المخرج يوسف ي. الخوري/أنا أنعيكم ومن دون أسف…

351

أنا أنعيكم ومن دون أسف…
المخرج يوسف ي. الخوري/08 آب/2020

يؤكّد رئيس “شبكة ڨولتير” الالكترونيّة، الكاتب “تييري مِيْسون”، في بحث نشره منذ يومين، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” أمَرَ بتدمير مستودع أسلحة لحزب الله، في مرفأ بيروت، باستخدام سلاح جديد غير معروف، يتوقّع “مِيْسون” أنّه عبارة عن صاروخٍ رأسُه محمّل بمكوِّن نوويّ. لم يُفصِح “مِيْسون” عن مصدر معلوماته بما يخصّ أمرَ العمليّة الصادر عن “نتنياهو”، لكنّه استند في نظريّته حول استخدام سلاح نوَوي جديد في جريمة بيروت الأخيرة، إلى السحابة الفطريّة البيضاء التي اعتلت مكان الانفجار للحظات ثمّ اختفت، زاعمًا أنّ هكذا سحابة لا تنجم إلّا عن ضغط انفجارٍ نوَوي. وللتأكيد على أنّ إسرائيل هي خلف الاعتداء، نشر فيديو لقصف بالطيران الإسرائيلي على موقع في العمق السوري، خلال كانون الثاني المنصرم، وقد اندفعت جرّاءه في الفضاء، سحابةٌ بيضاء تُشبه في الشكل تلك التي نجمت عن انفجار العنبر 12 في مرفأ بيروت. (الفيديو مرفق أدناه)

بغضّ النظر عن أنّ السحابات الفطرية يُمكن أن تنجمَ عن انفجارات غير نوَوية، بحسب تأكيد العارفين بهذا المجال، لا بدّ أن تؤخذ بالاعتبار معلومات “مِيْسون” بأنّ إسرائيل تقف خلف الاعتداء، خصوصًا أنّ مقارنته شكل السحابتين، بين قصف الموقع السوري وانفجار بيروت، هي فعلًا صائبة. فهل مِيْسون، وهو الذي جهد في بحث سابق له، في تأكيد نظريّة السيّدَ حسن نصرالله بأن الرئيس الحريري اغتيل بصاروخ إسرائيلي، هو اليوم على حقّ في اعتقاده، أم هو مجرّد شخصِ مُعادٍ للساميّة؟

الموضوعيّة تقضي بالتريّث في إصدار الأحكام في القضايا الكبيرة كانفجار العنبر 12، إفساحًا في المجال لمزيد من المعلومات الدقيقة والجازمة. لكنّ المتتبّع لكمّ الأخبار والتحاليل المتضاربة بشأن انفجار بيروت، يُدرك تمام الإدراك أنّ الحقيقة ستضيع، وأنّ الفاعلين سينجون بفعلتهم.

يقول “باسكال فرواسار” صاحب كتاب “الشائعة “: إن الشائعات تنطلق دائمًا من معلومات حقيقيّة، وأحيانًا يُطلقها أناسٌ لا تتوقّعهم، ويساهم في سرعة انتشارها الميديا ووسائل التواصل الاجتماعي، خصوصًا عندما تبدأ هذه الأخيرة بالنقل عن بعضها من دون موضوعية.

بسرعة هائلة كوقع الانفجار نفسه، نشطت الإشاعات حول انفجار بيروت، حتّى بات من الصعب التمييز بين ما هو صحيح وما هو خطأ. الإشاعة الأولى انطلقت من رئيس أميركا “دونالد ترامب” الذي أكّد أن ضباطًا أميركيّون أخطروه بأنّ انفجار بيروت هو نتيجة هجوم. بعد ذلك لم يتأخّر البنتاغون الأميركي بنفي الخبر. إسرائيل بدورها نفته. هنا، وبناءً على تصريح “ترامب” جاء “تويت” للممثّل العالمي، “روبرت دي نيرو”، ليستنتج من خلال الوضع القائم في الشرق الأوسط أن إسرائيل هي المهاجم، فاغتنم الفرصة المُعادون للساميّة بإعادة نشر “تويت دي نيرو” مئات آلاف المرّات، لتتحوّل مأساة بيروت إلى تقاذف إشاعات يُلهي العالم عن فظاعة ما حصل في عاصمتنا المجروحة!

ولكي لا أساهمُ شخصيًّا في التضليل المجحف بحق ما تعرّضت له عاصمتي، سوف أقارب الاعتداء على بيروت وأهلي من زاوية مُختلفة.
عندنا في لبنان، نحن مُعتادون في حال “عطس” مواطنٌ عكاري، أن تُتهم إسرائيل، بأقلّ من نصف ساعة، بنشر فيروس للتسبّب بعطس هذا العكاري، وعليه قِس أمورًا كثيرة من هذا النوع! إلّا أنّ هذه المرّة، لا الحكومة اللبنانية، ولا حزب الله توجها بأي اتّهام للعدو الصهيوني، ولا إسرائيل تبنّت العملية وتفاخرت بها على غرار ما تقوم به بعد كل اعتداء على مواقع إيرانيّة في سوريا أو في إيران! لا بل عرضت تقديم المساعدات للشعب اللبناني على غير عادتها!! أفلا يدعو كل هذا إلى الريبة والتساؤل؟!! لماذا اللبنانيّون، برئيسهم، وحكومتهم، وأحزابهم الطائفيّة، وحزبهم الإلهي، هم ملتزمون الصمت تجاه إسرائيل؟! لماذا السلطات اللبنانيّة تشغلنا بملاحقة المقصّرين وبإنزال أقصى العقوبات بهم، وتٌلهينا عن المقترف الأساسي للجريمة؟!! هل التقت مصلحة السلطات اللبنانيّة والحزب الذي يُديرُها، مع مصلحة إسرائيل في تدمير بيروت معاذ الله؟!!

أتفهّم جيدًا أن تُنكر إسرائيل أنّها فعلتها إذا كانت هي فعلًا مَن فعلها، لأن جريمة بهذا الحجم بحقّ عاصمتي بيروت، ولأن دماءَ شعبي الذي أُهدر في غفلة جبانة، لا تقوى إسرائيل على التعويض عنهما! لكن ما لا أتفهّمه، هو كيفيّة تعاطي مَن هم في السلطة عندنا مع سقوط عاصمتنا! هو تعاطٍ بارد هزيل فيه من الجبانة والإنكار ما هو أقسى من أن يكون صاروخ إسرائيلي قد دمّر بيروت!

أنت يا فخامة الرئيس، لا تُفوّت مناسبة منذ وقوع الشرّ على بيروت، إلّا وتذكّرنا فيها أنّك ميشال عون ربيب المدرسة العسكرية، لا تهادن، لا تتراجع ولا تساوم. سأصدّق أنّك مَن أنت، لكن ما نفعُ مَن تكون وشعبي يهجر مدينته تاركًا خلفه الدمار والدماء والأبواب المخلّعة بانتظار مجهولٍ آتٍ. أيَصلُحُ لبنان، الذي وعدتنا بأن تتركه لنا أفضل ممّا تسلّمته، أن يكون من دون عاصمة اسمها بيروت؟ أيَصلُحُ أن يكون من دون أمنٍ لطالما تغنيت، وتغنّى تيارك، بأنّك حققته لنا؟ من دون مواربة: ارحل!

وأنت يا سيّد حسن، في إطلالتك أمس، وضعت الدولة أمام امتحانٍ في كيفيّة تعاطيها مع ما تعرّضت له بيروت، “دولي أو ما في دولي”، وأنا معك يا سيّد، لكنّي لا استثنيك من المسؤوليّة كما أنتَ قررت ان تستثني نفسك في الإطلالة، فإذا كنت بريئًا كما تدّعي، أو كانت لك علاقة بما حلّ ببيروت، في كلتي الحالتين الدولة هي المسؤولة وهي التي يجب أن تُحاسب، إنّما أيضًا تُحاسب أنت معها، لأنّك تقف خلفها وتُمسك بكل مفاصلها.
أوَلست أنت مَن توعّد الثوار، ووضع الخطوط الحمر في طريقهم، لتأمين استمراريّتها في عهدة حليفك؟! أنا لست مع محكمة دولية للتحقيق في انفجار بيروت، لكن أنت لماذا ضد هكذا محكمة طالما أنّك بريء؟!! البريء لا يخشى شيء يا سيّد، وعوض أن كنتَ تُبعد الشبهات عنك بالكلام، كان حريّ ان تضع نفسك بتصرّف القضاء، وأن تتركه هو يقرّر!

لكن للأسف أنت لا تتبع للدولة اللبنانية لتقوم بهكذا خطوة. وفي الاطلالة نفسها، حسمتَ موضوع المحاسبة على جريمة بيروت بالنسبة لمحكمة دوليّة، وأمليت علينا أن يتكفّل الجيش اللبناني بالتحقيق، على أساس أنّ كلّ اللبنانيّين يثقون به.
نعم يا سيّد، نثق بالجيش إلى أبعد الحدود، ولذلك نناضل كي تسلّمه سلاحك، وتفكّك منظومتك العسكرية، وتترك جمهورك الشيعي الطيّب يعود إلى لبنان المنهوك المنكوب، كي نضع يدنا بيده لإعادة وطننا إلى الحياة!
دعك من مار مخايل وميشال، سلّم سلاحك غير الشرعي، إذ لا نفع منه طالما بيروت تدمّرت، وأنت حتّى لم تلمّح إلى إمكانيّة أن يكون الفاعل إسرائيل!! أنا أعرف لماذا! لأنّك تخشى أن تكون إسرائيل فعلًا هي المجرم المعتدي، وتجد نفسك مُحرجًا في الدفاع عن بيروت وأنت عاصمتك طهران، أو أن نطلب منك الدفاع عن لبنان وولاؤك هو لسوريا وإيران. آن الأوان، يا سيّد، لوقف الصياح على شاشات التلفزيون، والتحجج بالتسلّح لحماية لبنان وتحرير القدس! ومن دون مواربة: إرحل.

وأنت يا وليد بيك، ألا تخجل؟… ألا تخجل أن تكرّر جرّ اللبنانيّين إلى محكمة دولية جديدة؟! خمسة عشر سنة جديدة لتحديد المجرم، وفي الانتظار دوحة جديدة، وتسويات جديدة لكي تستمرّ منظومتكم الفاجرة، المُطبّعة مع إسرائيل؟! أنتَ يا “حوتًا لفظته البحار”، ويا “حيّةً لم تعرفها البراري”: ارحل بدورك.

ويا سيّد سعد، بيروت التي هلكتم سمانا بـ “تربيح الجميلي” بأن والدك أعاد إعمارها، تدمّرت وتغيّرت معالمها وهي اليوم بحاجة إلى مقاولٍ جديد، إنّما يخضع لديوان المحاسبة، ولا يسعى إلى توسيع امبراطوريّته الماليّة كوالدك. أما السوري الذي ادّعيتم أنّ دماء الشهيد أخرجته من لبنان، فعاد! لذا يا سيّد سعد، بيروت سقطت أمام ناظريك، فاخجل ومن دون مواربة: ارحل.

ويا أيّها الثوار، يا دمي،
“كلّن يعني كلّن” تعني أنّنا نريد السلطة، والثورات تنجح بالوصول إلى السلطة وعدم التلوّث بالفساد، فلا حاجة لوثائق ثورة ولانتخاب ممثّلين عن الثورة، لأن الثورة لا تحاور من تدعوهم إلى الرحيل. الثورة لا تتحقّق على شاشات التلفزة وفي الاستعراضات، لا يتكلّم باسمها مَن تقدّم إلى الانتخابات النيابيّة في العام 2018، بل يعمل من أجلها ليُثبت أنّه في صفوفها حبًّا بالأرزة ولبنان، وليس لغاية الوصول إلى السلطة.

أطردوا من صفوفكم كل نائب في البرلمان لم يقدّم استقالته لغاية اليوم من المجلس النيابي. أطردوا من صفوفكم كل مَن يدعو إلى تحرير فلسطين وبتمسّك بالسلاح الجبان وبيروت مدمّرة. لا تخشوا بعد اليوم إغلاق الطرقات وحرق الدواليب، واطردوا من صفوفكم كل مَن يتنكّر على الشاشات لثائرة أو ثائر أقدم(ت) على عمل غير مقبول. لا تسكتوا بعد اليوم عن أيّ كان من الذين لا يشعرون بوجع الفقراء ولا يخجلون من التباهي علنًا بثرواتهم وفحشهم، ثرواتهم هي حقّ لهم، لكن فليتعلّموا في ظروف كالتي نعيشها، أن يعيشوا بتواضع… إنه زمن التضامن والأخوّة.

الثورة تتحقّق عندما يهبّ شعبي هبّة واحدة كما أراكم ستهبّون مجدّدًا لنجدة عاصمتكم، وها أنا أرى هذه الهبّة آتية لتولي أمر الرؤوس التي أينعت وحان وقت رحيلها. وبمزيد من الفرح أنعي ومن دون أسف، كلّ الطبقة الحاكمة التي سيسقط أفرادها الواحد تلوَ الآخر، ولست بحالمٍ، فأنا انتظر كيف ستتدحرج الاستقالات يومًا بعد يوم، ومن الآن فصاعدًا، لا يسألني أحدٌ أين الثورة، فها هي آتية، أنظروها ولا تنسوا أن تتقوها!

في اليوم الخامس والتسعين بعد المائتين لانبعاث الفينيق.