عبدو شامي/طرابلس.. كرب وبلاء وتخوّف من نهر بارد ثانية

530

طرابلس.. كرب وبلاء وتخوّف من نهر بارد ثانية 

عبدو شامي/ 27 تشرين الأول/14

منذ اندلاع ثورة الحرية والكرامة في سوريا ومدن الثقل السني اللبنانية في دائرة الاستهداف عقابًا لها على تأييدها المظلوم ولعنِها الظالم؛ طبعًا كل مدن الثقل السني باستثناء بيروت العاصمة المحتلة والساقطة في يد “حزب الإرهاب المنظم” منذ 7أيار2008. هذا هو الواقع بصراحة إذا أردنا تسمية الأشياء بأسمائها.

أُخضِعت “صيدا” عاصمة الجنوب بالكامل في معركة “عبرا” 2013، وأُخضعت “عرسال” الشوكة البقاعية في الحلق الأسدي-الإيراني بشكل شبه كامل مع معركة “عبرا2″2014؛ أما عاصمة الشمال “طرابلس” وحاضنة الثورة السورية في لبنان التي سخّرت كافة امكاناتها لخدمة النازحين فظلت عصية على الظالم وواجهت أشرس عمليات الإخضاع برأس مرفوع، 20 جولة من الاقتتال بين “جبل محسن” و “التبانة”2008-2014، تفجير مسجدي “التقوى” و”السلام”2013، خطة أمنية عوراء كالت بمكيالَين وفاقمت الاحتقان على مدى الأشهر العشرة الماضية… كل ذلك والمدينة صامدة… أيقن إرهابيو الأسد وإيران أن النيل من طرابلس لن يتم إلا عبر تفجيرها من الداخل أي بأيدي المغرّر بهم من أبنائها أنفسهم وتحديدًا عبر الإيقاع بينهم وبين الجيش اللبناني وهذا ما نشهده منذ مساء الجمعة 24/10/2104.

ما من شك أن مَن يريد إخضاع وإذلال هذه المدن السنية هو الحزب الإرهابي التكفيري الذي يحتل لبنان منذ عام 2005 عقب تسلّمه راية الاحتلال من المجرم الأسدي في 26/4/2005؛ لكن رغم قناعتنا التامة بهذه الحقيقة يحق للمرء أن يُذهَل لشدة مكر وخبث الإرهابيين الذين عرفوا كيف يُقحمون الجيش في كافة معاركهم ووضعوه في الواجهة وافتعلوا له القلاقل وضحوا به لنصل الى ما وصلنا إليه اليوم من فتنة بين الجيش وبعض أبناء الطائفة السنية، وهي فتنة توافرت لإشعالها كل الأسباب اللازمة وهي الآتية:

أولاً: استفزاز الحزب الإرهابي مشاعر المكوِّن السني اللبناني من خلال تدخله الدموي في سوريا وتحريضه اليومي على طرابلس الذي تضاعفت وتيرته بشكل ملفت هذا الشهر وكأن شيئًا ما يدبّر للمدينة، أما رأس الحربة التحريضية فكان الشيخ “نبيل قاووق” الذي صرّح في 12/10/2014: “لبنان الآن في وسط المعركة قبِل فريق 14آذار أم لم يقبل، داعش باتت على الحدود في عرسال وباتت داخل الحدود في طرابلس وعكار، والمعركة في أوجها”.

ثانيًا: دخول “تيار المستقبل” الى جانب “الحزب الإرهابي” في حكومة ائتلافية وبالتالي تغطية احتلاله لبنان ونشاطه الإرهابي في سوريا، ثم تولّي التيار وزارة الداخلية حيث لعب دور الصحوات بتطبيق خطة أمنية عوراء لا تحاسَب فيها إلا طائفته. بذلك جنى “المستقبل” على مجتمعه وعلى لبنان مُحدِثًا هوّة بينه وبين بيئته السنية تعمّقت أكثر مع إحجامه عن التعاطي بجدية مع معانتها وما تشعر به من اضطهاد واستهداف ممنهج يمارسه الحزب في حقها. هنا بدأ الشباب المتحمّس في البحث عن بديل من الاعتدال الحريري المزعوم الذي تحوّل بحد ذاته سببًا للتطرف.

ثالثًا: وقوع الجيش في فخ الحزب الإرهابي الذي نجح بإظهاره أمام الرأي العام اللبناني والسني تحديدًا كأداة فئوية منحازة الى الحزب، سواء عبر شلّه وتخديره في غزوة بيروت 2008، أو عبر إقحامه في معركتَي “عبرا” و”عرسال” ومشاركة الحزب الى جانبه في القتال، وما بين تلك التواريخ من حوادث صبّت في خانة الفئوية نفسها ما جعلنا بحاجة ماسة الى “مصالحة الجيش مع السنة” على حد تعبير النائب السابق “مصباح الأحدب”.

رابعًا: انسياق بعض الشباب السني الطرابلسي وراء عواطفه التي عطّلت العقول وشرّعت الأبواب أمام اختراقها بشتى أنواع الأفكار الدخيلة على المدينة، فمِن تهوّر مجموعة المراهق “شادي المولوي” وأصدقائه الى خطبة المُتَمَشيخ -المجهول من غالبية علماء طرابلس أنفسهم!- المدعو “خالد حبلص” الذي يملك أيضًا مجموعة مسلحة على حسابه والذي أعلنها في خطبة الجمعة “ثورة سنية في الداخل اللبناني”، مرورًا بالطوابير الخامسة والسادسة والسابعة المأجورة التي تدخلت لمفاقمة الوضع ومضاعفة الخسائر المادية والبشرية… لتكون النتيجة في النهاية هدية جديدة يقدمها هؤلاء للحزب الإرهابي على طبق من فضة وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعًا!

طرابلس اليوم ساحة حرب حقيقية، ساحة كرب وبلاء في أيام عاشوراء، البعض شبّهها بـ”كوباني” الكردية و”بعبرا” الصيداوية ومنهم من تخوّف من مأساة “نهر بارد” ثانية خصوصًا مع النزوح الكثيف لأهالي “التبانة” وفتح المدارس لإيوائهم؛ عصابات مسلحة تطلق النار على الجيش في الأسواق والمناطق المأهولة والجيش يرد برًا وجوًا بالأسلحة الثقيلة وضحايا من المدنيين يسقطون “فرق عملة”، معارك بلا أفق زماني ولا مكاني… طرابلس لكِ الله وعلى مَن تآمر عليك لعنته.