عبدو شامي/الأربعاء الأسود

648

الأربعاء الأسود
عبدو شامي

 05 تشرين الثاني/14

كثيرة هي الأيام السود في تاريخ لبنان، واليوم ينضم إليها الأربعاء 5/11/2014 تاريخ تمديد النواب لأنفسهم سنتين وسبعة أشهر أي حتى 20/6/2017، وذلك بمجموع 95 صوتًا ومعارضة كُتَل الجنرال عون والكتائب والطاشناق. التمديد الثاني كالتمديد الأول له سيناريو وحبكة وتوزيع أدوار سبق أن فصّلناها بالنسبة للأول في حينه واليوم نذكر حيثيات الثاني في قراءة نراها صائبة وهي بالتأكيد تحتمل الخطأ.

ما من شك أن “حزب الإرهاب المنظم” لا يريد الانتخابات النيابية ويريد التمديد ليس خوفًا من شعبيته إنما إمعانًا منه في ضرب النظام الديمقراطي اللبناني؛ صحيح أن الحزب لم يصرّح عن رغبته في التمديد حتى اللحظة الأخيرة، غير أن مضي رئيس المجلس “نبيه بري” بقوة في مشروع التمديد وعدوله عن رأيه المعارِض له سابقًا دليل ساطع على أنها رغبة الحزب ولا يجادل في ذلك إلا واهم يظن أن لـ”بري” القدرة على معارضة الحزب، هو لا يجرؤ على مخالفته في تعيين وزير (محمد جواد خليفة) فكيف بالأمور المصيرية؟! مناورة “بري” في “رفض التمديد لمجلس غير منتج” آتت أُكُلها في انتزاع “تشريع الضرورة” من 14آذار، أما مناورته في أن “لا ميثاقية لتمديد يغيب عنه الثقل المسيحي” فقد نجحت في سَوق “القوات اللبنانية” الى التصويت لصالح التمديد. أما بالنسبة للجنرال “ميشال عون” فتوزيع الأدوار كما هي العادة في مسرحيات الحزب الإرهابي يقضي بأن يَظهر دائمًا بصورة المدافع عن الدستور والديمقراطية للمزايدة على خصومه المسيحيين الاستقلاليين والتذاكي على الشارع المسيحي في أدوار لا تنطلي إلا على البسطاء… هكذا جرى في التمديد الأول وكرّر التاريخ نفسه في التمديد الثاني.

حيال هذا السيناريو “الإرهابي” المكشوف بالنسبة لكل من يتابع الوضع اللبناني، كان على ما يُسمّى “تحالف” (والأولى تسميته “تخالف”) 14آذار أن يتصرّف كفريق واحد فيعلن تأييده للانتخابات، بذلك يكون أحرج “الجنرال” فكشَف دوره كما كشَف مؤامرة الحزب وحال دون التمديد أو على الأول حاول الحؤول دون حصوله؛ لكن كالعادة حصل خلاف بين الجناحَين المسلم والمسيحي وكان رأس حربة الخلاف الخاصرة الرخوة لـ”التخالف” -تيار المستقبل- الذي أعلن قبل نحو شهرين من موعد نفاد مهلة الاستحقاق الانتخابي أنه ضد الانتخابات، يومها كان “بري” على موقفه المسرحي بمعارضة التمديد، بيد أنه وجد في موقف “الحريري” ضالته فأعلن أن لا ميثاقية لانتخابات يغيب عنها المكوِّن السني الذي يمثله نظريًا الحريري. تقاطعت مصالح الحزب والإرهابي والمستقبل كلٌّ لاعتباراته الخاصة في فرض التمديد فتم إحراج “القوات” بمعادلة “الفراغ أو التمديد” وكذبة “الميثاقية” التي يُخرجها برّي “غب الطلب”، فصوتت “القوات” ومستقلو 14آذار لصالح التمديد بعد أن كانوا من معارضيه، أما “الكتائب” فبقيت على موقفها “الرئيس أولاً” فقاطعت الجلسة.

بالمنطق، من الطبيعي أن يكون “تيار المستقبل” مع التمديد لأنه ببساطة شريك الحزب الإرهابي في الحكومة، وبالتالي هو مِن فريق الموالاة شاء أم أبى لأن الادعاء بوجود موالاة ومعارضة في حكومة واحدة هرطقة الهرطقات. وقرار “المستقبل” هذا ينسجم مع سياسة الحكومة التي تعاملت مع الانتخابات من يوم تسلُّمها وكأنها غير حاصلة ولم تبذل أي جهد جدي لإجرائها. وبالمنطق أيضًا، موقف “الكتائب” (المشارِكة في الحكومة) في رفض التمديد يفتقر الى الصدقية لأنها لم تُتبعه باستقالة نوابها رغم إقرارها بأن الحكومة أخطأت في إدارة الملف الانتخابي.

في المقابل، فريق واحد كان سُقبَل منه قرار رفض التمديد دون أن يجرؤ أحد على انتقاده ألا وهو “القوات اللبنانية” فهي من جهة أولى خارج الحكومة أي في المعارضة، ومن جهة ثانية الأكثر ثباتًا على المواقف المبدئية الصادقة؛ كان الأجدى بالقوات أن تعارض التمديد وتقدّم استقالة نوابها وأن تذهب لانتخابات فرعية يكون فيها نوابها المنتخبون الوحيدون أصحاب الصفة التمثيلة الشرعية في المجلس؛ لكن هذه المرة فضّلت التمديد لدواع عديدة تراها مقنعة بعد تمكُّن “الحكيم” وبحرفيّة عالية من ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد من خلال مبادرة الساعة الأخيرة التي طرحها والقاضية بانتخاب الرئيس أولاً ثم النواب طالما أن النصاب مؤمَّن وأن “نصرالله” أعلن أن مرشحه هو الجنرال، فحُشِرَ “عون” في الزاوية وأثبت برفضه المبادرة أن معارضته التمديد دعائية وأنه المعطّل الثاني بعد الحزب وأنه يدرك تمامًا أن الحزب يريد سواه رئيسًا وإلا  لكان أمّن له الأصوات المطلوبة وهو قادر على تأمينها.

في النتيجة، خطئية جديدة تضاف الى خطايا 14آذار، ونجاح جديد للحزب في ضرب النظام اللبناني، والكل شريك في ذبح الديمقراطية وإن بنِسَب متفاوتة. أما “الواقعية السياسية” التي يبرّر بها البعض مواقفه فقد تؤدي بنا في النهاية الى المضي مع الحزب الإرهابي الى حيث يريد أخذّنا، هو يحقّق مرادَه ونحن نشاركه فيه لاحِسين المِبرَد مُتلذّذين بدمنا ومُقنِعين أنفسَنا بأننا تصرَّفنا بما تقتضيه الواقعية السياسية.