المخرج يوسف ي. الخوري: فلتسقطِ الأقنعة/بالحجج الدامغة والأسماء، تعاملَ الأحزاب النافذة في الحركة الوطنيّة مع إسرائيل

1438

فلتسقطِ الأقنعة…
المخرج يوسف ي. الخوري/01 آب/2020

*بالحجج الدامغة والأسماء، تعاملَ الأحزاب النافذة في الحركة الوطنيّة مع إسرائيل.

*مصمّم على إسقاط أقنعة التآمر والعمالة عن وجوه مدّعي العفّة الوطنيّة.

*فلِمَن يعرف ويتستّر على علاقات غير المسيحيّين بإسرائيل، عليه الكفَّ عن رمي اتهامات العمالة على المسيحيّين، ولِمَن لا يعرف وينقاد خلف الإشاعات المُضلّلة، فعليه ان يستنير بما سيأتي من معلومات موثّقة

*علاقة بعض أحزاب الحركة الوطنيّة بإسرائيل، هي غيض من فيض وهي عرضيّة أمام تآمر هذه الأحزاب على لبنان.

سعيد عقل:”لا ليس شعبي منقسمًا على نفسه. شعبي مصاب بمرض آخر: 96 % من أبنائه، منكوب، مُستغل، شبه فقير وفقير. تستغلّه 200 عائلة استولت على المال وعلى السياسة. وهذه المئتا عائلة ليست أهلًا لا للثروة ولا للحكم”.

*موريس عوّاد: “كلنا غلطنا ما عدا ولا واحد”!

****
أن نكشف بالحجج الدامغة، تعاملَ الأحزاب النافذة في الحركة الوطنيّة مع إسرائيل، لهُوَ أمرٌ عَرَضي إذا ما قارنّاه بتآمر هذه الأحزاب ضدّ لبنان، للنيل من سيادته والقضاء على ميثاقه الوطني.

أنا اليوم مصمّم على إسقاط أقنعة التآمر والعمالة عن وجوه مدّعي العفّة الوطنيّة هؤلاء، خصوصًا أنّ لبنان مقبل، لا محالة، على صيغة جديدة، ولا بدّ من كشف الحقائق كاملة كي لا يستقوي البعض، على الآخرين، بما يتستّر به على شنائعه وعيوبه.

قبل الإضاءة على ما أنا بصدده، تجدر الإشارة إلى أنّ تعامل مختلف الأفرقاء اللبنانيّين مع إسرائيل، لا يعني على الاطلاق التعامل مع طرف إسرائيلي واحد.

فعلى سبيل المثال، “الموساد” كان يحصر تحالفه بالمسيحيّين، وكان ينظُرُ إلى لبنان كوطنٍ قوي موحّد حليف بكامل مساحته الجغرافية، بينما “الآمان” (الاستخبارات العسكريّة الإسرائيليّة) لم يكن يرتاح لسلوك المسيحيّين، ووزّع تعامله بين المسيحيّين (بحذر وتردّد) والشيعة والدروز، وهو كان يؤيّد قيام كانتونات في لبنان، ويولي اهتمامًا خاصًّا بنشوء كانتونين درزي وشيعي على الحدود الشمالية لإسرائيل.

فلِمَن يعرف ويتستّر على علاقات غير المسيحيّين بإسرائيل، عليه الكفَّ عن رمي اتهامات العمالة على المسيحيّين، ولِمَن لا يعرف وينقاد خلف الإشاعات المُضلّلة، فعليه ان يستنير بما سيأتي من معلومات موثّقة:

– في العام 1984، تقدّم رئيس الكنيست الإسرائيلي النائب مناحيم سَڨيدور، والنائب دان تيشون (ليكود)، بمشروع قانون أمام مكتب الكنيست، لتمويل ودعم قيام كانتون درزي في لبنان يكون حليفًا لإسرائيل. وقد جاء في التمهيد للمشروع: “إنّ دروز لبنان … يُقيمون أفضل العلاقات مع إسرائيل”! والمفاجئ أنّ نصّ المشروع أُعِدّ في لبنان ونقلته إلى إسرائيل شخصيّات درزيّة شوفيّة.

– خلال العام الدراسي 1984 – 1985، أُضيف إلى المنهج الدراسي في منطقة حاصبيا تعليمُ اللغة العبرية، وباشر الاسرائيليّون تدريب مجموعات درزية عُرفِت باسم “قوّات الدفاع الدرزيّة”، وكانت ترتدي الزي العسكري الإسرائيلي.

– إثر عدم تصديق الرئيس أمين الجميّل اتفاقيّة 17 أيّار، رعت فرنسا لقاء مصالحة بين الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وممثلين عن الجميل في العاصمة باريس. الشروط التي جاء بها جنبلاط إلى اللقاء، اُعدّت في تل أبيب، وجنبلاط اطلع عليها هناك في مكتب أوري لوبراني، منسّق الأنشطة الإسرائيليّة في لبنان، قبل أن يحضر إلى العاصمة الفرنسيّة! وأكثر من ذلك، حضر لوبراني إلى باريس لمتابعة المصالحة عن قرب، وكان جنبلاط، يوميًّا، يُفيده بالتطوّرات سرًّا في فندق سوفيتيل – بوربون!

– بعد فشل لقاء المصالحة، توجّه الزعيم الدرزي إلى جنيف، حيث كان بانتظاره وزير الخارجية السوري، عبد الحليم خدّام، ليطّلع منه على مجريات الأمور في باريس. جنبلاط لم يخفِ شيئًا عن خدّام، بما في ذلك لقاءاته بلوبراني. أوَليس هذا عجيبًا؟ وكيف تجرّأ جنبلاط أن يُطلع خدّام على علاقته بلوبراني؟! غالب الظن أنّ جنبلاط فعل ذلك لأنّه كان على علم باتصالات تجري في الكواليس بين السوريّين والإسرائيليّين، ففضّل أن ينقل الأخبار بنفسه لخدّام، كي لا يسمعها هذا الأخير من طرف إسرائيلي ما، ويُعاقبه عليها.

– جنبلاط على حق بالنسبة للعلاقة بين السوريّين والإسرائيليّين، فقد كشف الرائد سعد حدّاد، قائد جيش لبنان الحر، في حديث لمجلّة الحوادث بُعيد إعلانه “دولَة لبنان الحر المستقل” في نيسان 1979، أنّه أجتمع مرّة في إسرائيل بعبد الحليم خدّام (حُذف اسم خدّام لما نُشر الحديث). وفي كتابه “هذه دولتي”، يروي حدّاد كيف كان الإسرائيليّون يتركونه يستمع سرًّا، من غرفة مجاورة، إلى المفاوضات التي كانت تجري بينهم وبين السوريّين في تل أبيب.

– لمّا انتقل سعد حدّاد بتكليف من قيادة الجيش اللبناني إلى الجنوب، طلب منه الرئيس كامل الأسعد إقناع الاسرائيليّين بتزويد أعوانه من شيعة الجنوب بـ 11 ألف قطعة سلاح للدفاع عن أنفسهم في وجه الفلسطينيين.

– في أيلول 1982، دخلت فرقة تابعة لجيش لبنان الحر، إلى مخيمَي صبرا وشاتيلا الفلسطينيّين، قبل دخول القوّات اللبنانيّة إليهما ببضع ساعات. تضاربت المعلومات حول حجم أعمال القتل التي ارتكبتها عناصر هذه الفرقة، فهناك مَن يقول أنّ مهمّتها انحصرت بتفريغ مكاتب منظّمة التحرير من محتوياتها، وهناك مَن ينسب إليها ارتكاب المجزرة قبل وصول القوّات. لكنّ ما هو مؤكّد، أنّ الفرقة تلقّت أوامرها مباشرة من رئيس الأركان الإسرائيلي رفائيل إيتان، وأنّها كانت بقيادة النقيب كميل صلاح، وكل عناصرها تقريبًا كانوا من الشيعة.

– بعدما تراجع الرئيس أمين الجميّل عن إقرار اتفاقيّة 17 أيّار، شهدت بلدتَي أنصار والخيام الجنوبيتين، دورات تدريب لعناصر ميليشياوية شيعية على يدِ ضبّاط من جيش لبنان الجنوبي وبإشراف ضبّاط إسرائيليّين.

– بعد تثبيت الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان في ثمانينيّات القرن الماضي، كانت حركة امل تنسّق تنسيقًا منظّمًا مع الإسرائيليّين عن طريق داوُد داوُد رئيس الهيئة التنفيذية للحركة، ومحمود فقيه المسؤول التنظيمي العام، وحسن سبيتي نائب المسؤول التنظيمي. الثلاثة اغتيلوا في الأوزاعي في كمينٍ مسلح في آب 1988، بينما كانوا عائدين من اجتماع مع نبيه برّي.

– ورد في كتاب Guerres secrètes au Liban لـِ “آنّي لوران” وأنطوان بصبوص، أن سفير إيران في لبنان منصور داكار، كانت علاقته سيّئة ومتشنّجة على الدوام بالإمام موسى الصدر، فالأول هو مناصر أعمى لشاه إيران، والثاني يميل إلى مناصرة الإمام الخميني بالرغم من أنّه كان يتلقى الأموال الطائلة من الشاه. تشكّ بعض المراجع الإيرانيّة في أن يكون داكار قد سرّب للرئيس الليبي معمّر القذّافي، معلومات عن لقاء جمع الصدر باثنين من الموساد الإسرائيلي في طهران، ويبدو أن لهذا التسريب علاقة باختفاء الإمام!

هذه الأخبار عن علاقة بعض أحزاب الحركة الوطنيّة بإسرائيل، هي غيض من فيض، وكما ألمحت في مقدّمة المقالة الحاضرة، هي عرضيّة أمام تآمر هذه الأحزاب على لبنان.

ينكشف يومًا بعد يوم، أن الأطراف الأربعة الأساسيّة داخل الحركة الوطنيّة، سنّة، شيعة، دروز وعلمانيّون، استغلّ كلّ منها منظمة التحرير الفلسطينيّة ظنًا منه أن ذلك سيحقّق له أهدافه التآمريّة ضد لبنان، وبدوره ياسر عرفات، رئيس هذه المنظّمة، استغل الجميع ليوسّع الشرخ بين اللبنانيين ويضع اليد نهائيًّا على بلدهم.

مفتي الجمهوريّة السني حسن خالد، لم يخجل من التنكّر للشرعيّة اللبنانيّة بإعلانه أمام ياسر عرفات “أن الفلسطينيين هم جيش المسلمين”. وفي حديث لجريدة السفير (18 أيلول 1976)، يفصح مدير عام دار الفتوى حسين القوّتلي، “أنّ من ضمن الدوافع العميقة للإسلام اللبناني، قيام دولة إسلاميّة متى زالت المعوقات لذلك”! ولفرض الدولة الإسلاميّة، التقت مصلحة السنّة مع منظّمة التحرير.

الإمام موسى الصدر تحالف مع الفلسطينيين بهدف استخدامهم لـِ “التألّق انطلاقًا من لبنان وتكوين أمميّة شيعيّة يكون مقرّها في نيويورك! وبهذا الخصوص، تمّ توقيع اتفاق في صيدا بين الطرفين بتاريخ 24 حزيران 1975، وينصّ على الاعتراف بروح الله الخميني “كقائد لجميع الشيعة في العالم ولحركات التحرّر الإسلاميّة كافة”. مثّل الجانب الشيعي في الاتّفاق: زعيم الأصوليّين الشيعة حسين موسوي، مؤسس حزب الله، والمرشد الروحي للحزب لاحقًا الشيخ محمد حسين فضل الله، والإمام موسى الصدر. هذه المعلومات واردة في دراسة معمّقة حول “كيف يريد الخميني غزو العالم”، نشرتها صحيفة الاكسبرس الفرنسيّة بين 6 و 12 أيلول 1984. يتضح هنا انّ “السلاح زينة الرجال” – على قول الصدر – لتحقيق الأمميّة الشيعيّة وليس عونًا للفلاحين الفقراء.

كمال جنبلاط الزعيم الدرزي، أراد استخدام عرفات كذراع عسكرية ينقضّ بها على الحكم لإسقاطه. هذا الرجل الذي يسمّونه شهيدًا، هو ليس سوى شهيد طموحاته بالسلطة. كان يراهن أنّ سليمان فرنجية سيكون آخر رئيس ماروني للبنان، وبعده سيترأّس هو. وفي تنصّت لاستخبارات الجيش على مكالمة هاتفيّة بينه وبين قائد الدرك هشام قريطم، قال: “… ليرحل الموارنة إلى قبرص وليؤسسوا لهم دولة هناك مع إخوانهم الخمسة آلاف ماروني”. هذا الرجل “الشهيد” هو سبب البلاء في لبنان، يوم كان وزيرًا للداخليّة، هو مَن قوّض وجود الأجهزة الأمنيّة اللبنانيّة داخل المخيّمات الفلسطينيّة، مُطلَقًا بذلك الباع الطويل للعمل العسكري الفلسطيني في الداخل اللبناني. وهو الذي أحيا التراخيص للأحزاب اليساريّة الممنوعة والمناهضة بأهدافها لاستقلال لبنان (البعثين السوري والعراقي، القومي السوري، والشيوعي)، ليستخدمها لاحقًا في تنظيم الحركة الوطنيّة للانقضاض على السلطة. لكن سرعان ما وجد نفسه عميلًا للفلسطينيين، لا يستطيع أن يحرّك جبهة صغيرة من دون موافقتهم، وقد اعترف بذلك في كتاب “الحرب اللبنانيّة – الفلسطينيّة” صفحة 97.

في الخلاصة،
الأهداف العقائديّة الدينيّة، والايديولوجيّات العلمانية، الواردة أعلاه، هي الأسباب الجوهرية للحرب اللبنانيّة وليس ما صوّرته الحركة الوطنيّة والبروباغندا العرفاتيّة، على أنّها بسبب سوء سياسة الموارنة في إدارة شؤون البلاد. نحمد الله أن هذه العقائد والايديولوجيّات لا تلتقي في مكان، وإلّا كان لبنان إلى زوال والمسيحيّون إلى قبرص.

وفي الخلاصة أيضًا، حرب العام 75 لم تكن حربًا بين الناس اللبنانيين، والتضليل في هذا الموضوع، هو الذي شكّل الخطر الحقيقي على لبنان ولا يزال. أتذكّر هنا موقفًا لسعيد عقل قد يُعطي اللبنانيين شيئًا من الأمل بعد ما كشفناه من وسخ زعمائهم. يقول:

“لا ليس شعبي منقسمًا على نفسه. شعبي مصاب بمرض آخر: 96 % من أبنائه، منكوب، مُستغل، شبه فقير وفقير. تستغلّه 200 عائلة استولت على المال وعلى السياسة. وهذه المئتا عائلة ليست أهلًا لا للثروة ولا للحكم”.

وأختم مع موريس عوّاد قائلًا باللبناني: “كلنا غلطنا ما عدا ولا واحد”!