داود البصري/بصراحة.. لا يمكن إحتواء النفوذ الايراني في العراق

326

بصراحة.. لا يمكن إحتواء النفوذ الايراني في العراق 

 داود البصري/السياسة

23 تشرين الأول/14

بعد الانقلاب البريطاني الهادئ الذي أبعد رئيس الحكومة العراقية السابق نوري المالكي عن السلطة بعد أن تشبث بها حتى النفس الأخير متحديا الجميع بأنه “لن ينطيها و بأن لا أحد قادرا على أخذها منه” تنفس القوم الصعداء لمجيء البريطاني المهندس حيدر العبادي كخلف مقبول للسلف الطالح الفاشل, الذي أدخل العراق في متاهات الفوضى بطائفيته الرثة وأساليبه الغبية في إدارة السلطة! “نوري المالكي”, لكن تلك المفاجأة لم تكن سوى البداية في سلسلة مفاجآت جاءت ضمن سياق إعادة ترتيب الحلفاء الغربيين للبيت الداخلي العراقي, وهي خطوة متأخرة للغاية جاءت بعد أن استفحل الورم السرطاني الإيراني في الجسد العراقي بفعل عمليات البناء التراكمي, والتعبئة التي شنتها إيران للهيمنة على العراق ليس منذ الاحتلال الأميركي فقط العام 2003 بل منذ العام 1980 حينما أعلن الإيرانيون بصراحة ومباشرة عن هدفهم الرئيسي بتصدير ثورتهم الطائفية والعمل على إعلان و تأسيس الجمهورية الإسلامية الشيعية في العراق وفقا لمبدأ ولاية الفقيه المختلف عليها شيعيا أصلا, ورصدوا لذلك الهدف إمكانيات الدولة الإيرانية و دخلوا الحرب مع العراق العام 1980 تحقيقا لذلك الهدف ودعموا الأحزاب والجماعات الطائفية كالدعوة و منظمة العمل, وأسسوا المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق العام 1982 و بذلوا المستحيل عسكريا و سياسيا لتحقيق, ولو جزء بسيط, من أهدافهم دون جدوى بعد هزيمتهم المرة في الحرب واستسلامهم العام 1988, لكن حماقة وغباء وصلف وعنجهية النظام العراقي السابق في غزوه الاحمق للكويت العام 1990 قد ساهمت في خلط الأوراق, ودفعت بالنظام الإيراني لصدارة الموقف الإقليمي من جديد بعد غزو الكويت تحديدا وحيث, ويا لسخرية الأقدار, لجأ نظام صدام وقتذاك لمحاولة التحالف مع عدوه القديم واللدود النظام الإيراني وتناسى بحار الدم من أجل ابتلاع الكويت في خطأ ستراتيجي مرعب كانت له تداعياته الرهيبة على أمن و مستقبل و سيادة العراق الذي دخل لسنوات طويلة في ظل حصار دولي رهيب أكل من لحمه الحي, ومن إمكانياته الشيء الكثير, وهشم مؤسسته العسكرية القوية وحول الدولة العراقية لكيان منخور رأينا كيفية انهياره السريع في ربيع العام 2003 والذي رسم خط النهاية للنظام الحزبي الذي حكم العراق لخمسة وثلاثين عاما ثم انتهى مخلفا الفراغ الكبير اجتماعيا وسياسيا وعسكريا.

وهو فراغ عراقي مرعب لم يملأه الاحتلال الأميركي, بل عمل النظام الإيراني على الاستفادة الجمة والمباشرة منه من خلال تفعيل ماكنته التحالفية القديمة و مؤسساته الثورية والعسكرية التي بناها في السابق, مستثمرا ومستغلا المتغيرات في الساحة الشيعية العراقية وظهور التيارات الجديدة, كالصدريين مثلا, الذين انقسموا بعد التدخل الإيراني لفروع وأقسام كان أبرزهم تيار “عصائب أهل الحق” الذي كان جزءا من التيار الصدري, وجيش المهدي تحديدا وهو اليوم يشكل القوة الإيرانية الضاربة في العراق والنواة التي يأمل الإيرانيون أن تكون البداية الحقيقية لتشكيل مؤسسة الحرس الثوري العراقي من خلال المشاركات الميدانية في معارك الحرب العراقية اليومية بأشكالها الطائفية والعشائرية. وخلال سنوات ما بعد الاحتلال تمكن الإيرانيون من السيطرة المباشرة على توجيه القوى السياسية المتحكمة بالسلطة, ومارسوا ضغوطا كبيرة في ظل مراقبة أميركية للموقف بل ومشاركة في ادماج الجانب الإيراني في حلحلة بعض العراقيل التي واجهت إدارة الاحتلال الأميركي. في أوائل تسعينات القرن الماضي طرح ثعلب السياسة الإيرانية الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني تصوراته للدور الإقليمي الإيراني مؤكدا أنه “سيأتي اليوم الذي يتجول فيه الجندي الإيراني بحرية في الطريق الممتد بين كابول الأفغانية وبيروت, على البحر المتوسط مرورا بعاصمتي الخلافة بغداد ودمشق” وهو ما تحقق فعلا بعد عقد من السنين! يضاف لها صنعاء أيضا? ولم يكن ذلك الإنجاز فعلا إيرانيا خارقا للعادة, بل جاء نتيجة لعمل مركزي صبور ولجهود كبرى بذلها الإيرانيون وقطفوا ثمارها في فرض هيمنتهم الإقليمية التي باتت تتحكم اليوم في العراق و تفرض معطياتها على الوضع العراقي, بل و تشارك المصالح الغربية في صياغة الترتيبات و صناعة القرار, و زيارة العبادي لطهران تأتي كمحصلة حقيقية لقوة الدور الإيراني في تفاصيل المشهد السياسي العراقي الساخن و المتجه نحو نهايات غامضة. ليس من السهل بالمرة التخلص من الهيمنة الإيرانية إلا عبر قرارات صعبة تمس قمة وشكل نظام الحكم في طهران! وهي مسألة معقدة تدخل ضمن عملية إدارة الصراع الداخلي. هناك صراع الإرادات الإقليمية ونتائجه وهو وحده الذي سيغير من شكل المعادلة والدور الإيراني في العراق.