….المخرج يوسف ي. الخوري: خلّو النار والعا…الإنفجار والدمار وميشال عون/و4 آب 2020 سيكون، أو كان، نهاية السيطرة الشيعيّة وهيمنة إيران على القرار اللبناني

854

“خلّو النار والعا”…
المخرج يوسف ي. الخوري/11 آب/2020

*و4 آب 2020 سيكون، أو كان، نهاية السيطرة الشيعيّة وهيمنة إيران على القرار اللبناني.

*لا يصعب على المرء ملاحظة الظواهر المُشتركة بين التواريخ الثلاثة المذكورة أعلاه، وهي: “الإنفجار” و “الدمار” و “ميشال عون”.

*لم يكن صعبًا على زعماء الحرب الذين حكموا في زمن الحريريّة أن يبدّلوا ملابسهم ويؤمّنوا إنتقالًا هادئًا لسلطتهم من حقبة إلى أخرى

*اللاعبون الدوليّون والمحليّون أنفسهم هنا. ميشال عون هنا. لكن إلى أين هذه المرّة؟!

*الإنفجار هنا. الدمار هنا. نفس الذين ميّعوا الصورة حين اغتيل الحريري بمحكمة دوليّة، يُعيدون الكرّة وهم هنا.

*الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” حذّر الأميركيين من أنّ التمادي في مواجهة حزب الله سينعكس سلبًا على مَن يقوم به.

*الإنتخابات المبكرة، مهما كانت نزيهة، فهي لا تتوقّف فقط على التفوّق العددي للمناصرين، لا بل على التنظيم والقدرات الماليّة للمرشحين. وفي هذين المجالَيْن، مرشّحو السلطة سيتفوّقون على مرشّحي الثورة وسيفوزون بالأكثرية، وربما الساحقة.

على أثر حركة “ماكرون” هذه، نشطت حركة أحزاب الطغمة، والمستقلين في السلطة، وما هدفهم سوى الحفاظ على مواقعهم والإنتقال بهدوء إلى المرحلة المقبلة على حساب دمار بيروت ودماء الضحايا!

*****
في العام 1990، 13 تشرين الأوّل، كانت بيروت مدمّرة، وكان قصر لبنان الجمهوري يتعرّض لهجوم جوّي سوري، وكان ميشال عون.

في العام 2005، 14 شباط، كان إنفجار كبير في بيروت، دمّر واجهة السان جورج البحريّة وأودى بالرئيس رفيق الحريري، وكان بعده بسنة إتّفاق مار مخايل، وكان ميشال عون.

بالأمس، في 4 آب، كان إنفجار كبير دمّر ثلث بيروت، وكان ميشال عون.

لا يصعب على المرء ملاحظة الظواهر المُشتركة بين التواريخ الثلاثة المذكورة أعلاه، وهي: “الإنفجار” و “الدمار” و “ميشال عون”.

هناك أمر مشترك آخر بين هذه التواريخ، لكنّه غير ظاهر، ألا وهو أنّ كلَّا منها شكّل نهاية حقبة من تاريخ لبنان.

ففي العام 1990، كانت نهاية العصر الماروني في الحكم، ونهاية أسطورة “وجّك عالمتوسِّط”.

وفي العام 2005، كانت نهاية الحريريّة السياسيّة والإمتداد العربي.

و4 آب 2020 سيكون، أو كان، نهاية السيطرة الشيعيّة وهيمنة إيران على القرار اللبناني.

لكن،
في الإنتقال من العصر الماروني إلى الحريريّة السياسيّة، ومن الحريريّة السياسيّة إلى السيطرة الشيعيّة، كانت تنتهي حقبة وتبدأ أخرى جديدة من دون أن يتغيّر أداء السلطة، ومردّ ذلك إلى أنّه خلال الحرب التي سبقت العام 1990، نشأت زعامات ميلشياوية طائفية، تمكّنت من أن تُمسك بزمام القرار في الدولة اللبنانية، بالتكافل والتضامن وبمباركة القوى الخارجية العظمى.

خلال حقبة الحريريّة السياسيّة، أقصِيت عن السلطة مختلف زعامات الحرب المسيحيّة، ولَزَّمت القوى الغربيّة والعربيّة الأمن في لبنان لسوريا، التي تركت للزعماء غير المَقصيّين، التلهّي بالإستدانة وبالسرقة وبما سُمي إعمار بيروت.

ولم يغِب عن ذهن هؤلاء الزعماء التأسيسُ لاستئثارهم، وإستئثار أولادهم من بعدهم، بالسلطة للعقود والأجيال المقبلة، وقد أخذوا على عاتقهم رعاية حزب الله وسلاحه بحجة ردع العدوّ الصهيوني المحتل ومقاومته، من دون أن يغيب عن بالهم تقوية ذراع هذا الحزب الإلهي إلى ما بعد بعد زوال علّة بقائه.

عام 2005 كان عام التحرّر من سوريا بمسعى قلّة من المناضلين اللبنانيين المغتربين وجهادهم، وبعزم الشعب اللبناني الحرّ وحسمه وحزمه.

لم يكن صعبًا على زعماء الحرب الذين حكموا في زمن الحريريّة أن يبدّلوا ملابسهم ويؤمّنوا إنتقالًا هادئًا لسلطتهم من حقبة إلى أخرى. ولإيهام الشعب بأنّ تجدّدًا ما حلّ في البلاد، وجّهوا الأنظار إلى محكمة دوليّة بدأت ولم تنتهِ، وأعادوا إلى السلطة زعامات الحرب المسيحيّة التي تكفّلت بإعادة الإنقسام الذي كان قائمًا بين المسيحيين في نهاية الحرب، وساهمت أكبر إسهام في قسمة الشعب اللبناني بين فريقي 8 و14 آذار، لاسيّما بعد إتّفاق مار مخايل الشهير.

إنّ هذا الإتّفاق أوجد، في العلن، حليفًا مسيحيًّا قويًّا لحزب الله الذي كاد أن يُصبح مهمّشًا ومعزولًا بعد خروج السوريين، لكنّه (الاتّفاق)، في الخفاء، أطلق السيطرة الشيعيّة على البلاد، وعزّز القسمة داخل المجتمع اللبناني المتعدّد، وألهى الناس عن واقع أنّ الحكّام ما زالوا هم هم، وعن أنّهم على أتمّ الوفاق والتنسيق في ما بينهم.

ما عدا ذلك، لا يعدو كونه تمثيلية إستمرّت أربع عشرة سنة، حتّى هبّت ثورة 17 تشرين الأول، وكشفَ الشعب اللبناني ما كان مستورًا وهو يصدح: “كلّن يعني كلّن”!

ويأتي الإنفجار الكبير في 4 آب 2020! الطغمة الحاكمة تصل متأخّرة إلى العزاء لأنّها منشغلة بإعداد ملابسها للـ “عرس” اللبناني الجديد الذي يجري التحضير له في الكواليس.

فهل ينزلق الشعب وتنطوي عليه لعبة تبديل الملابس، ويفوّت فرصة الإطاحة بالمجرمين الذين نهبوا جنى أعمار الناس، وهجّروا أبناءهم، ودمّروا بيروت مرّة جديدة؟

ما نحن فيه اليوم من تطوّرات متسارعة يؤكّد، بما لا يقبل الجدل، أنّنا أمام تغيير ما حاصل لا محالة. الإنفجار هنا. الدمار هنا. نفس الذين ميّعوا الصورة حين اغتيل الحريري بمحكمة دوليّة، يُعيدون الكرّة وهم هنا.

اللاعبون الدوليّون والمحليّون أنفسهم هنا. ميشال عون هنا. لكن إلى أين هذه المرّة؟!

هل تنجح الطغمة الحاكمة بإغراء الثوّار وبجرّهم إلى صفوفها كما نجحت مع المسيحيين في العام 2005، لا سمح الله؟

وهل سيكون تدمير بيروت مجانيًا هذه المرّة أيضًا؟

ما الذي يحصل؟

فجأةً، وبعد رفضٍ مطلق لفكرة الإنتخابات المبكرة منذ إنطلاق ثورة 17 تشرين، ازدادت الأصوات المطالِبة بتقصير ولاية المجلس النيابي من داخل السلطة الحاكمة!

هذا التحوّل ليس نتيجةً لما تعرّضت له بيروت، بل هو ناجم عن حسابات إنتخابية، وهو بلا شك المطيّة لعبور السلطة القائمة، بذنوبها وخطاياها، إلى لبنان “الجديد” المفترض أن يحاكمهم وليس أن يحكموا فيه.

تُفيد معلومات خاصة وصلتني بالأمس، أنّ الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” حذّر الأميركيين من أنّ التمادي في مواجهة حزب الله سينعكس سلبًا على مَن يقوم به.

وقبل ذلك، دعا “ماكرون” الزعماء اللبنانيين إلى الإتحاد في “حكومة وطنيّة”، وأعطاهم الأمل بإفصاحه أنّ مساعدات “سيدر” لا تزال قائمة.

وفي كلمته في قصر الصنوبر، أعطى الشرعيّة للطغمة الحاكمة، متحجّجًا بأنّها منتخبة ديمقراطيًّا.

على أثر حركة “ماكرون” هذه، نشطت حركة أحزاب الطغمة، والمستقلين في السلطة، وما هدفهم سوى الحفاظ على مواقعهم والإنتقال بهدوء إلى المرحلة المقبلة على حساب دمار بيروت ودماء الضحايا!

الإنتخابات المبكرة، مهما كانت نزيهة، فهي لا تتوقّف فقط على التفوّق العددي للمناصرين، لا بل على التنظيم والقدرات الماليّة للمرشحين. وفي هذين المجالَيْن، مرشّحو السلطة سيتفوّقون على مرشّحي الثورة وسيفوزون بالأكثرية، وربما الساحقة.

فعليه،
بعد 4 آب 2020، لم يعد الوقت يلعب لصالح السلطة كما قبله. فلذا، يُتوقّع أن يستمر كرّ سبحة الاستقالات وصولًا إلى إجراء انتخابات جديدة بأيّ طريقة، لأنّ ذلك سيضمن تثبيت سطوة سياسيي المحاصصة على الحكم، ما يحتّم على مَن تبقّى من مجموعات ثوريّة متمسّكة بتقريب موعد الانتخابات، أن تعدل عن هذه الفكرة.

بسقوط حكومة دياب أمس، لم يعد هناك آليّة دستورية لتقصير ولاية المجلس النيابي.

الحفاظ على “ستاتيكو” حكومة تصريف الأعمال، سيُربك العهد والأحزاب الطائفيّة، ويُتيح للثورة مزيدًا من الوقت للاستعداد والتنظيم لكسب المعركة الانتخابيّة.

يجب إعداد القانون الانتخابي والتقسيمات الإداريّة عن طريق هيئة مستقلّة، وبرقابة دوليّة، ويجب كفّ يدّ حزب الله عن القرار اللبناني، قبل إجراء أي انتخابات.

يجب أن تضغط الثورة بشتّى الوسائل لمنع أعضاء المجلس الحالي من الترشّح لولاية جديدة، وذلك كخطوة لدفع كل الأحزاب اللبنانيّة إلى ترشيح أناسٍ من ذوي الكفاءات، وليس بتابعين يأكلون الفتات من حصص الزعماء.

يجب على الثورة عدم المسايرة وعدم نسيان المحاسبة، وعليها أن تنتبه من هؤلاء الذين يتركون السلطة اليوم، ويحاولون ركوب قطار الثورة، فقط لتأمين عودتهم إلى السلطة.

بإختصار، ومع الأخذ بالإعتبار أنّ الأمور تتّجه نحو وضع لبنان تحت وصاية دوليّة ما، تمهيدًا للتغيير الآتي في النظام، على الثورة ألّا تقع بفخّ الإنتخابات المبكرة قبل ضمان كل الموجبات أعلاه.

وبالانتظار يا ثوار: “خلّوا النار والعا”. وليعلم القاصي والداني أنّ ثورتكم تعمل للوصول إلى ديمقراطية صحيحة، لكنّها هي بالذات ليست ديمقراطية، لأنّها وببساطة… ثورة وليس لعبة غمّيضة!

في اليوم الثامن والتسعين بعد المائتين لإنبعاث الفينيق.

ملاحظة: عنوان المقالة منقول عن عنوان كتاب لموريس عوّاد.