفحة 119)، وأتوا بمهجّري زحلة وأسكنوهم بمنازل المتاولة.
إشارة هنا إلى أنّ كذبة حماية الشيعة للموارنة راجت في الأوساط المسيحية بعد إتفاقية مار مخايل بين العونيين وحزب الله، بهدف إيهام الناس بضرورة قيام هكذا إتفاقية من ضمن تحالف الأقليّات. وقد أمْعَن في تضخيم هذه الكذبة النائب الياس الفرزلي في كتابه “أجمل التاريخ كان غدًا”. ولنا مقالة مفصّلة على صفحة الفايسبوك الخاصّة بنا، نفنّد فيها إدّعاءات الفرزلي، وعنوان المقالة “لولا مسيحيو زحلة، لتمّ القضاء على شيعة البقاع” (تاريخ 28 /3 /2020).

حول حلم إسترجاع “أرض المُسلمين” في كسروان وجبيل:
مَن يَعتقد أنّ رجلًا كحسن نصرالله يساير في أيديولوجيّته الإسلامية أو في تطلّعاته، يصحّ فيه القول بأنّه غبي.
قال نصرالله في إحدى خطبه (عام 1982): “إنّ جبيل وكسروان هي مناطق المسلمين وقد جاءها المسيحيّون غزاة، وقد جاءت بهم الإمبراطورية البيزنطية ليكونوا شوكة في خاصرة الأمّة”. لن أدخل هنا في المغالطات التاريخيّة لهذا الكلام، لاسيّما في ما يختصّ بمَن كان قبل مَن في كسروان وجبيل: المسلمون أم المسيحيون. وسأكتفي بالسؤال: كيف تكون كسروان وجبيل أرض المسلمين، وكل المقدّمين الذين توالوا عليهما، منذ ما قبل نشوء الإسلام وحتى القرن العاشر، أسماؤهم مسيحيّة: كسرى، يوحنّا، سمعان، إبراهيم…؟ وكيف يكون المسلمون سكنوا هذه الأرض قبل المسيحيين، والشيخ جعفر المهاجر الشيعي يقول في كتابه “التأسيس لتاريخ الشيعة في لبنان وسوريا” أنّ الشيعة لم يأتوا كسروان إلّا في القرن الحادي عشر (صفحة 151)؟.

بكل الأحوال، ليس هذا المهم. بل المهم أنّ تصرّفات وسلوكيّات “شيعة الفقيه” في مناطق كسروان وجبيل، اليوم، تدلّ على أنّهم ماضون في تحقيق ما أعلنه نصرالله عام 1982، بالرغم من أنّه مزيّف.

نسمع الكثير عن إعتداءات الشيعة على أراضي أبرشيّة كسروان المارونية في لاسا، ونلاحظ عجز هذه الأبرشيّة ومن خلفها البطريركيّة المارونيّة في تحقيق أيّ تقدّم إيجابي على صعيد إسترجاع الأملاك المغتصبة. لكن، ما هو غير معروف، إستقواء شيعة لاسا وأفقا على مزارعي الجوار الموارنة، وإغتصاب أراضيهم بشكل ممنهج ومدعوم من ثنائيهم المسلّح. هكذا يردّ شيعة جبيل وكسروان الجميل لمسيحيّي المنطقتين الذين حموهم وتعهّدوا بعدم المسّ بأمنهم وبأراضيهم طيلة فترة حرب الـ 1975.

ماذا يفعل هؤلاء الشيعة؟!!
الأراضي في هذه المنطقة غير ممسوحة، وعمليّات الشراء والبيع كانت في الماضي تحصل بحجج موقّعة من المخاتير. أحد المخاتير الشيعة القُدامى إحتفظ في أرشيفه بحجج الأراضي التي تمّ بيعها والتي، في الغالب، إشتراها مسيحيّون، عوض أن يتلفها. أحد أحفاد هذا المختار (أو قريبه) تعمّد إعادة حجج الأراضي المباعة إلى أصحابها الشيعة الأصليين، فصار هؤلاء يتسلّحون بها لطرد الملّاكين الموارنة من الأرض. حجّة مقابل حجّة، لكن حجّة المالك الماروني تاريخها أحدث، وهذا ما يجب أن يحسم الأمر. حامل الحجّة القديمة الشيعي لا يعترف بالتاريخ الأحدث، ويضع يده على الأرض المتنازع عليها، أو على جزء منها، بسطوة الإستقواء والسلاح وعِقَد النقص، وفي غياب تام للدولة. إذا تجرّأ المسيحي وتوجّه إلى القضاء، ستأخذ العدالة عشرات السنين لتتحقّق. وفي هذا الوقت، تبقى اليد موضوعة على أرضه. وإذا لم يتجرأ، خسر أرضه.