طارق حسّون/تيار عون، تيار التكامل الوجودي ونظام السجون والقبور

226

تيار عون، تيار التكامل الوجودي ونظام السجون والقبور

طارق حسّون/موقع القوات/13.11.14

كان ذلك في اواخر آذار من العام 1989، الساعة تُقارب منتصف الليل، والقصف المجنون يُطاول كل شيء، ادرت الراديو الى إذاعة “صوت لبنان”،  فكان الإعلامي سعيد غريّب يتصّل بالعماد ميشال عون عبر الهاتف، ويسأله عن مآل “حرب التحرير”، وهو يُجيبه:

 “لقد تخلخل المسمار وتكسّر كل شيء، ولم يبقَ لنا سوى رأس حافظ الأسد كي نُكسّره…النظام السوري هو نظام السجون والقبور… حرب التحرير انطلقت ولن تتوقف قبل تكسير رأس حافظ الأسد”.

 منذ ذلك الحين، والعونية تُنشد اغنية “مين غيرك هزّ المسمار يا قائد عون الجبّار” بالرغم من ان “الثورة السورية” لا الجنرال، هي التي “هزّت مسمار نظام الأسد” بالفعل، وبالرغم من ان الجنرال بات منهمكاً بتثبيت هذا “المسمار” في مكانه، مرّة بحجّة “تحالف الأقليات”، ومرّات بحجة ان “الجيش السوري لم يعد موجوداً في لبناناليوم”!

 لو تنبهّت الدعاية العونية لهذه الهفوة لكانت اوضحت لنا بأن الجنرال تقصّد “تكسير رأس حافظ الأسد في لبنان حصراً، وليس في مدينة “براد” او القصير مثلاً، وبأن نظام السجون والقبور يُصبح نظام الحرية والحياة، بمجرّد ان تعبر آخر عربات الجيش السوري حدود المصنع”…

 فعلاً، إن شرّ العونية ما يُضحك.

 انتهت “حرب التحرير” الى ما انتهت اليه، ولكن عوض ان تُفضي الى “تكسير رأس حافظ الأسد”، بات الجنرال هو الذي يتحسّس رأسه.هنا حاول الأخير التنكّر لكل “همروجة” التحرير من اساسها، مُسبغاً على حرب التحرير العظيمة، وصف “التنفيسة”.

 “المسمار” الذي قال الجنرال إنه يريد اقتلاعه بالكامل، تحوّل قبل صياح الديك، الى “مصالح حيوية للنظام السوري في لبنان” تعهّد الجنرال بضمانها. حصل ذلك صباح احد ايام تشرين الثاني 1989، ودماء شهداء “ملحمة سوق الغرب في 13 آب” لم تجفّ بعد!

 في العام 1990 شن الجنرال “حرب الإلغاء” ضد “القوات اللبنانية”، وفي 6 شباط من العام ذاته كان الجنرال يرفض مساعي اللجنة الثلاثية للتوصل الى وقف إطلاقٍ للنار ينقذ ما تبقّى من مناطق مسيحية حرّة، بحجّة ان “الجيش” لا يُوقّع على وثائق مُشتركة مع “ميليشيا”!

 بالفعل، مثاليةٌ قلّ نظيرها، لم تتنبّه الى ان الزمن كان زمن حربٍ وفوضى، وميليشيات بالعشرات، ولا الى ان لواءين كاملين من “جيش العماد عون” حينها، هما السادس والحادي عشر، كانا يقاتلان جنباً الى جنب “حركة امل” و”الحزب التقدمي الإشتراكي”.

 هذه المثالية لم يخرقها سوى توقيعٍ يتيم ذيّل به الجنرال وثيقة تفاهمه مع ميليشيا “حزب الله”، وإنما في زمن السلم لا الحرب!

 الجنرال الذي دمّر المجتمع المسيحي بحجّة تعاون “القوات اللبنانية” مع السوريين، كان في الفترة نفسها يُرسل الموفد تلو الآخر لمقابلة غازي كنعان في عنجر وللتنسيق مع عملاء النظام السوري في لبنان بغية تضييق الخناق العسكري على “القوات اللبنانية”. لمزيدٍ من التفاصيل الوافية يمكن العودة الى كتاب “الرهان الممنوع” للسيد حبيب الخوري حرب، “موفد دولة الرئيس ميشال عون الى سيادة العميد غازي كنعان”، بحسب ما يُعرّف الكاتب عن نفسه بكل أمانة!

 قد ينسى المرء الكثير من الوقائع والأحداث، ولكن ليلة 12 تشرين الأول 1990 لا يمكن ان تُمحى من الذاكرة ابداً. كانت اصوات الجماهير المحتشدة امام “بيت الشعب” تصدح “بالروح بالدم نفديك يا عماد”، قبل ان يفتديه الضباط والجنود المساكين في سوق الغرب وضهر الوحش، بعدها بأقل من 12 ساعة.

 الجماهير العونية كانت تصرخ “بالروح بالدم”، امّا الملالاّت العونية فكانت، في الفترة ذاتها و”طوال الأيام العشرة التي سبقت عملية 13 تشرين الأول 1990 تسير بين قصر بعبدا والسفارة الفرنسية، لتحديد الوقت الذي يستغرقه الإنتقال من بعبدا الى مار تقلا حيث مقر السفارة”. هذا ما ذكره الرئيس السابق الياس الهراوي في الصفحة 196 من مذكراته.

 في تلك الليلة الظلماء، اطّل الجنرال على الجماهير وقال :”انا القبطان اموت ولا اغادر السفينة، سأُدفن هنا”، ولكن في صبيحة اليوم التالي، “غادر القبطان، لا بالسفينة وإنما بالملالة، وغرق ركّاب السفينة جميعاً، ودُفنت المناطق المحّررة تحت الركام”.

 في العام 2005 عاد الجنرال الى لبنان، رافعاً في العلن “البرنامج البرتقالي”، ومتأبطاً في السّر بنود تفاهمه مع اميل لحود وكريم بقرادوني.

 وبالمناسبة، لا عجب ان يتخذّ الجنرال موقف اللامبالي تجاه قضية العسكريين المخطوفين لدى الجماعات المتطرفة اليوم، وهو الذي لم يأبه اصلاً لمصير عسكرييه المخفيين لدى حليفه الأسدي في الأمس القريب.

 قال الجنرال من على مُدرج المطار: “إذا تكلمّت طائفياً انبذوني”، ومن بعدها لم يتخذّ التيار “العلماني” حليفاً له على كامل الأراضي اللبنانية، إلاّ “التيار العلمائي”، ولم يختر في الظاهر قانوناً إنتخابياً إلاّ “القانون الأرثوذكسي”، ولم يقبل ان ينضوي إلاّ ضمن خرافة “تحالف الأقليات”!!!

 اختفى “البرنامج البرتقالي” وحلّت مكانه “ورقة التفاهم الصفراء”. وبعدما كان سلاح “حزب الله” نقمةً في البرنامج الأول، صار نعمةً في ورقة التفاهم الثاني.

في الدوحة رفع الجنرال شعار “رديّنا الحق لأصحابو”، ولكن عندما خسر في الإنتخابات النيابية، صار القانون الإنتخابي ذاته لا يرّد الحق لأصحابو، وإنما “يسلب الحق منهم”.

رفع الجنرال “الإبراء المستحيل”، ولكن عندما دغدغت الرئاسة احلامه من جديد، صار المستحيل ممكناً، و”زحف جبران باسيل الى عتبة السفارة السعودية”، مثلما عنونت إحدى الصحف المحلية يومها، وهرول التيار العوني لملاقاة سعد الحريري بالأحضان، حتى قبل ان يقطع “ticket” العودة.

 يدّعي التيار العوني اليوم أنه “ضد التمديد” ويُصّر على إجراء الإنتخابات في مواعيدها، حتى ولو كانت وفق قانون الـ 60، علماً انه اقام الدنيا ولم يُقعدها، وطبل آذاننا بشعار “الأرثوذكسي او لا احد”!!

 هذه باختصار قصة التيار العوني مع “نظام السجون والقبور”، الذي صار بنظره “نظام الحرية والزهور” بمجرّد ان بات يؤمن للجنرال مصالحه الشخصية، وهي القصة ذاتها تتكرر مع تيار “المستقبل” ومع “القوات اللبنانية”، وسواهما.

 البارحة “تدمير المناطق المسيحية بحجة قتال الميليشيات المسيحية”، واليوم “تحالف وجودي مع الميليشيا الشيعية”…

البارحة “برنامج برتقالي”، واليوم “براءة ذمة للنظام السوري”…

البارحة “نحن متفقون على 95% مع تيار المستقبل”،  واليوم “إبراء مستحيل”…

البارحة “باسيل ينقل تحيات العماد عون الى الملك السعودي”، واليوم “الوهابية هي الخطر الأول”…

وهكذا دواليك…

وبعد، هذا هو التيار العوني، من رأسه حتى آخر مستكتبٍ عوني صغير…

صدق من قال: ” إذا كـــان ربُ البيتِ بالدفِ ضارباً فشيمـةٌ أهلِ البيتِ الرقصُ”.