إيلـي فــواز/الطائفية والديمقراطية

310

الطائفية والديمقراطية
إيلـي فــواز/لبنان الآن

26/11/14

يخال للمرء وهو يستمع الى بيانات تكتل التغيير والاصلاح أنه أمام جمعية خيرية همها الوحيد هو التصويب على أخطاء الطبقة السياسية وأداء مؤسسات الدولة. ففي أدبيات البيان لطالما نجد تحذيراً ما، أو إنذاراً من مغبة الاقدام على فعل ما، ولكن من دون أن يكون لهذا التحذير أو الانذار أي تداعيات عملية على الحياة السياسية. وهذا يعني أن التيار العوني في حالة عجز عن المبادرة، لا حول له إلا تبني خطاب شعبوي ينتقد الآخرين، فيما هو يفعل فعلهم.

هذا العجز يوقع عون دائماً في التناقض. فهو يعمل، على ما يقول في خطابه الشعبوي، لبناء دولة مستقلة ذات قرار مستقل، ولكنه يرسل لرعاة الطائف الاقليميين من رؤوساء وملوك عرب طلباً بالتدخل من أجل وقف انهيار الدولة، كما أعلن. يبشر بالديمقراطية ويدّعي العمل بوحيها ثم يطالب بحصر الانتخابات الرئاسية بشخصه وشخص قائد القوات اللبنانية. يسعى الى سيادة لبنان ولكنه يدعم سلاحاً غير شرعي.

يدعو في كتابه البرتقالي الى العلمانية ولكنه لا يرى حرجًا في “التكامل الوجودي” مع حزب ديني يؤمن بولاية الفقيه.

ولكن الأداء العوني المتناقض، ليس خاصة تلازمه دون غيره، فهي مشكلة لطالما عانى منها الساسة اللبنانيون عموماً والموارنة خصوصاً، – بما أنهم كانوا مؤتمنين على المصير السياسي اللبناني حتى عام 1991- ولو أن عون، وبفضل شخصيته، تفوق عليهم.

فالمشكلة تكمن أساساً في المزاوجة المستحيلة بين الطائفية والديمقراطية، ما حدا بالصحافي الكبير جورج نقاش القول إن تناقضين لا يمكن أن يصنعا وطناً. واستطراداً، أخطأ الموارنة عندما ظنوا ان الطائفية ممكن أن تمنع انهيار نفوذهم في لبنان، وهم فشلوا في تطوير الواقع الطائفي الى حالة مواطنة غير طائفية كان لها ان تحمي قيم الحريات العامة والديمقراطية التي طالما سعوا لتمكينها في لبنان.

أما محاولة عون إعادة عقارب الساعة الى زمن تكوين السلطة التي ارتضاها المؤسسون عيشاً مشتركاً، عبر طرح القانون الارثوذكسي، باتت هزيلة ومن دونها مخاطر على الوجود المسيحي نفسه.

هذه الازدواجية في المعايير، بين طائفية وديمقراطية، مارسها وما زال الزعماء السياسيون في لبنان، واحتمى بعضهم خلفها مبررين مواقفهم وأعمالهم التي لم تكن من اجل الصالح العام.

وهي-أي الازدواجية- جعلت موضوع المحاسبة أمراً مستحيلاً، لأنه إن كان مطلب المحاسبة قد أتى من مجموعة طائفية مختلفة عن المنوي محاسبته اعتُبر الامر تعدياً على قيم العيش المشترك، وسارع الجميع الى إنتاج تسوية، ستشجع الآخرين على التطاول على القانون والانتظام العام . أما إن أتى طلب المحاسبة هذا من داخل الطائفة فهناك جمهور واسع من المستفيدين من المنوي محاسبته سيمنع عنه أي إدانة أو حكم.

ولهذا السبب بالذات انتقاد حزب الله أو حركة أمل، من اي جهة أتى يُفهم مباشرة على أنه انتقاد للطائفة الشيعية بأكملها. أما إن كان المنتقد شيعياً فيصبح الامر أصعب باعتبار المنتقد خائناُ يطعن بوحدة وقوة الطائفة.

وجد الموارنة في الطائفية حجة راجحة لكي يحكموا لبنان، ولكنهم لم يفهموا ان تلك الحجة لن تمكّنهم في الاستمرار في حكمه. فالمسألة الطائفية- المذهبية التي تشتعل اليوم في المنطقة حروباً كبيرة وفتناً كثيرة، تجعلهم أعجز عن المبادرة في انتخاب رئيس ماروني على سبيل المثال لا الحصر، على رأس البلاد.

ببساطة، تلك المزاوجة أيام الميثاق كان يمكن لها ان تكون مرحلة انتقالية من الطائفية الى المواطنة، أما وأن هذا الانتقال لم يحصل، وأما أن الزعامات الموارنة يتناهشون نتفة من سلطة مهترئة، فالمسيحييون مرشحون أن يكونوا في هذا المشهد الاقليمي مجرد تفصيل لا يسمن ولا يغني عن جوع.