الـيـاس الزغـبـي/جنبلاط قدوة نصرالله وعون

361

جنبلاط قدوة نصرالله وعون
 الـيـاس الزغـبـي/لبنان الآن

19 تشرين الأول/14

لا يختلف اثنان أنّ وليد جنبلاط يتحرّك على بوصلات صغرى متعدّدة ومتناقضة أحياناً، لكنّه لا يضيّع البوصلة الكبرى عند المنعطفات الخطيرة.

منذ 8 سنوات، على الأقلّ، خاض غمار التقلّبات الموصوف بها، يميناً ويساراً، ما بين 14 و 8 آذار، والضاحية وبيت الوسط، ودمشق وباريس، والسعوديّة وإيران، وموسكو وواشنطن، و.. و.. لكنّه لم يغادر ثابتة سياسيّة موروثة، في العائلة والحزب والطائفة، هي الانتساب الدائم إلى بيئة الامتداد العربي (السُنّي) الواسع، خارج التصنيفات القديمة – الجديدة، وأبرزها المحاور الإقليميّة الفوق عربيّة، وخصوصاً ما يُعرف بمحور أو “حلف الأقليّات”، بقيادة إيرانيّة ورعاية إسرائيليّة.أحياناً، ذهب جنبلاط بعيداً في مديح “حزب الله”، وتحيّة إيران، ومهادنة نظام بشّار الأسد، ومغازلة ميشال عون، واستيعاب قوى درزيّة قديمة أو ناشئة، متبنياً “سياسة القَصَبة” أمام حركة الريح. والآن، يسترجع نهجه الموروث، بعدما تأكّد أنّ عاصفة “جبهة الممانعة والمقاومة” إلى انحسار، فيجاهر بقناعاته أو سياساته الثلاث :

–  ديكتاتوريّة نظام الأسد وغطرسة سلاح “حزب الله” محكومتان بالسقوط. –  الدروز حالة إسلاميّة ذات مصلحة تاريخيّة في الامتداد العربي، ولا بأس بإعادة ترميم جامع المختارة، والذهاب إلى حدّ القول بأنّ “النصرة” ليست إرهابيّة، و”داعش” حالة موجودة بين موازين القوى.

 –  ضرورة استمرار العلاقات التاريخيّة بين الطوائف الكيانيّة المؤسِّسة للبنان.

مختصر ما يعلنه جنبلاط، هو أنّ لبنان حالة قائمة في ذاتها، وجزء من الوضع العربي بأكثريّته السُنيّة، وليس فصيلاً في الهلال الإيراني الشيعي. موقف جنبلاط العقلاني المتمايز، لا يصلح كعِبرة لـ14 آذار بجناحيها المسيحي والسنّي ووجهها الشيعي، لأنّها تنتهج هذا الخيار السياسي العربي المنفتح والفسيح منذ نشوء “ثورة الأرز”، وتحديداً لجهة نبذ “حلف الأقليّات” ورفض دخول محور غير عربي. هو يصلح عِبرة وقدوة لفريقين لبنانيَّين على الأقلّ: فريق “حزب الله” والفريق العوني، وهما في العمق واحد.

هذان الفريقان يراهنان على انتصار المحور الذي ينتسبان إليه، ولعلّهما لم يقتنعا بعد بأنّ القوس الإيراني يتهاوى، بدءاً بالعراق، ثمّ سوريّا فلبنان، مروراً بغزّة، وحتّى اليمن أيضاً، وبأنّ لا إمكان لنشوء محور قوي يستطيع الوقوف في مواجهة الإئتلاف الدولي العربي ضدّ الإرهاب، ما يُضيء على فكرة تذويب المَحاور. فإذا كانا يريدان فعلاً قيام دولة مستقرّة في لبنان، فما عليهما سوى النسج على منوال جنبلاط في الاعتراف بالحقائق، ولبننة حسابهما السياسي والأمني، وعربنة انتمائهما الواقعي.

قد يكون الأمر بالغ الصعوبة على “حزب الله” وحسن نصرالله بفعل ارتباطهما المقفل مع إيران، ولكنّه، نظريّاً، أقلّ صعوبة بالنسبة إلى ميشال عون، خصوصاً أنّه في حاجة إلى إثبات مقولته بأنّه الفريق “الوحيد” غير المرتبط بالخارج. ولكنّ بعض الارتباط أقوى من نيّة المرتبط، وأشدّ من مصالحه الخاصّة. واختيار هذين الإسمين، نصرالله وعون، لترشيحهما إلى الإقتداء بجنبلاط، ناتج عن كون الأوّل يكاد يصادر الطائفة الشيعيّة بأسرها، والثاني يشكّل تمثيلاً ما للمسيحيّين( بغضّ النظر عن النسبة المتأرجحة، وعن مدى القدرة النقديّة لدى مؤيّديه للتمييز بين الصحّ والغلط). في مقال سابق، كانت هناك محاولة استشراف لعودة “حزب الله” وشيعيّيه إلى دولة “لبنان الكبير”، على غرار انضمام السنّة إليه على مضض قبل قرابة القرن، ومناداتهم الآن به “أوّلاً”.

المطلوب عودة التزام معظم الشيعة وشريحة من المسيحيّين حدود لبنان، بعدما خرقوها بالسياسة والسلاح، بالانزلاق والالتحاق. فالسُنّة ومعظم المسيحيّين والدروز وبعض الشيعة سبقوهم، وأكّدوا التزامهم الكامل.

 وفي حال اكتمال الإرادة الوطنيّة حول الفكرة الصحيحة للاستقلال والسيادة ووحدة القرار الشرعي للدولة،  تتلاشى كلّ الأخطار التي يمكن اختزالها بخطر واحد: “الدولة الإسلاميّة” بوجهيها، دولة الخلافة ودولة الفقيه، وهو في العمق مفهوم واحد للدولة الدينيّة.

ومن يقرأ جيّداً في السياسة، يرى أنّ المسافة ضاقت كثيراً بين الثلاثة، سعد الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع، لا بدافع اقتسام الحصص السياسيّة، أو بدافع الترتيبات الرئاسيّة، بل في الأساس العميق لمفهوم لبنان، كدولة تنتمي إلى ذاتها أوّلا، وعمقها العربي ثانياً، ومداها الحضاري الدولي ثالثاً. وطالما أنّ نصرالله وعون منزعجان من الدعم السعودي، والسلاح الأميركي، ومن تنسيق قائد الجيش مع جيوش العالم الحرّ، سيبقيان بعيدَيْن عن قدوة جنبلاط في السياسة الرشيدة.

إذا استمرّا على بعدهما، فقد يأتي يوم يجدان فيه نفسيهما خارج منطق التاريخ و…الجغرافيا.