المخرج يوسف ي. الخوري: بين ثورة الفلاحين وثورة تشرين/في اليوم الرابع والعشرين لانبعاث الفينيق

108

بين ثورة الفلاحين وثورة تشرين.
المخرج يوسف ي. الخوري/10 تشرين الثاني/2019

تُشبه ثورةُ 17 تشرين1 بظروفها ثورةَ الفلاحين التي قامت لدواعٍ معيشية بوجه مقاطعجيين أمعنوا في احتقار وإذلال فلاحي مقاطعة كسروان عام 1858. إن الأكثر تماثلًا بين الثورتين هم اللاعبون، وإذا ما تمعنّا بتطوّر ممارسة كل لاعب في ثورة الفلاحين، لربما تمكنّنا من استشراف ما قد تصل إليه ثورة 17 تشرين1.

لاعبو الخارج:
في ثورة الفلاحين: فرنسا، بريطانيا والسلطنة العثمانية.
في ثورة 17 تشرين1: الولايات المتّحدة الأميركيّة، إيران وروسيا.

في الثورة الأولى؛ كان هناك صراع على النفوذ بين الفرنسيين والبريطانيين في جبل لبنان، وكان من مصلحة العثمانيين أن تتعاظم الخلافات في أي منطقة من جبل لبنان كي تسنح لهم الفرصة من دخول هذه المنطقة التي كانت تتميّز عن باقي الولايات العثمانية بحكمها الذاتي وبخلوّها من أي وجود عسكري غير لبناني.

في الثورة الثانية؛ يعاني لبنان من الصراع الأميركي الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي يتعرض لتجاذب النفوذ بين طرفي الصراع هذين. الروسيون الذين باتوا اللاعب الأبرز في سوريا القريبة يترقّبون وقد لا يُفوّتون فرصة التدخّل لو تيسرت أمورها.

لاعبو الداخل:
في ثورة الفلاحين: الفلاحون الثوّار، تجّار الزوق، آل الخازن المشايخ “المقاطعجيون”، السلطة.

في ثورة 17 تشرين1: الثوّار الشباب، البنوك والهيئات الاقتصاديّة، الأحزاب والعائلات الحاكمة، السلطة.

الثوار الشباب اليوم هم بمنزلة فلاحي العام 1858، المؤسسات الماليّة والهيئات الاقتصادية وجمعيّة المصارف هم الإسقاط لتجار الزوق عام 1858، الأحزاب والعائلات الحاكمة هم امتداد للـ “مقاطعجيين” المشايخ، أما السلطة المتمثلة اليوم بعهد التسوية فيُقابلها أبّان ثورة الفلّاحين يوسف بيك كرم وكيل قائمقام النصارى.

ماذا حصل في ثورة 1858؟
أطلق شرارة الثورة حينذاك تجّار الزوق بالتنسيق مع الفلاحين الجبليين وشباب جونية، وكان في نيّة التجّار التخلّص من نفوذ مشايخ آل الخازن والحلول مكانهم. قبيل اندلاعها وفي مرحلتها الأولى بقيت ثورة الفلاحين من دون قائد حتى تمّ التوافق على تسليم زمام القيادة لطانيوس شاهين الذي أنهى سلطة “المقاطعجيين” المشايخ وطردهم من كسروان. هنا صار من المفترض أن يتسلق التجّار إلى إدارة شؤون مقاطعة كسروان، وهو الأمر الذي ما كان طانيوس شاهين ليسمح به. تفاقم الوضع ودبّ الخلاف المخفي بين الفلاحين والتجّار.

لجأ التجّار إلى المكائد للتخلّص من شاهين، حتى أنّهم أعادوا التواصل مع المشايخ المُبعدين وتآمروا معهم ضده. في آخر المطاف التقت مصلحة المشايخ والتجار مع مصلحة وكيل قائمقام النصارى يوسف بيك كرم للتخلّص من طانيوس شاهين، ومن ثمّ نجح الثلاثة بإنهاء دوره في كسروان. مع تراجع دور القائد شاهين انطفأت شعلة الثورة!

إنّ ما سهّل قيام الثورة في العام 1858 هو الانقسام الذي كان حاصلًا بين مشايخ آل الخازن حول الولاء لقائمقام النصارى بشير أحمد باللمع، مع العلم أن الخازنيين المنقسمين كانوا عارفين باجتماعات الفلاحين السريّة، لكن لم يرِد إلى ذهنهم أن هذه الاجتماعات تحضّر لثورة ضدهم، بل اعتقد كل طرف منهما أن الفلاحين يناصرونه ويعقدون اللقاءات السريّة كي يكونوا جاهزين لتلبية ندائه عند ساعة الصفر.

في تشرين1 2019 سهّل قيام الثورة، الانقسامُ العميق الحاصل بين السياسيين التقليديين بزعامة حزب الله من جهة، والبنوك والهيئات الاقتصاديّة بزعامة مصرف لبنان من جهة ثانية، وهنا أيضًا لم ينتبه هذان الطرفان لوجود الجيل الفتي الذي انفجر ثائرًا في وجهيهما، إذ بدأت نشأته بالتزامن مع تولّي رياض سلامه حاكمية مصرف لبنان وحسن نصرالله أمانة حزب الله، ومن ثمّ كبر وأصبح ذا شان من دون أن يلاحظه أحدهما نظرًا لانشغالهما بإغراق الوطن بالفساد والسرقة والديون والحروب الدنكشوطية.

أخيرًا، من المحتمل أن يضطر أهل السلطة وأهل المال من الاتفاق فيما بينهما للالتفاف على الثائرين ومحاولة إجهاض حركتهم على غرار ما انتهت إليه ثورة الفلاحين، لكن هل يُعيد التاريخ نفسه وينجحون ويُقهر الشعب؟ هناك فرصة ألا ينجحوا وتتمثّل بأن ثورة الفلاحين سقطت بسقوط قائدها، بينما ثورة تشرين قد لا تسقط لأن لا قائد لها… حتى الآن.

في اليوم الرابع والعشرين لانبعاث الفينيق.