يوسف ي. الخوري/الثورة ليست ضدّ السلاح، إنّما السلاح ضدّها

287

الثورة ليست ضدّ السلاح، إنّما السلاح ضدّها.
يوسف ي. الخوري/08 حزيران/2020

يأخُذُ سلاحُ حزبِ الله بُعدًا جدليًّا، لا بل انقساميًّا، بين الثوار أنفسهم من جهة، وبين قسم منهم وحزب الله من جهةٍ ثانية.

البعض من الثائرين يُصرّ على أنّ الحزب وسلاحَه هما من ضمن قائمة المقصودين بشعار “كلّن يعني كلّن”، بينما البعض الآخر يرفض إدراجهما في هذه القائمة، سواء عن قناعة أو عن اعتقاد بأنّ إثارة موضوع السلاح في هذه المرحلة هو خطر على الثورة.

ما الذي يربط سلاح حزب الله بالثورة القائمة حاليًّا في وجه طغمة الحاكمين في لبنان؟

حزب الله هو مَن زجّ بنفسه في مواجهة ثوّار 17 تشرين وليس العكس.

ما أن اندلعت الثورة، حتّى احجم كل الزعماء اللبنانيّين، حزبيّين ومستقلّين، عن الظهور في وسائل الإعلام والإدلاء بالتصاريح، باستثناء السيّد حسن نصرالله الذي ضاعف من إطلالاته، مكابرًا في الانتقاد؛ والتخويف؛ والاتّهام بتنفيذ أجندات السفارات؛ والتحذير؛ وصولًا إلى التهديد.

حصلت هذه الهجمة من السيّد حسن بمجرّد أن أطلق المتظاهرون شعار “كلّن يعني كلّن”، مع العلم، أن هذا الشعار لا يطال سلاح حزب الله، ولا تدخّلاته في الشؤون والحروب الإقليمية، ولا استراتيجيّته المعادية للأمريكان والصهاينة، إنما يقتصر فقط على محاسبة نوّاب ووزراء الحزب، كنظرائهم من باقي الأحزاب، على أدائهم داخل المنظومة التي تفتك بالبلاد والعباد.

إضافةً إلى ما ذكرناه، نجح السيّد حسن وحزبُه بالنأي بجمهور الطائفة الشيعيّة عن الثورة، حتّى أنّهما دفعا أبناء هذه الطائفة الكريمة إلى التصادم مع المتظاهرين، والاعتداء عليهم في الساحات.

لم تنتهِ هجمة السيّد على الثورة عند هذا الحدّ، بل تجاوزته إلى اتّهام الثوّار باستهداف “المقاومة الإسلاميّة” من الداخل، داعيًا الجيش الوطني إلى وضع حدّ لتحرّكهم، ومنعهم من إقفال الطرقات، مرّة بحجّة أنّه لا يجوز حرمان طبقة العمّال اليوميّين من الوصول إلى أعمالهم لكسب قوتهم. ومرّة أخرى بحجّة أنّ بعض الطرقات التي يجري قطعها، هي استراتيجيّة لتحرّك المقاومين. وكأنّ عملية تحرير القدس ستنطلق في غضون ساعات وقطع الطرقات يُعرقلها!

حلّ انقضاضُ السيّد على المتظاهرين وحركتهم، في حين لم يكن هؤلاء قد تعرضوا لا للحزب ولا لسلاحه!

وإذا كانت قلّة منهم قد تجرأت على تسمية السيّد علنًا من ضمن لائحة “كلّن يعني كلّن”، فمن باب معاتبتها له على السماح لأهل الحكم بإيصال الأمور إلى ما وصلت إليه، وهو القوي القادر.

تفاقمت الأمور وبلغت مستوى اللا-رجوع عن فكّ الاشتباك بين “المقاومة” والثورة، عندما وقع السيّد حسن أسير مواقفه.

تمنّى عدم سقوط الحكومة، سقطت الحكومة.

رفع سبابته مؤكّدًا أنّ العهد باقٍ، انتهى العهد من دون أن يرحل، وخار أمام الأزمات المتعاظمة في وجهه.

اتّهم الثوار بالخروج عن الصف الوطني وتنفيذ مؤامرات خارجية، ثمّ عاد وتراجع عن اتهاماته…

إذا سلّمنا من حيث المبدأ، ولدوافع وطنيّة وقوميّة ترتبط بتحرير القدس، بأنّه يجب تحييد حزب الله وسلاحه عن أهداف الثورة، فكيف نحيّد الثورة عن هجمة هذا الحزب عليها؟!!

بالرغم من التعدّي السافر لحزب الله على حقّ المتظاهرين اللبنانيّين بالهبوب في وجه حكّامهم، ووقوفه سدًّا في وجه مطالبهم المحقّة، لا زلنا نشاهد أناسًا من المدّعين بأنّهم محرّكون للثورة، يرفضون التعرّض لهذا الحزب، ويبالغون في الدفاع عنه وعن سلاحه.

وألعن من هؤلاء الرافضين، هم أولئك الذين يُقرّون بمسؤولية الحزب في المشاكل التي ترزح تحت ثقلها البلاد، لكنّهم يؤثِرون عدم التعرّض له، “أقلّه في الوقت الراهن”. وكأنهم يقولون لك تريّث في التصدي لمن يُريد القضاء عليك، ولا تتعرّض له إلّا بعد أن يقتلك!

ويُفاجئك المدافعون في الثورة عن حزب الله، بأنّه في حال سيكون عليهم الاختيار بين انقسام الثورة أو مواجهة الحزب الذي يتعرّض لها، يختارون انقسام الثورة، وهم بالفعل قسّموها.

يذكّرنا الانقسام الحاصل بين الثوّار حول حزب الله وسلاحه، بالانقسام الذي حصل بين اللبنانيّين عشيّة حرب الـ 1975 حول السلاح الفلسطيني والهجمات الفدائية ضد إسرائيل انطلاقًا من الأراضي اللبنانيّة.

تغيّرت الأسماء لكنّ المضمون واحد.

السلاح الخارج عن سلطة الدولة هو اليوم سلاح “المقاومة”.

منظّمة التحرير الفلسطينيّة حلّ مكانها حزب الله.

طلّاب الكتائب وحلفاؤهم الذين كانوا في السبعينيات يؤيّدون القضية الفلسطينيّة، لكن ليس على حساب السيادة اللبنانية، أصبحوا في ثورة 17 تشرين، المجموعات التي تعتبر حزب الله وسلاحه مسبّبين رئيسيّين لما يعاني منه اليوم لبنان.

الطلّاب من اليسار اللبناني والأحزاب العلمانية الذين كانوا يؤيّدون الفلسطينيين من دون ضوابط ولَو على حساب انهيار لبنان، هم نفسهم اليوم يشكّلون الشريحة الثورية التي ترفض التعرّض لحزب الله وسلاحه.

النخب من بين أبناء كل الطوائف الذين يَزِينون مواقفهم إرضاءً للمتخاصمين متجنّبين المواقف الفاصلة بين الحقّ والباطل، هم اليوم في الثورة، تلك “الأنتيليجنسيا” الغبيّة التي لا تريد تسمية حزب الله في الوقت الراهن خوفًا من أن يرتدّ على الثورة، وكأنّ حزب الله سيقدّر موقف هؤلاء الفاترين المتخاذلين ولن “يستفرغهم”.

وكأنّهم بموقفهم هذا سيرغمون الحزب على ترك الثورة تتقدّم، أو سيسرّعون عملية تحرير القدس، أو طرد الأمريكيّين من الشرق الأوسط، أو أقلّه منع الطيران الإسرائيلي من خرق الأجواء اللبنانية.

أمام ما تقدمتُ به من وقائع وحقائق، أستخلص أن ثورة 17 تشرين هي بأمّس الحاجة إلى الثورة على الذات قبل إسقاط النظام والتعرّض لسلاح حزب الله.

هي بحاجة إلى تطهير نفسها من كلّ شخص يخاف قول الحقيقة؛ من كل شخص ينتعل كفيّة ياسر عرفات في التظاهرات؛ من كل فريق لا يزال يحلم بتحرير فلسطين وشعبي اللبناني يعيش في الذل؛ من كلّ مَن يهاجم ثائرًا أحرق الدواليب وقطع الطرقات؛ من كلّ من يختفي من الساحات أثناء المواجهة ولا يظهر إلا بعد انتهائها إلّا لينظّر على الشاشات، لاسيّما هؤلاء الذين يتبرّون من “أعمال الشغب” وينسبونها لمدسوسين من السلطة.

الثورة بحاجة إلى تطهير ذاتها من كل شخص لم يفهم بعد أنّ قانون انتخاب يعتمد لبنان دائرة واحدة، هو قانون لتسليم السلطة بالطرق الشرعية إلى حزب الله وجمهوريّة الملالى الإسلامية؛ وبحاجة أيضًا إلى تطهير ذاتها من كل جمهور حزب يساري أو علماني يرفض مشاركة جماهير الأحزاب اليمينية بالثورة، والعكس بالعكس؛ ومن كل جمهور علماني يجد نفسه أرفع شأنًا من الجماهير الطائفية، والعكس بالعكس…

أنا اليوم وحدي أعلن الثورة على الثورة، ولا أعرف كم سيُصبح عددنا غدًا…