علي نون/في مبادرة الحريري وحزب الله

251

في مبادرة الحريري.. وحزب الله
علي نون/المستقبل

02 تشرين الثاني/14

إذا لم يستطع «حزب الله» حتى الآن أن «يرى» مبادرات الرئيس سعد الحريري و14 آذار التوافقية فإنّ مشكلته كبيرة، لأنّه يدلّل بنفسه على عارض يُسمَّى في الطب ضُعف البصر وفي السياسة ضعف البصيرة!

لا يرى ذلك الحزب تلك اليد الممدودة لأنّه لا يريد أن يراها، وليس لأنّها ليست ممدودة أو غير واضحة. ولا يرى الدعوة إلى توافق يُنهي الفراغ الرئاسي وكل مشتقّاته السلبية لانّه لا يريد أن يُنهي ذلك الفراغ وليس لأنّ الدعوة مبهمة أو فيها طلاسم عصيّة على الشرح والتفسير. بل هو في واقع الحال، وبالتجربة والمراس لا يريد منذ عشرة أعوام حتى اليوم، أي مقاربة تسووية شاملة تكرّس الواقع كما هو باعتباره له ولسواه، بل عمل ويعمل على أخذ أمور الانقسام والافتراق، والآن الفتنة، بالتقسيط وكل قطعة لوحدها، وكل حالة بحالها، لأنّه صاحب «مشروع» كبير لا يرى ولا يستطيع أن يرى لبنان بصورة مختلفة عمّا كان عليه قبل العام 2005، خصوصاً بعد غياب الوصيّ السوري وحضور الدور الإيراني بفاعلية «تنويرية» نُحسد عليها!

وأنا أصدّق أنّ «حزب الله» لا يريد فتنة مذهبية في لبنان. لكنني أصدّق أكثر أنّه يفعل كل شيء للوصول إليها لانّه مُصاب بانفصام سياسي فكري عزّ مثيله. ولأنّه جزء من تلك المنظومة الأدائية الإيرانية التي «تحكي» شيئاً و»تفعل» عكسه: تحكي عن مصالح «الأمّة الإسلامية« ولا تفعل إلاّ ما يُناسب مصالحها المذهبية. تحكي عن التعاون الاقليمي مع دول الجوار العربي ولا تفعل إلاّ ما يُناسب مصالحها القومية. وتتحدّث عن وحدة العراق وتفعل كل شيء لتحطيمه وتشتيته بين أقوامه ومذاهبه. تتحدّث عن «مؤامرة» تتعرّض لها سوريا وتفعل كل شيء لتدميرها وتهشيل شعبها لأنّ مصالحها استراتيجية مع سلطة الأسد ولا همّ عندها غير حفظ تلك المصالح.. تتحدّث عن دعم الاستقرار في لبنان وتفعل كل ما ينسف ذلك الاستقرار بالفراغ الرئاسي كما بالذهاب إلى الحريق السوري. تحكي عن مواجهة تكفيريين وإرهابيين فيما «ملفّها» الإرهابي يمتد على خريطة تصل الأرجنتين بتايلاند، وخطابها التوجيهي يشتمل على الذمّ وبالعمق في عقائد الآخرين المختلفين مذهبياً.

.. ومثلها «حزب الله» عندنا: يريد الاستقرار لكن تحت سقف التسليم بإرادته ومواقفه. ويريد نبذ الفتنة لكنّه يريد في الوقت نفسه الاستمرار في تورّطه السوري والتمسّك بخطابه التخويني والافترائي والتزويري المفضوح تجاه الآخرين. ويريد محاربة «الإرهابيين والتكفيريين» لكنّه لا يريد الحكي والتفاهم مع أصحاب مشروع الدولة وأهل الاعتدال وروّاده. ويريد إنهاء الفراغ الرئاسي لكن على أساس الأخذ بمرشّحه «الذي تعرفون عنوانه». ويريد دعم الجيش لكنّه لا يتنازل له عن حصريّة حقّه بالسلاح ويرفض أي صيغة لتوليفة معقولة سعى إليها كبير الحكماء الرئيس المثال العماد ميشال سليمان وسمّاها «الاستراتيجية الدفاعية». لائحة المتناقضات طويلة وصعبة الحصر! لكن اختصارها يفيد بأنّ ذلك الحزب يستطيع أن يتعامى وحده عن مبادرات الرئيس الحريري التسووية لكنّه لا يستطيع أن يعمّم عماه على غيره.. ولا أن يدّعي الحرص على مصلحة لبنان وأهله ولا على المسيحيين والموقع الدستوري الأوّل.