الـيـاس الزغـبـي/الجيش ظهير أو العكس؟

297

الجيش “ظهير” أو العكس؟
الـيـاس الزغـبـي/لبنان الآن/25 تشرين الأول/14

في حوار تلفزيوني قبل فترة، وصف مسؤول في “حزب الله” الجيش اللبناني بأنّه “ظهير للمقاومة”، بمعنى رديف أو مساند لها، وارتبك حين استوقفه محدّثه لتوضيح هذا التوصيف الخطير. وقبل أيّام، أبدى مسؤول آخر (بقاعي) استعداد “الحزب” لأن يتقدّم الجيش ويحارب أمامه، إذا اقتضى الأمر. ودائماً كان “حزب الله” مستفيداً من عدم تسليح الجيش، كي يبقى هو في الموقع الأقوى تسليحاً وتجهيزاً بحجّة تشكيل “توازن رعب” مع إسرائيل.  وطالما روّج، ولا يزال، لمقولة ضعف الجيش وعدم قدرته على التصدّي للإعتداءات الإسرائيليّة والإرهابيّة، وامتنع عن دعم الجيش بالسلاح من ترساناته الضخمة، سواء في الجنوب أو في المواجهات الداخليّة، بل رسم أمامه خطوطاً حمراء كما فعل في سجد والنبي شيت.. وفي حرب نهر البارد 2007. وتأتي الغيرة المفاجئة لتزويد الجيش أسلحة إيرانيّة بمثابة البحث عن حصّة فيه وتأثير عليه، بعدما باشرت واشنطن والغرب بتكثيف تسليحه عبر هبات عينيّة أو الهبات الماليّة السعوديّة. والسؤال هو: ماذا يكون موقف طهران في حال استخدم الجيش هذا السلاح ضدّ مربّع تهريب أو خطف أو ضدّ أيّ تجاوز للأمن والسيادة يحميه أو يغطّيه “حزب الله”؟ ألا تكون الهبة الإيرانيّة مشروطة إذذاك؟ تصريحات مسؤولَيّ “الحزب” تفضح النيّات من طهران إلى الضاحية، فالمطلوب أن يبقى الجيش في الصفّ الثاني من القوّة، “ظهيراً” للمخطّط أو المشروع الإيراني، على الأقلّ في الشقّ الغربي منه الذي يمتدّ من شمال سوريّا على البحر إلى جنوب لبنان، بأكثريّة علويّة شيعيّة، وأقليّات مسيحيّة وسنيّة ودرزية.. وليس خافياً أنّ ما لم يقله وزير الداخليّة نهاد المشنوق في خطابه المفصلي لمناسبة إحياء الذكرى الثانية لاستشهاد اللواء وسام الحسن هو هذه المشكلة بالذات: محاولة تحويل الجيش إلى “ظهير للمقاومة” أو إلى درع حماية خلفي في حرب الوجود عبر الحدود. المشنوق أشار فقط إلى فشل الوجه الثاني من الخطة الأمنيّة ومسؤوليّة “حزب الله” والمخابرات عن هذا الفشل، خصوصاً في مربّعات البقاع الشمالي. فالمسألة، في عمقها، ليست تعثّر الخطة الأمنيّة الداخليّة، بل في تقدّم المخطّط الخارجي لتغيير الديموغرافيا والتوازنات التاريخيّة داخل لبنان وعبر الحدود اللبنانيّة السوريّة، من ريف اللاذقية وحمص إلى ريف دمشق ومرتفعات القلمون والسلسلة الشرقيّة من شمالها إلى جنوبها.

الواضح، حتّى الآن، أنّ الجيش اللبناني يرفض أن يكون مجرّد “ظهير”، خصوصاً على مستوى قيادته ووحداته القتاليّة. وليس تفصيلاً تأكيد علاقته الراسخة والعميقة مع بعده التقليدي العربي والدولي، تسليحاً وتدريباً وتوحيداً للأهداف والوسائل.

والواضح أيضاً أنّ إيران تحاول اجتذابه وإدخاله في مشروعها كذراع ثانية في لبنان بعد ذراعها الأولى، “حزب الله”، على أن تبقى الأُولى أعلى وأقوى. محاولات شرسة لوضع الجيش في مواجهة السنّة بحجّة البيئة الحاضنة للإرهاب، يتصدّى لها الاعتدال السنّي بقيادة “المستقبل” وتشجيع السعوديّة. ولمواجهة هذه المحاولات المتكرّرة والخطيرة، لا تكفي التصريحات القويّة الصادرة عن سعد الحريري في دعم الجيش ومحاربة الإرهاب بلا هوادة، بل بفرض التوازن في ملاحقة الإرهابيّين وقمعهم، سواء منهم المعتدون على الجيش، أو المعتدون على المدنيّين خطفاً وترهيباً وابتزازاً واغتيالاً.  فالإرهاب ضدّ المدنيّين لا يقل عنفاً وإجراماً عن الإرهاب ضدّ العسكريّين، بل هو أقسى وأظلم إذا أخذنا بمبدأ أنّ مهمّة الجيش ممارسة العنف الشرعي لحماية السيادة والمواطنين، وهو معرّض، بطبيعة وظيفته، للعنف. ليس طبيعيّاً ولا مقبولاً أن يقتطع تنظيم مسلّح (والأسوأ أنّه غير لبناني) منطقة حدوديّة في قوسايا على السلسلة الشرقيّة، ويدخل في حرب مع تنظيم آخر غير لبناني أيضاً، على أرض لبنانيّة، وفي غياب أو تغييب تام للجيش، تماماً كما فعل ويفعل “حزب الله” من القصير إلى جرود بريتال، امتداداً إلى شبعا. وطالما أنّ هذا الوضع مستمرّ بشذوذه، سيعاني الجيش من ضغوط كثيرة، وسيضعف منطق المدافعين عنه، وموقف الاعتدال، وتزداد حالات التطرّف.

فاليوم قبل الغد، يجب تصحيح المسار الميداني، بحيث لا يتحوّل الجيش، من حيث لا يدري (بل من حيث يدري المتربّصون به)، إلى مجرّد “ظهير” لسواه. وأقرب الطرق وأسرعها لتدارك الخطر تكمن في “حركة تصحيحيّة” طارئة للخطّة الأمنيّة، وتفعيلها حيث تعثّرت.

ثمّ المسارعة إلى وضع الجيش في موقع الريادة والقيادة، وجعل الآخرين في موقع “الظهير” له، إذا شاء.. وليس العكس.