يوسف ي . الخوري/طبّلوا وزمّروا ما شئتم؛ فلا غاز حتّى لو وُجد غاز

1261

طبّلوا وزمّروا ما شئتم؛ فلا غاز حتّى لو وُجد غاز…
يوسف ي . الخوري/09 أيار/2020

أصدقائي المناصرين والمنتمين للتيّار الوطني الحر، وكل الغيارى على كرسي الرئاسة الأولى، أنا الموقّع على الرسالة الحاضرة يوسف ي. الخوري، سأقول ما سأقول ولن أأبه لرأيكم بما سأقوله، ولن أتردّد – إذا كان لديّ الوقت – بالرد على شتائمكم التي قد تُطلقونها بعد قراءتكم رسالتي، ولن أتأثر إذا تراجعتم عن صداقتي على الفايسبوك.

بالأمس القريب صوّرتم لنا أحد الوزراء إلاهًا، وسدّ المسَيْلحة جنّةً، ومياه بحرنا الأبيض المتوسّط غازًا مُخلّصًا لاقتصادنا المنهار، كما أنّكم لم تخجلوا من وصف خطة عهدكم الاقتصادية بالإنجاز التاريخي الذي لا سابقة له. فلا وزيركم إله. وسدّ المسَيْلحة قَحِط كما شاهدته البارحة بأم عيني. وخطتكم الاقتصاديّة فشلٌ مُضاف. ومن شرفتي المطلّة على البحر، لست أرى نفطًا. وعن النفط الذي تبيعوننا إيّاه وهو بعمق البحر سأتحدّث اليوم كي لا تظنّوا أنّنا أغبياء.

يا سادة يا كرام، بقليل من التبصّر يُدرك المرء أنّ المراهنة على استخراج الغاز لإنقاذ لبنان من أزماته المالية والاقتصاديّة هو محض هراء. وإليكم الوقائع:
حول مَن أطلق مبادرة البحث عن الغاز في البحر:
تمّ العمل بعد الحرب على إطلاق البحث عن الغاز أثناء تولّي اسعد رزق وزارة الصناعة والنفط بين العامين 1992 و 1995. بين الأعوام 2002 و 2005 تولّت شركتان؛ “سبكتروم” الإنكليزية و “جي.أي.أس” النروجيّة، عمليات مسح بحري ثنائي وثلاثي الأبعاد عن النفط والغاز، وخلصتا إلى احتمال وجودهما.

نامت الأمور إلى حين تولّي وزراء التيار الوطني الحر حقيبة النفط بُعيد ال 2010. من دون جهد يُذكر، أعادوا إطلاق المنافسة نفسها للتنقيب عن النفط، والتي أعدّت في زمن الوزير رزق.

لم تتقدّم أي شركة للتنافس لأن الشركة النروجيّة كانت قد ضمّنت تقريرها ما يُفيد بأنّ احتمال وجود النفط هو بنسبة 22% فقط، وهي نسبة لا تُشجّع الشركات المتخصّصة على خوض مغامرة البحث. نامت الأمور من جديد إلى أن قرّر أهل الحكم في ظلّ تحالف تياري المستقبل والوطني الحر الرهان من جديد على النفط، لكن من دون قواعد علميّة يُبنى عليها، بل من خلال التوسّط لدى الرئيس الفرنسي “ماكرون” للتأثير على شركة “توتال” للتنقيب عن الغاز اللبناني.

“ماكرون” لبّى الطلب و”توتال” تجاوبت مشترطة أن يتمّ قبول التعاون بينها وبين شركة ENI الإيطالية التي اكتشفت الغاز في “حقل ظهر” المصري عام 2015، وشركة ثالثة روسيّة لم تحدّدها.

سعى سعد الحريري مع الرئيس “بوتين” إلى إشراك شركة روسية في التنقيب، فأرسل الروس شركة “نوڨاتك” المغمورة والمتواضعة.

هكذا تمّت صفقة التنقيب عن النفط في السياسة و”تبويس” اللحى بالرغم من الحظوظ شبه المعدومة لاستخراج الغاز من بحرنا، وباعتقادنا هذا ما ستؤكّده شركة “توتال” في الأشهر المقبلة.

طبّلوا وزمّروا ما شئتم؛ فلا غاز حتّى لو وُجد غاز:
أن تُدليَ بالمعلومات الواردة أعلاه أمام محازبين من التيّار الوطني الحر، فستُفتح عليك الاتهامات الجزاف، لاسيما ما تمّ تلقينهم إياها كَالقول لك بتهكّم: “أيعقل أنّك سعيد لهذه الدرجة لأن التنقيب لم يكُن بحجم ما هو مُتوقع؟” .

لا يا سادة، القصّة قصّة معرفة ومتابعة وليست قصّة اختلاق أساطير للإيحاء بأن العهد يعمل وهو على قوّته!

وعوض أن تردّدوا من دون تفكير ما يُصرِّح به وزراءكم المفتونين بحب الظهور و”شَوْفَة الحال”، اجتهدوا وشيحوا قليلًا بنظركم، فتجدون عن يمينكم قبرص وعن يساركم إسرائيل اللتين سبقتانا بتجربة استكشاف الغاز، وتجربتاهما غير مشجعتين.

يوم وضع القبارصة الجدوى من استخراجهم الغاز من حقولهم البحرية، جاء في تقريرهم أنّه بعد خمسٍ وعشرين سنة من بدء الاستخراج، تربح قبرص 13 مليار دولار أميركي.

بالنظر إلى ازماتنا الفظيعة، وبغض النظر عن حاجة لبنان اليوم لكل دولار يأتيه من أي مصدر، أيمكن للبنان أن ينتظر 25 سنة للحصول على بضعة مليارات من الدولارات؟!

كيف نراهن إذن على الغاز؟
وكيف يسمح المسؤولون في تياري المستقبل والوطني، أن يُزايدوا على بعضهما باكتشاف الغاز، وحتّى الآن ليس هناك غاز ولن يكون؟
لا تُصدقوني؟! دعونا ننتقل إلى التجربة الإسرائيليّة؛
اكتشف الإسرائيليون حقلي الغاز “تَمار” و”ليڨياثان” بين العامين 2009 و 2010 واستمروا بعدها خمس سنوات لوضع القوانين التي تنظِّم القطاع النفطي، وإضافة إلى ذلك خاضوا سنةً من النقاشات العنيفة لبلوغ الحدّ الأقصى للاستفادة من موارد هذين الحقلين.

ما كادوا ينتهون من الأخذ والرد حتى كان وجه صناعة النفط والغاز في العالم قد تغيّر، واختلفت كل حساباتهم: ففي هذا الوقت، اكتشفت مصر “حقل ظهر” الذي يغطّي احتياجاتها الداخلية من الغاز، فلم تعد بحاجة لتستورد من الاسرائيليّين.

الولايات المتحدة التي كان الاسرائيليّون يعوّلون على بيعها من غازهم، تحوّلت من مستورد إلى مصدّر. أسعار الغاز انخفضت بشكل حاد عالميًّا.
الغاز الإسرائيلي هنا، لكن أين تذهب به إسرائيل؟

الجدوى الاقتصادية من انتاجها الغاز تدهورت، غير أنّ إسرائيل أصّرت على المتابعة في انجاز المرحلة “ألف” من تطوير حقل “ليڨياثان” والقاضية بإنتاج 12 ألف متر مكعب من الغاز، لكن حتّى هذه الخطوة تراجع المستثمرون عن تمويلها، إذ اعتبروا أن أسواق التصدير محدودة.
من الواضح لغاية الآن أن إسرائيل خسرت من استثمارها في الغاز. هل بقي عندها أمل؟ احتمال ضئيل.

التصدير عبر أنابيب إلى تركيا (للاتصال بأوروبا) برًّا محسوم سلبًا كون الأنابيب يجب أن تمرّ عبر سوريا ولبنان. بحرًا، ستحتاج إسرائيل لمدّ أكثر من 500 كيلومتر من الأنابيب البحرية، ما سيرفع تكلفة إنتاجها للغاز، وبالتالي سيضعها خارج المنافسة.

آخر الحلول المتبقيّة أمام إسرائيل لتصدير نفطها هي من خلال ربط حقل “ليڨياثان” بمصر، حيث يُمكن تسييل الغاز في معمل دمياطا أو معمل الإسكندرية، ليُصبح بالإمكان نقله إلى أوروبا أو أقصى آسيا بواسطة حاملات مجهّزة (LNG) تصل كلفة الواحدة منها، بحسب حجمها، إلى أكثر من 250 مليون دولار في حال قررت إسرائيل تصنيع أسطولها الخاص لنقل الغاز. عن خيار التسويق عبر مصر يقول الخبير الانكليزي “مايكل بارون”: “مصر أرخص وأسهل، لكنها ليست الأرخص او الأسهل”.

وتجد بعض الملفقين للأخبار عندنا، يصيحون من وقت لآخر متّهمين إسرائيل بسرقة غازنا – غير الموجود أصلًا – في حين أنّ إسرائيل لا تعرف كيف تتخلّص من غازها الذي بات عبئًا عليها.

يا سادة كفاكم مزايدات ومحاولات للتلاعب في عقولنا، قصة طمع إسرائيل بمياهنا وما شابهها من تخيّلات لتخويفنا كي تُبقوا على تحكمكم بنا، لم تعد تمر، كما لم تعد تُفيدكم بروباغندا الإنجازات الوهمية لتُبقوا على قواعدكم مضلّلة خلفكم.

بالمناسبة، هل مِن بينكم مَن يعرف عنوان “نادي الدول النفطية”؟
إنّه اليوم الخامس بعد المائتين لانبعاث طائر الفينيق.