محمد سلام/ العسكريون الأسرى ليسوا كرة قدم

309

 العسكريون الأسرى ليسوا كرة قدم

محمد سلام/السبت 1 تشرين الثاني 2014

زعمت صحيفة الأخبار أن التنظيمات التي تأسر الجنود اللبنانيين “إبتزت” الدولة اللبنانية بمبلغ 280 ألف دولار “أشرف على إيصاله إلى الجرود يوم الأربعاء الماضي الوزير وائل أبو فاعور.” فما هو هذا المبلغ، إذا كان صحيحاً ما أورته الأخبار، وهل هو “فدية” أم “تعويض” أم “إبتزاز”؟

 قبل الدخول في تحليل خلفية المبلغ، والسؤال عن صحة المعلومة، لا بد من أن نورد مزاعم الأخبار:

 “…إعتمد الخاطفون سياسة ابتزاز الدولة اللبنانية التي رضخت لهم. فقبل إرسال شاحنات المواد الغذائية إلى عرسال اول من امس، تسلّم الخاطفون مبلغ 280 ألف دولار، أشرف على إيصاله إلى الجرود يوم الأربعاء الماضي وزير الصحة وائل بو فاعور، بعدما هدد الخاطفون بذبح عدد من الجنود. وسبقت هذا الأمر محاولة فاشلة لإيصال المبلغ ذاته، بحسب ما ذكرت مصادر سياسية رفيعة المستوى لـ»الاخبار». فيوم السبت الماضي، كان احد مرافقي الوزير أشرف ريفي، ويُدعى ديب اللهيب، متوجهاً إلى عرسال، ناقلاً في سيارة يقودها مبلغ 280 ألف دولار اميركي، فأوقفه حاجز للجيش اللبناني. وبعد التحقيق معه، تبيّن انه مكلف نقل هذه الامول لتسليمها إلى وسيط في عرسال، بهدف نقلها إلى الخاطفين. وقد أحال الجيش الموقوف مع الاموال والسيارة على النيابة العامة العسكرية، وفيما رفضت مصادر عسكرية الإفصاح عن هوية الموقوف، فإنها نفت ان يكون الجيش قد أفرج عنه استجابة لضغوط سياسية، مؤكدة انه أحيل على مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية .

 “وأكّدت المصادر السياسية لـ «الاخبار» أن اللهيب عنصر امن في جهاز رسمي، وانه يعمل في فريق حماية ريفي وعائلته. وقالت المصادر إن المبلغ المالي الذي كان في حوزته مأخوذ من «النفقات السرية للاجهزة اللبنانية، لكن من خارج الموازنة». ولفتت إلى أنه بعدما صادر الجيش المبلغ الذي كان في طريقه إلى عرسال، اضطر فريق بو فاعور ــ ريفي إلى جمع مبلغ 280 ألف دولار بطريقة غير رسمية، وضمان وصوله إلى الخاطفين الذين كانوا يهددون بذبح عدد من المخطوفين. ولفتت المصادر إلى ان الخاطفين «باتوا يلعبون في المساحة الفارغة بين فرق التفاوض اللبنانية، التي لا يبدو انها تجيد التنسيق في ما بينها»

  “وعلى ذمة المصادر نفسها، فإن ما جرى من جمع للمال وتوقيف ثم إيصال المال إلى الخاطفين، جرى من دون رضى المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، الذي «خرج عن السمع» لنحو يومين قبل أسبوع، وتوقف عن التواصل مع رئيس الحكومة وعدد من الوزراء احتجاجاً على طريقة معالجة ملف العسكريين المخطوفين .  “

(1)  إذا صدق ما نشرته الأخبار فإن ذلك يعني أن البلد يعيش حالة “صراع أجهزة” أو “صراع مفاوضين” أو “إنشقاق الدولة” أقله حيال موضوع العسكريين الأسرى، ما يهدد بتحويل الأسرى إلى مجرد كرة تتقاذفها بعض أرجل المفاوضين، ما قد يرتب إرتدادات لا تحمد عقباها.

(2)    ملفت، بل غريب جداً، مبلغ ال 280 ألف دولار هذا، الذي هو جوهر مضمون مزاعم الأخبار، بغض النظر عن صدقيته. لكن ما هي مبرات طلب 280 ألف دولار؟ أهي فدية؟ فدية عن من؟ علماً بأن أي مخطوف عادي يطلب لفك خطفه فدية أكبر بكثير من 280 ألف دولار. وعلماً بأن فدية بسطار عسكري واحد (رينجر لعشاق الأحذية بأسماء أجنبية) تساوي وطنياً أكثر بكثير من 280 ألف دولار، وعلماً بأن رشوة تأجيل قتل أي أسير تساوي أكثر من 280 ألف دولار … بكثير، بكثير، بكثير…..

(3)    غريب مبلغ ال 280 ألف دولار، شكلاً غريب، لأنه عادة –في مسائل الفدية والرشوة وما شابهها- يتم تحديد “أرقام مدورة” يعني 250 ألف، 500 ألف، مليون، خمسة ملايين، … ألخ. فما هو مضمون ال 280 ألف؟ من أين جاء الرقم؟؟؟

(4)    الأرقام “غير المدورة” تكون عادة نتيجة إحتساب، نتيجة جردة، نتيجة تراكم مجموعة من الأرقام، كأن يصل مجموعها، على سبيل المثال فقط، إلى 270 ألف و586 أو 596، دولاراً أو أكثر أو أقل.

(5)  فما هي “جردة” هذه الأرقام المتعددة التي أنتج “مجموعها الكامل” مبلغ 280 ألف دولار المزعوم؟ وإذا كان الجيش قد أوقفها مع مندوب ريفي الأول، كما زعمت الأخبار، فلماذا لم يوقفها مع مندوب ريفي-أبو فاعور الثاني كما زعمت الأخبار أيضاً؟؟؟

(6)    أهو مثلاً وفرضاً إحصاء للخسائر التي تكبدها النازحون السوريون المدنيون في عرسال وغيرها؟ أهو ثمن … دراجة نارية دمرت، و… سيارة شخصية دمرت، و … بغل نفق، و…هواتف خلوية “صودرت”، و … ثياب ومتاع وأغذية هدرت؟

(7)    وإذا كان خبر الأخبار كله تلفيق، وإذا كان “مندوب ريفي” ديب اللهيب في منزله، ويجيب على الإتصالات الهاتفيه به، وإذا “ظهر” الديب في مؤتمر صحافي أمام عدسات الكاميرات، يصح التساؤل: لماذا نشرت الأخبار … “خبرها”؟؟؟

السؤال الأكبر من كل التساؤلات هو: هل هناك من يسعى إلى تحويل العسكريين الأسرى إلى كرة تتقاذفها أرجل من يسعى إلى ضرب البلد بالأسرى، والأسرى بالبلد؟

(صفحة كلام سلام)