المخرج يوسف ي. الخوري/لِمَ تطلبن الحيّ بين الأموات؟

141

لِمَ تطلبن الحيّ بين الأموات؟!!
المخرج يوسف ي. الخوري/12 تموز/2020

تُعجّبني منذ أكثر من يومين الضجّةُ المثارة حول كنيسة الحكمة (آيا صوفيا) في إسطنبول! هي، أي الضجّة، تذكّرني بالمريمات لمّا أتَيْن صبيحة ذلك الأحد الكبير (يوم القيامة) لتحنيط يسوع ولم يجِدْنَه في القبر.

وبينا هنّ حائرات، طلع عليهن رجلان وسألاهنّ: “لِمَ تطلبن الحيّ بين الأموات؟ إنّه ليس هنا، بل قام…” (لوقا 24/5 – 6).

فيا أيُها المسلمون قبل المسيحيّين؛ والمسيحيّون عامة قبل الروم الأرثوذكس؛ ويا كلّ مَن يُعارض خطوة أردوغان إرجاع الـ “آيا صوفيا” مسجدًا، لكم جميعًا أقول: “لِم تطلبون كنيسة هي في الأصل غير موجودة؟!!!” نعم، هي غير موجودة!

إذا زرتم إسطنبول في العقود الأخيرة، لَمَا وجدتم كنيسة اسمها “آيا صوفيا”، بل متحفًا اسمه “آيا صوفيا”. إذا نظرتم إلى الموقع من بعيد، سوف لن يخطر ببالكم أن العمارة البيزنطية المبنية عليه هي في الأصل كنيسة، إذ شُيّد حولها أربع مآذن ضخمة تضيّع حقيقة المشهد.

المبنى أُزيلت من داخله المعالم المسيحيّة والأيقونات البيزنطية المُعمَّرَة بالفسيفساء، وأدخِلت عليه سمات معمارية إسلامية، كالمنبر والمحراب، ورُفعت تحت سقفه، على كافة الجوانب، دوائر (لا أذكر إذا هي من البرونز أو الإسمنت) نُقش على كلّ منها اسم أحد الخلفاء الراشدين، او اسم “الله”، أو اسم “حسن”…

إذًا عن أيّ كنيسة نتكلم وقد تمّ محيُها وتشويهُها منذ 567 سنة؟ وما فعله أتاتورك عام 1934 بتحويلها إلى متحف، بعدما كان العثمانيون قد حوّلوها إلى مسجد منذ العام 1457 م.، لم يكن إكرامًا للبيزنطيين أو حفاظًا على تاريخهم وإرثهم، إنما كان من ضمن اجراءاته العلمانية الإصلاحية!

وما يفعله أردوغان اليوم هو بمثابة استرجاع لـ “حقوق المسلمين” التي انتزعها منهم أتاتورك. أما بالنسبة للكنيسة، كنيسة الـ “آيا صوفيا”، فلا أتاتورك سأل عنها، ولا أردوغان سائل عنها!

هذا النوع من تشويه المعالم الحضارية أو الرموز الدينيّة غير الإسلامية، ليس بغريب عن ثقافة المسلمين، وقد مارسوه خلال الفتوحات الإسلامية، من المدينة المكرّمة إلى قرطبة.

وحديثَا طال هذا النوع من الممارسات إندونيسيا في الشرق الأقصى. حتى في بيروت شهدنا هذا النوع من الممارسات في زمن الحريرية السياسية: تتوزّع في وسط بيروت ومحيطه، عدّة مساجد وكنائس، هي بمعظمها أثريّة ومتواضعة وكانت تُضفي طابع التعدّدية والعيش المشترك على المدينة، وهذا ما كانت تدلّ عليه كل الصور العامة المأخوذة لبيروت.

جاء رفيق الحريري وبنى مسجد محمد الأمين بمآذِنِه الأربع التي بالتأكيد استوحاها من محيط الـ “آيا صوفيا”، والتي لا تُشبه روح المدينة ولا تواضع معابدها، بحيث بات من الصعب أخذ أي لقطة عامة لمدينة بيروت، ومن أي جهة، إلا ويظهر فيها هذا المسجد الأصفر بقبة زرقاء، والذي يُعطي الانطباع بأنّ بيروت هي مدينة إسلامية. مَن لم ينتبه لهذا التحوّل الجوهري في روح مدينة بيروت، أو سكت عنه، لا يحقّ له تناول موضوع الـ “آيا صوفيا” الذي هو منتهٍ منذ قرابة الستة قرون.

لكن، 

إذا كان لا بدّ من أخذ موقف، فلا يكون ذلك بالاعتراض على تحويل متحفٍ إلى مسجد، لا بل، وهذا أصوب، يكون بالمطالبة بإرجاع المتحف كنيسة بيزنطية، وبإزالة كل المعالم الإسلامية من داخله ومن حوله، وبترميم ما تمّ تدميره وتغطيته من أيقونات بيزنطية ثمينة بداخل الكنيسة القديمة، وبإعادة المذبح وبيت القربان الأقدس والأجراس إلى المكان.

بأقل من ذلك، فلّا يحاولنّ أحد الاصطياد بالماء العكر، ولّا يتصنّعنَ أحدٌ أنّه أرثوذكسيّ أكثر من الأرثوذكس، خصوصًا شيعة الثنائي أمل وحزب الله، الذين يُقاربون موضوع الـ “آيا صوفيا” من باب خصومتهم مع تركيا أردوغان وعداوتهم للإخوان المُسلمين، مع العلم أنّه لا يمكنهم الدفاع عن “حق مسيحي”، لأنّهم ما زالوا يُمعنون في الاستيلاء على أراضي المسيحيّين في لاسا وبلاد جبيل، بالترغيب والترهيب.

ومع هؤلاء الشيعة، فليصمت المسيحيّون اللبنانيّون المزايدون، لاسيّما الموارنة منهم وحلفاء باني مسجد محمد الأمين في بيروت، لأنّ عبادة ربّنا وإلهنا يسوع المسيح لا تقوم بين أربعة جدران، بل في وجداننا…

ومن يبحث عن مباني للعبادة، ففي ضيعتي الصفرا كنيسة على اسم القديسة صوفيا، شكلها الخارجي منقول تصميمُه بالخطأ عن بناء “آيا صوفيا” إسطنبول.