اميل خوري/ برّي يعمل على انتخاب رئيس للجمهورية يكون مقبولاً من الداخل والخارج معاً

190

 برّي يعمل على انتخاب رئيس للجمهورية يكون مقبولاً من الداخل والخارج معاً

اميل خوري/النهار

15 تشرين الثاني 2014

هل يعيش لبنان مرحلة ما قبل الطائف أم مرحلة ما بعده، إذ كان الخارج يصنع رؤساء جمهورية لبنان في مقابل أثمان سياسية. لقد انعقد مؤتمر الطائف لوضع دستور جديد للبنان توصلاً الى وفق الاقتتال فيه، وما كان هذا ليتم إلا بالموافقة على إخضاع لبنان لوصاية سورية تحددت بسنتين وإذا بها تصبح ثلاثين سنة… وكانت الانتخابات النيابية وانتخاب رؤساء الجمهورية وتشكيل الحكومات تتم بشبه تعيين. ويواجه لبنان اليوم اقتتالاً سياسياً عطل اجراء الانتخابات النيابية في موعدها لخلاف على قانون عادل ومتوازن تجري على أساسه، وعطل انتخاب رئيس للجمهورية لعدم اتفاق القوى السياسية الاساسية في البلاد على انتخاب رئيس مقبول منها جميعاً. فاذا كان لبنان لم يخرج من أزمته في الماضي إلا بعد التوصل الى اتفاق الطائف، وقبضت سوريا الثمن وصاية عليه، فمن ذا الذي يخرجه من ازمته الراهنة وما هو الثمن؟ لقد أعلن الرئيس نبيه بري في شأن الاستحقاق الرئاسي أن هناك أموراً عديدة لا أود أن أفصح عنها في الوقت الراهن، إنما استطيع القول إن هناك اتصالات داخلية ومؤشرات خارجية تبعث على التفاؤل”، في حين أعرب الرئيس تمام سلام عن اعتقاده أن أي صفقة لتسوية الملف النووي الايراني ستمهد الطريق أمام حل الازمة السياسية التي تركت لبنان من دون رئيس منذ أيار الماضي”، مؤكدا انه “اذا كان هناك بعض الانفراجات الاقليمية والدولية فلا بد من ان تنعكس ايجاباً على لبنان”.

إن كلام الرئيس بري عن اشارات ايجابية في موضوع الانتخابات الرئاسية من دون أن يفصح عن طبيعتها، وهل هي متصلة كما يرى الرئيس سلام بانفراجات اقليمية ودولية بدءًا من اتفاق الولايات المتحدة وايران بشأن البرنامج النووي الايراني ومن ثم حل نهائي للازمة في سوريا، إذا كان الأمر كذلك فإن حل الازمة في لبنان سيطول أمده، واذا كان حل مسألة الرئاسة مرتبطاً بحل مشكلات كل المنطقة، فلا شيء ظاهر حتى الآن. أما إذا كانت الاشارات الايجابية تصدر عن وعي القيادات اللبنانية لخطورة استمرار الشغور الرئاسي وهي احتمال دخول البلاد في فراغ شامل، فهل يمكن حصول هذا الوعي ما لم يكن الخارج قد ترك فعلاً لا قولاً لهذه القيادات أن تصنع باتفاقها رئيساً للجمهورية ومن دون أي تدخل منه؟

الواقع ان لا شيء يدل حتى الآن على ان الخارج، وتحديداً ايران، قد رفع يده عن موضوع الانتخابات الرئاسية في لبنان وترك الامر للبنانيين وحدهم بدليل أن وسيلة اعلام قريبة من “حزب الله” اكدت انه “لا يمكن الحزب أن يسلك منحى المقايضة في مقاربة ملف رئاسة الجمهورية، وأن موقف الحزب باعلانه ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية هو التزام صادق بدعم هذا الترشيح الذي أصبح بالنسبة اليه عنوانا للنجاح أو الاخفاق في معركة الرئاسة.

وقد أكد الحزب هذا الموقف لدى زيارة وفد منه العماد عون في الرابية وقوله ان لا مرشح له سواه وهو ما يعطل معنى الحوار الذي دعا اليه ويدل علي أن لا حل لأزمة انتخابات الرئاسة الاولى إلا بأحد أمرين:

الاول، أن يقرر العماد عون لسبب من الاسباب الانسحاب من معركة الترشح للرئاسة الاولى في مقابل أن تكون له كلمة في المرشح الذي يتم التوافق عليه. أو أن يظل مصراً على ترشحه حتى لو تدخل أي خارج مؤثر عليه وتحديداً ايران فينتخب عندئذ رئيس للجمهورية سواء كان مقبولاً منه أم غير مقبول. والامر الثاني هو احتمال توصل الولايات المتحدة الاميركية وايران والسعودية، وهي الدول المعنية أكثر من غيرها والاكثر تأثيراً بوضع لبنان، الى اتفاق على شخص رئيس الجمهورية المقبول ليس من هذه الدول فحسب بل من كل القوى السياسية الاساسية في لبنان أو من غالبيتها. والسؤال الذي يبقى مطروحاً هو: هل تتوصل هذه الدول الى اتفاق في لبنان بمعزل عن نتائج المفاوضات حول الملف النووي الايراني وبمعزل عن تطورات الاوضاع في العراق وسوريا واليمن، ويكون التفاهم على شخص الرئيس كافياً ولا حاجة إلى ربط الاتفاق عليه بكل هذه الملفات؟ واذا كانت ايران تطلب ثمناً لأي اتفاق، فهل يكون تعديل اتفاق الطائف وإن من دون اعلان لئلا يقال ان انتخاب الرئيس كان مشروطاً، فيكون في لبنان عصر ايراني كما كان فيه عصر سوري؟

إن الرئيس بري الذي تحدث عن اشارات ايجابية يعرف انها لا تصدر عن “بطارية” تنتهي مدتها إنما عن “تيار كهربائي” لا ينقطع بحيث يعمل في ضوئه، كخبير عتيق، على اختيار رئيس الرئيس المقبول من الداخل ومن الخارج فيكون انتخابه صناعة مشتركة…