الـيـاس الزغـبـي/الآن بعد طرابلس إلى أساس الإرهاب دُرْ

543

والآن إلى الأساس دُرْ 

 الـيـاس الزغـبـي/لبنان الآن

للمرّة الخامسة، أو أكثر، ينتصر الجيش اللبناني على “ظواهر” الإرهاب، خلال عقد ونصف، منذ أحداث الضنيّة إلى أسواق طرابلس، مروراً بنهر البارد وعبرا وعرسال.

وعلى هذا المنوال، ستبقى أمامه مرّات أُخرى لا يُمكن تقدير عددها، إذا ظلّت المواجهات، التي تقرّرها القيادة السياسيّة قبل العسكريّة، تقتصر على “الظواهر” بدون “البواطن”.

لا شكّ أنّ للإرهاب جذوره وأسبابه ودوافعه الخاصّة، فهو قائم في ذاته كفكر وممارسة، ولا ينتظر أحياناً كثيرة مبرّرات أو حوافز كي يكشف عن نفسه. هكذا كان منذ فجره عبر التاريخ، وخصوصاً في تاريخه الحديث والمعاصر.

لكنّ الظروف والحيثيّات التي تُخرجه إلى العلن والانتقال من العنف الذهني إلى العنف العملي التطبيقي، معروفة في كلّ مرحلة، وتختلف من بيئة إلى أُخرى. فهي في الفليبين غيرها في أفغانستان أو مالي أو نيجيريا أو الصومال، والآن في ليبيا وسيناء واليمن والعراق وسوريّا ولبنان. وإذا أخذنا النماذج الأقرب إلينا لتبيّنت لنا أسباب نشوء الإرهاب واستشراسه: ففي العراق ظلمٌ بالسويّة وعنف في الرعيّة تحت ديكتاتوريّتين متوارثتين، صدّام حسين ونوري المالكي. وفي سوريّا قمع موصوف متمادٍ منذ أربعة عقود، توّجته كيميائيّات بشّار الأسد وبراميله. وفي لبنان صيف السلاح وشتاؤه على سطح واحد.

لا يختلف اثنان على أنّ ظاهرة “داعش” و”النصرة” وأَضرابهما لم تلاقِ كلّ هذا الرواج والتفشّي لو كان في العراق وسوريّا ولبنان حكم رشيد يستوعب ويلبّي مطالب الحقّ والعدالة. وقديماً قيل: الظلم مرتعه وخيم.

وحين كان الارهاب يتحرّك ذاتيّاً، أي بدون مسوّغات ومبرّرات الظلم والقمع، كانت معالجته أسهل وأسرع، وكان عزله أقلّ كلفة، والاستقرار بعده أكثر استدامة، تماماً كما في ظاهرة إرهاب الستّينات والسبعينات، وحتّى في إرهاب برجي نيويورك وميتروات مدريد ولندن، وسواها.

فهل نحن الآن، في لبنان، على خطى أميركا وأوروبا في الانتصار على الإرهاب، أَم على خطى سوريّا والعراق واليمن و…

الأكيد أنّنا ربحنا جولة في الشمال بعد جولات أُخرى في الجنوب والبقاع، لكنّه ربح مهزوز ومحكوم بالخسارة، إذا اكتفينا بمعالجة النتائج وأغفلنا الأسباب.

والأسباب معروفة، وتكاد تنحصر في واحد يختزل كلّ الأزمة: سلاح “حزب الله”.

لقد تمكّن عقلاء السنّة من ضبط المشاعر والضغط على الجرح، وأمّنوا غطاء شجاعاً للجيش اللبناني في طرابلس والمنية والضنيّة وعكار بعد عرسال وصيدا وبيروت والإقليم والبقاعين الأوسط والغربي.

ولكنّ هذا الغطاء معرّض للتمزّق تحت هبوب ريح الفتنة، إذا استمرّ سلاح “حزب الله”، بصفته المذهبيّة الفجّة، يسرح ويمرح بلا حسيب أو رقيب، خصوصاً بعد سقوط ورقة التوت المسمّاة “مقاومة” عن عورته.

فبالمنطق والصدق والمصارحة المفتوحة، يجب القول لأهل السياسة والعسكر معاً: إذا شئتم الانتصار الدائم على الارهاب، فإيّاكم والتعامي عن الحقيقة. لا يحتمل لبنان الكيل بمكيالين، ولا يمكن حكمه بقرارين وسلاحين، وبعين مفتوحة وثانية مغمضة.

لا يمكن ضبط سلاح يحمله مسيحي أو سنّي أو درزي أو شيعي لا ينتمي إلى “حزب الله”، وغضّ الطرف عن سلاح يحمله عنصر “الحزب”، سواء بحجّة مراقبة السيّارات المفخّخة في شوارع بيروت وحماية مجالس عاشوراء، أو بحجّة الانتقال إلى سوريّا واستباحة الحدود ذهاباً وإياباً.

في لحظة ما، وفي حال استمرار هذا الخلل الفاقع، لن يستطيع أيّ مسؤول أو قائد معتدل أن يضبط شارعه ويفرض عليه التعقّل والصبر وتلقينه شعار “دعم الدولة والجيش والشرعيّة”.

ليس هناك شرعيّة نصفيّة أو مجزوءة، ولا دولة عرجاء، ولا سلطة عوراء.

وليس من جيش ينتصر هنا وينكفئ هناك، يمنع المشاركة في سلاحه هنا ويُبيحها هناك. فلا شراكة في السيادة والأمن والإمرة والسلطة.

الجيش عالج النتائج بنجاح مشهود. عظيم. نشدّ على يديه، وننحني أمام تضحياته وشهدائه الأبرار.

والآن.. إلى الأسباب والأساس دُرْ.