إيلـي فــواز/كيري الذي يضحك كثيرا

314

 كيري الذي يضحك كثيرا

 إيلـي فــواز/لبنان الآن/12.11.14

فيما يجتمع وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري ونظيره الايراني جواد ظريف في مسقط لمتابعة النقاش حول اتفاق على ملف نووي يبدو أنه أصبح منجزًا، يقر البرلمان الايراني قانون “الامر بالمعروف والنهي عن المنكر”، والذي يخول قوات الباسيج تحذير السكان في الاماكن العامة في ما يتعلق بالتزامهم بالزي الاسلامي المفروض على الايرانيين. لن يتوقف جون كيري عند هذا التفصيل، ولن يطلب من نظيره في الخارجية الايرانية ايضاحات حول ملابسات توقيف وسجن شابة إيرانية- بريطانية خطيئتها أنها أرادت حضور مباراة كرة طائرة… للذكور.  فالاميركيون يريدون تطبيعاً في المنطقة، بين ايران نووية ذات طموحات اقليمية وقدرات اقتصادية ستستثمر في اكثر من نزاع، وبين عرب مكسورين مهزومين ومتهمين بالارهاب الى أن يثبتوا العكس.

لا يأبه الاميركيون بتاريخ من العداء الفارسي العربي والذي لم تحلَّ عقدته ثورة الخميني الاسلامية، ولا يأبه الاميركيون بالعداء السني الشيعي الذي لم يحله تبني الفرس قضية فلسطين. لا يأبه الاميركيون بالجغرافيا ولا بالديمغرافيا. جل ما يريدونه هو تلزيم المنطقة لمن يظنون انه يستطيع فرض الاستقرار فيها. ونحن اللبنانيين أكثر معرفة بطرق التلزيم الاميركية. المشكلة الوحيدة هي ان الشرق الاوسط ليس لبنان، وسليماني ليس بحافظ الاسد.

صحيح ان المشهد العام العربي مقلق وغريب بعض الشيء. فتحت مسمى محاربة التطرف، وضع العالم أجمع، السنّة عموماً، بمواجهة بعضهم البعض. فهناك فريق يمثل الاعتدال العربي تتزعمه المملكة العربية السعودية، ودول الخليج ومصر، يجد نفسه في خندق واحد مع ايران وأتباعها، لمحاربة التطرف.

وفريق آخر يمثل التطرف ويضم داعش وجبهة النصرة والاخوان المسلمين والقاعدة والدول الداعمة لتلك المجموعات، يحارب ايران ونفوذها وأدواتها في المنطقة الممتدة على مساحة الهلال الشيعي بشكل اساسي.

هذا التحول المفاجئ في المعطيات والاصطفافات بدأ بشكل بطيء مع الانسحاب الاميركي من منطقة الشرق الاوسط من دون تأمين استقراره، ولا حتى تأمين نجاح اجندة نشر الديمقراطيات في رحابه والتي كانت عنواناً أساسياً لسياسات الرئيس جورج بوش بعد أحداث 11 ايلول. واكتمل مع سقوط الديكتاتوريات العربية في براثن الفوضى إبان الثورات.

وتحولت ايران من عدو للاميركيين وحلفائها في المنطقة الى شريك في حل معضلات هي نفسها تسببت في صنع معظمها. وفجأة وجد العرب انفسهم محاصرين، بعد ان كانت ايران هي المحاصرة.

فمصر غارقة في حربها في سيناء. ودول الخليج غارقة في حربها على التطرف، وهم أصلا لا يشكلون خطراً عسكرياً على ايران، ولا ينوون الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة معها. ليبيا في مكان آخر، وسوريا غارقة هي الاخرى في حرب أهلية، أما ايران فيريحها ان تستمر هذه الحال كي تبقي أعداءها منغمسين فيها. اما العراق ولبنان واليمن فهم تحت سيطرة قاسم سليماني.

ايران تريد التخلص من الجماعات المتطرفة، اعدائها الفاعلين، بمساعدة الولايات المتحدة والغرب. اما العرب المحرجون يريدون التخلص من التطرف كي يردوا عنهم تلك التهمة التي سوّق لها بنجاح الممانعون وحلفاؤهم وقابلها رضى اميركي.

فما ان يتخلص العالم من التطرف والارهاب، إن هم استطاعوا الى ذلك سبيلا، ستنتقل ايران النووية، والتي ستكون قد تحررت من كابوس العقوبات الاقتصادية، الى التسوية مع جيرانها العرب بشروطها هي.

هكذا يخيل لأوباما، وهذا ما تتمناه وتعمل من أجله ايران. ولكن هذا ما سيرفضه العرب. وسيجد الرئيس الاميركي المقبل انه من الصعوبة بل من الاستحالة ان يلزَّم الشرق الاوسط الى اي قوة إن لم يرضَ عنها ابناء المنطقة. وسندخل في دوامة عنف أخطر من تلك التي نشهدها.

والعجب ان هذا الاستنتاج نفسه يستعمله جون كيري في محادثاته مع الاسرائيليين لحثهم على اقامة السلام العادل مع الفلسطينيين.