نديم قطيش/لبنان محجور في كرنتينا حزب الله

135

لبنان محجور في “كرنتينا” حزب الله
نديم قطيش/موقع اساس ميديا/الإثنين 13 نيسان 2020

لنبدأ أولاً بإسقاط فكرة أن حزب الله يمتلك خطة ممنهجة واعية مفصلة للإمساك بالاقتصاد اللبناني وتغيير النموذج الليبرالي.. حزب الله، كبقية أحزاب السلطة السياسية في لبنان، يتخبّط منذ 17 تشرين الثاني 2019، ويصارع لالتقاط اللحظة السياسية.
كغيره تسابقه لكمات متتالية. بعد الثورة جاء الانهيار المصرفي، وبعده حلّ وباء كورونا لينتهي ما بقي من اقتصادات صغيرة وهشّة.
ولوحده يرتبك كارتباك محاولات التموضع الإيراني منذ اغتيال القائد العسكري الميداني والأمني للمحور الحاج قاسم سليماني.
منذ 17 تشرين الثاني 2019 لا يشبه خطاب الأمين عام الحزب حسن نصرالله الخطاب الآخر.
تبدّل توصيفه للثورة وعلاقاتها بالسفارات والمؤامرات الخارجية بظرف خطابين.
تبدّلت قراءته لتداعيات الأزمة المالية على حزبييه بظرف خطابين أيضاً.
حاول في الأول أن يكابر أن المقاومة “ستظلّ تدفع رواتب”، فانتبه أن جمهوره أوسع بكثير من “الباي رول” وأن ما سينوبه من أوجاع الانهيار لا يعالج بخطابات المكابرة.
كابر في مسألة الحكومة التي لن تسقط وإذ بها تسقط بلا أدنى التفاتة لتحذيراته أن سنوات قد تمرّ قبل تشكيل بديل عنها. ثم تشكّل البديل. حاول تثبيت معادلة أن الجميع معنيّ بمواجهة الانهيار الاقتصادي وإذ به يواجه عبر حكومته وحيداً..
لنضع جانباً، إذاً فكرة أن الحزب هو الفحل البهيّ، مدخّن “لاكي سترايك” في الإعلان الشهير والآفل.. “مدرك طريقه واثق من نفسه”..
لشدة ما يبدو ذلك جلياً في موقف حزب الله السلبي من الخطة الاقتصادية “لحكومته”.
تلحّ الحكومة على اعتبار أن خطتها الاقتصادية هي خطة “صنعت في لبنان”، أي إنها خطة بريئة من تهم الإملاءات الخارجية وتحديداً شروط صندوق النقد الدولي.
هي ليست خطة شركة “لازارد” أيضاً بل خطة الحكومة اللبنانية. الحكومة نفسها التي سمّاها حزب الله وأعطاها الثقة وأطلّ نصرالله مراراً لتمتين عودها والدفاع عنها، ويرفض اليوم خطتها..
في البروباغندا الساذجة سيطلّ علينا من يجعل من هذا الموقف السلبي لحزب الله علماً على استقلال الحكومة وحدود قدرة حزب الله وأن الحزب، لا سمح الله، لا يمسك بقرار الدولة، وإلا كيف تخرج “حكومته” بما لا يرضيه..
يشعر حزب الله، عن حق، أن هذه الخطة تتعارض مع كلّ ثوابت خطابه الاقتصادي الاجتماعي، ولا أقول الأيديولوجي، لأن ولاية الفقيه لم تنتج نظاماً اقتصادياً، بل بنت على النموذج الرأسمالي لنظام ما قبل الثورة مع ضوابط سياسية له وتأميم عشوائي وفوضى فكرية، تارة تقدّم معيار النمو وتارة تقدّم معيار العدالة الاجتماعية لتحديد سياساتها.
تتحدّى خطة دياب اللغو السطحي لخطاب حزب الله عن الحقوق والعدالة الاجتماعية والفقراء وذوي الدخل المحدود كما حول السيادة والاستقلال والرهاب الثوري من الخارج وشروطه.
الخطة باختصار تقوم على إقرار علني بأن لبنان لا يمتلك مقومات محلية ذاتية للنهوض، وأنه لا مناص من الاتكال على الخارج للخروج من الأزمة.
ثانياً لا تحمي الخطة ذوي الثروات الصغيرة والمتوسطة من مقصّ “الهيركات”، وهي ولو كانت شريحة عابرة للمناطق والطوائف إلا أنها في الوسط الشيعي، شريحة هائلة، حيث يسود اقتصاد الكاش أكثر من سيادته في بيئات أخرى، على الرغم من عدم توفر أرقام دقيقة تدعم هذا “الانطباع”!
ثالثاً، تنبئ الخطة ذوي الدخل المحدود وموظّفي القطاع العام أن رواتبهم ستنقص بشكل تصاعدي لتخسر مع حلول العام 2024 من قيمتها نحو 50?، نتيجة تثبيت سعر الصرف عند 3000 ليرة للدولار، مع حرمانهم من أيّ تصحيح أجور أو زيادات غلاء معيشة خلال السنوات الخمس المقبلة.
كلّ ما يرشح عن حزب الله يفيد برفض الخطة في جوانبها هذه.. أي رفض إجراءاتها العملية والتمسّك بوعودها الإنشائية بالمعالجة وتخفيض العجز وخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي وغيرها من المعايير. في الواقع لم يبقَ أحد مع هذه الخطة، بما فيها ذلك رئيس الحكومة الذي بات ينقل عنه أنه غير متمسك بها، وأن وظيفة الخطة لا يتجاوز وضع مادة تكون بداية حوار مع المجتمع الدولي..
لم يصل الانهيار اللبناني إلى ما وصل إليه صدفة. في لبنان أزمة سياسية كبرى أنتجت أزمة اقتصادية أدّت الى أزمة مالية ونقدية
لكن أبعد من الرفض لا يملك حزب الله الكثير ليقدّمه للبنانيين. ما كان حتى الأمس القريب يملك تصوّراً دقيقاً للمشكلة ولا يملك بالتالي تصوّراً للحل أبعد من لعبة تبادل اللوم والاتهامات وتعيين الأعداء والشياطين. حاله كحال الأعمى إذ يطلب منه أن يصف الفيل، كلّ مرة بملامسة جزء مختلف من جسمه الضخم، فيأتي وصفه مختلفاً كلّ مرة عن التي سبقها.
الأساس أن لا أحد يملك تصوّراً عمن سيدفع ثمن المشكلة الكبيرة.. في الاقتصاد وفي السياسة.
هل هي المصارف ونهمها لأرباح بلا مخاطر وبلا جهود، بعد التشوّهات التي أصابت دورها وانتقالها من مموّل للدورة الاقتصادية إلى مُرابٍ عند القطاع العام؟ هل هو مصرف لبنان الذي موّل من جيوب الناس تثبيت سعر الصرف وتمويل نفقات الدولة مدركاً حجم فسادها ومتغافلاً عنه لأغراض في نفس يعقوب؟ هل هي الدولة التي تحكمها طبقة من السارقين وعرّابي الزبائنية الذين بدّدوا أموال الناس على تمويل القطاع العام المهترئ والمتضخّم وعلى مافيا الكهرباء والمحروقات ومافيات الشراكة مع حفنة من رجال أعمال استحوذوا وحيدين على الجزء الأكبر من النشاط الاقتصادي في البلاد؟
ومن سيدفع الأكلاف السياسية للمعالجة؟
لم يصل الانهيار اللبناني إلى ما وصل إليه صدفة. في لبنان أزمة سياسية كبرى أنتجت أزمة اقتصادية أدّت الى أزمة مالية ونقدية.
وهذه الأزمة اسمها حزب الله بمشروعه وحجمه، وكلّ الحلول المطروحة ستعيدنا في ختامها إلى المربع الأول. خطة الحكومة تنطلق من رؤية علمية صحيحة. معالجة أيّ اقتصاد في حالة سقوط حر (Free Fall)، تتمّ عبر وقف السقوط وتثبيته عند مستوى معيّن أقل من مستوى ما قبل الأزمة، ثم إعادة تحفيزه لبدء النمو، خلال سنوات عدّة.
ماذا نكون فعلنا لو صنعت الحكومة كلّ شيء وبقي حزب الله كما هو الآن؟ وحين أقول حزب الله، فأنا لا أعني التنظيم فقط، بل حزب الله النظام الذي تدور غالبية الطبقة السياسية في فلكه. من أين سيأتي النمو؟ وكيف؟ ووفق أي آليات ومن خلال أيّ علاقات؟ ومع من؟
كلّ محاولات الالتفاف على أنّ حزب الله هو المشكلة، في المبتدأ والخبر، هو تأجيل للنقاش الضروري، ووصف للفيل ينتجه عُميان.