المخرج يوسف ي. الخوري/سيناريو يوم الثلاثاء الكبير… ثقة أو لا ثقة؟

99

سيناريو يوم الثلاثاء الكبير… ثقة أو لا ثقة؟
المخرج يوسف ي. الخوري/10 شباط/2020

أتذكرون حسني البراظان؟ أنا أذكره؛ هو تلك الشخصيّة الطريفة في مسلسل “صح النوم”، صاحبُ نظريّة “خونفوشارية” تقول: “إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا، علينا أن نعرف ماذا في البرازيل.”

كنت صغيرًا وكنّا رفاقي وأنا نردّد ضاحكين نظريّة البراظان لمجرد أن نقع على أمرٍ نجهله. نظريّة كانت محطّ كلامنا وما كنّا نفهمها، وأنا شخصيًّا ما كنت أتوقّع أنّه سيأتي اليوم الذي نُصبح فيه أسرى عشرات “البراظانيّين” الذين يناقشونك في كل شيء وهم لا يفقهون في شيء.

من أهل سلطة ينتظرون في إيطاليا ويتغاضون عمّا يجري في البرازيل، إلى محور ممانعة يتوعّد من إيطاليا بتحرير القدس وسلاحه مخبّأ في البرازيل، إلى مافيا مصارف وحاكم مركزي مُحصّنين في إيطاليا ويُهرّبون أموال البنوك إلى البرازيل، إلى حكومة تحكم في إيطاليا والثقة بها مطروحة في البرازيل، إلى محلّلين سياسيّين، وخبراء اقتصاديين، ومنظّري أحزاب, ومنجّمين كونيين، يُصمّون أذنيك بتحاليلهم وتنبؤاتهم، وكلامهم قبل الثورة لا يُشبه شيئًا من كلامهم بعدها، وأخطر من كلامهم أنّهم لا يخجلون, ويتوهّمون بأنّهم يفكّرون, وبأنفسهم يعتدّون، وشاشاتنا المحلّية يحتلّون، ومن شوارع روما يتربّصون ما يدور في خبايا “الريو دي جنيرو”، بينما هم في الحقيقة عمّا سيحصل بعد ساعة في شارع المقدسي ببيروت غافلون.

والآن عزيزي القارئ، إلى الجدّ دُر وعلى نظريّة حسني البراظان تابع معي وسِر.

إذا أردنا أن نعرف ما الذي سيحصل غدًا الثلاثاء، علينا أن نعرف ما إذا كان ترامب سيفوز بالرئاسة الأميركية لولاية ثانية. لا لا! دعونا من هذه النظريّة ولنختر واحدة أخرى!

إذا أردنا أن نعرف ما الذي سيحصل غدًا الثلاثاء، علينا أن نعرف متى ستتحرّر القدس… لكن هذه تحتاج إلى معطيات من الصعب الوصول إليها في الوقت الراهن، في ظل انحجاب سالم زهران، وعلي حجازي، وفيصل عبد الساتر وغسان جواد عن الظهور منذ أكثر من أسبوع على شاشات التلفزة للتنظير علينا بما يودّ حزب الله وسوريا إسماعنا إيّاه. لذلك، وبما يختص بيوم غدٍ الثلاثاء، ما علينا إلّا طرح نظريّة البراظان بالصيغة الأكثر واقعية والأقرب إلى العقل البشري:

إذا أردنا أن نعرف ما الذي سيحصل غدًا الثلاثاء، علينا أن نقارب مصير حكومة حسّان دياب في المرحلة المقبلة.

المعطيات المتوفّرة:
– بيان حكومي لا يرقى إلى حجم الأزمة التي نحن فيها.
– إصرار مَن كانوا يُعرفون بقوى 8 آذار على تأمين نصاب جلسة الثقة.
– قوى 14 آذار ما تزال تتخبّط بدماء الشهيد رفيق الحريري، وجزء منها مع الثورة بخجل.
– غياب تام للسيّد حسن نصرالله عن الإطلالات منذ إعلان صفقة القرن.
– موقف متقدّم مؤيّد للثورة أطلقه أسقف الموارنة في بيروت بعيد شفيع الطائفة، لكن مع تمييز بين ثوار حقيقيّين وثوار ربما زعران، مسايرةً للسلطة.
– مجلس أعلى للدفاع يستنفر كل القوى الأمنيّة والأجهزة الاستخباراتية لتأمين انعقاد جلسة الثقة.
– ثوار عازمون – ولا شيء مؤكّد – على الإطاحة بالجلسة.
– حركات المجتمع المدني والأحزاب المتعاطفة مع الثورة، “يتناتشون” إرث الثورة حتى قبل أن يُصبح لها إرث تورثه.
– شباب الثورة، ممن أسمّيهم جيل الفينيق، أي هؤلاء الذين أطلقوا الشرارة، مُتوارون منذ مدّة ولا أحد بإمكانه قراءة خطوتهم التالية إلا هم أنفسهم.

احتمالات أربعة ليوم غد الكبير:
1- أن تنال الحكومة الثقة في ظل مواجهات بين القوى الأمنيّة والثوار أثناء انعقاد جلسة الثقة، ما يعني أنّنا سندخل في دوامة من العنف لا تُحمد عقباها، بين سلطة تُريد قمع الثورة وثوار يُصرّون هذه المرّة على إسقاط الحكومة من الشارع.

2- أن تنال الحكومة الثقة في ظلّ تحركات شعبيّة سلميّة أو غياب هكذا تحرّكات، ما يعني أنّه مباشرة بعد نَيْل الثقة ستحتاج الحكومة لاستحداث سجون جديدة تتّسع لأعداد الثوّار الذين سيدخلونها، وغير ذلك سيبقى الثوّار في الشارع يعرقلون عمل الحكومة التي ستنفجر حينها من الداخل لا محالة. فملائكة ترويكا ما بعد الطائف تحوم في داخلها حكومة دياب، وطيف الرئيس إميل لحّود هو الآخر فيها، ولا داعي للتذكير كم كان هؤلاء غير متوافقين لمّا أُرغموا على التعايش مع بعضهم في ظل الوصاية السوريّة، مع العلم ان خلافاتهم كانت حينها مضبوطة من معلّمهم السوري، أمّا اليوم فلن يكون مَن يضبطها؟

3- ألّا تنال الحكومة الثقة في ظل مواجهات بين القوى الأمنيّة والثوار، وقطع طرقات، ومنع النوّاب من الوصول إلى البرلمان، ما يعني أن القوى الأمنيّة ستُصبح محاصرة بين مواجهة مفتوحة مع الثوار وانتقادات السياسيّين لأدائها، وستكون الأوضاع من بعدها مفتوحة على كل الاحتمالات.

4- ألّا تنال الحكومة الثقة في ظل تحرّكات شعبيّة سلميّة تمنع وصول النوّاب إلى البرلمان مع “أبّة باط” من القوى الأمنيّة، فبهذه الحال تكون قد تلاقت مصلحة المستأثرين بالسلطة مع مصلحة الثوار بالإطاحة بحكومة دياب، إذ يكون المستأثرون متواطئين مع القوى الأمنيّة للحؤول دون مباشرة هذه الحكومة مهامها لأسباب أقلّها – على سبيل المثال لا الحصر – فضح سوء أدائهم السابق وفتح ملفّات فسادهم، أو يكون هؤلاء المستأثرون مدركين سلفًا أن الثقة بالحكومة لن تغيّر شيئًا على مستوى الخراب القائم، فيستفيدون من عرقلتها لتحميل الثوّار جزءًا من الخراب الأعظم الآتي… عصفوران بحجر واحد.

خلاصة:
أكتفي بهذا القدر من التحليل كي لا أُصبح مثل هؤلاء المنظّرين الذين يبحثون عمّا في البرازيل لمعرفة ماذا في إيطاليا، فخراب البصرة آتٍ آتٍ أيًّا يكن الاحتمال، ويوم الثلاثاء الكبير لناظره قريب، وعلى قول أمي، رحمها الله، وبالكسرواني القح: “خبر اللي اليوم بِفلوس بكرا بِبْلاش”!

قبل ساعات من الثلاثاء الكبير، في اليوم السادس عشر بعد المئة لانبعاث الفينيق.