فايز سارة/صعود العسكرة في سوريا

293

صعود العسكرة في سوريا
فايز سارة/الشرق الأوسط
18 تشرين الأول/14

عندما انطلقت ثورة السوريين في (مارس) آذار 2011، اختار نظام الأسد القوة المسلحة سبيلا لمواجهة الثورة السلمية وشعاراتها، ومع الصيحات الأولى للمتظاهرين والمحتجين، انطلق رصاص النظام ضدهم من قبل الأجهزة الأمنية، ثم توسعت العملية بإدخال الجيش قوة لقمع المتظاهرين، ولمحاولة إعادة سيطرة النظام على مناطق الاحتجاجات، بعد ثبوت أن قتل المتظاهرين واعتقالهم، لم يعد مجديا في مواجهة الثورة، وتسببت وحشية أجهزة الأمن وقوات النظام بحالات انشقاق لعسكريين وأمنيين رفضوا أن يكونوا أدوات للنظام في قتل شعبهم، وسرعان ما انضم لهم مدنيون، قرروا الدفاع عن أنفسهم وأهلهم في مواجهة إرهاب أجهزة النظام وقواته؛ حيث تشكلت مجموعات شبه عسكرية تحت مسمى «الجيش الحر»، وإلى جانبها أخذت تظهر الأنوية الأولى للتشكيلات المتطرفة وأبرزها «جبهة النصرة» التي أعلنت عن أولى عملياتها بداية العام 2012.

لقد شكل ثالوث قوات النظام و«الجيش الحر» وأنوية منظمات التطرف، بداية العسكرة الصاعدة في سوريا، التي تتجه حاليا للتمركز بصورة قد يكون من الصعب معالجتها في المدى القريب، وهي ستحتاج إلى جهود استثنائية لمواجهة تداعياتها على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة والمحتملة.

وتشير اللوحة السورية إلى تبلور العسكرة في 3 محاور أساسية؛ أولها محور نظام الأسد الذي يضم بصورة أساسية قوات الجيش إلى جانب أجهزة الأمن بأجنحتها الـ4 (الأمن العسكري، والأمن الجوي، وأمن الدولة، والأمن السياسي)، وإلى جانبها قوات الشرطة التابعة لوزارة الداخلية. وثمة تشكيلان آخران يرتبطان بهذا المحور؛ أولهما: قوات الدفاع الوطني، التي جرى تشكيلها في العام 2013 من متطوعين مناصرين للنظام، وثانيهما: اللجان الشعبية، وهي تسمية لميليشيات محلية، جرى إطلاقها في العام 2012. لتضم مؤيدي نظام الأسد، والتطور الجديد باتجاه العسكرة في محور النظام، يمثله استدعاء قوات الاحتياط، وتشديد إجراءات السوق إلى الخدمة الإلزامية بالنسبة للشباب، وفي الحالتين لم يكن الإجراءان معمولا بهما إلا بشكل محدود منذ انطلاق الثورة عام 2011، الأمر الذي يعني أن النظام بخطوته الأخيرة، لا يعوض فقط خسائره من أعداد جنوده الذين انشقوا أو قتلوا في الصراع الجاري، إنما يسير أيضا نحو تشييع العسكرة في المناطق التي يسيطر عليها من خلال زيادة أعداد المجندين والمتطوعين.

والمحور الثاني في اتجاهات العسكرة في سوريا، تمثله عمليات التجنيد الإجباري، التي تقوم بها جماعات التطرف، والإشارة في هذا السياق تنطبق على جماعات التطرف الديني وأبرزها تنظيم «داعش» الذي يلزم السوريين وخاصة الشباب والأطفال في المناطق المسيطر عليها من جانبه على الانضمام إلى صفوفه للقتال سواء ضد الميليشيات الكردية أو ضد قوات «الجيش الحر» الموجودة في تلك المناطق، كما تتوالى العسكرة من جانب حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يمثل تطرفا قوميا، وقد أشاع في المناطق التي تسيطر عليها قوات تابعة له باسم «قوات الحماية الشعبية»، عملية تجنيد الشبان الأكراد، ودفعهم للقتال ضد جماعات التطرف من «داعش»، و«النصرة»، وغيرهما.

أما المحور الثالث في العسكرة، فيتصل بالقوى المعتدلة والمصنفة تحت اسم «الجيش الحر» أو القريبة منه، كما هو حال «جبهة ثوار سوريا»، التي اتخذ فيها مسار العسكرة مسارا نوعيا أكثر مما هو مسار كمي بخلاف ما هو عليه الحال في المحورين الأولين، وفي هذا المجال، صارت العسكرة في مضمونها الأساسي، حفاظا على الذات واستمرار وجود تلك التشكيلات بأي طريقة كانت، بما فيها سياسات وممارسات خارج هموم الثورة واهتماماتها، وفي هذا الإطار يمكن تصنيف ظاهرة أمراء الحرب، التي تشكل ظاهرة خارج إطار الثورة.

إن التصاعد المتزايد والخطير للعسكرة في الواقع السوري في قواه المحلية، يجد له سندا إقليميا ودوليا عبر وجود وتدخلات خارجية عسكرية – أمنية، بدأت مع وجود الخبراء العسكريين والأمنيين الإيرانيين والروس، وصولا إلى الوجود المباشر لتشكيلات عسكرية من الطرفين، ترافق معها استدعاء النظام لميليشيات حزب الله اللبناني وميليشيات عراقية بينها «لواء أبو الفضل العباس» للمشاركة في حرب النظام على السوريين، ثم جاء تشكيل التحالف الدولي للحرب على الإرهاب ليعطي بعدا جديدا وخاصا في تفاصيل العسكرة في الواقع السوري.

وإذا كانت نتائج تصاعد العسكرة في سوريا في غالبيتها سلبية الطابع والتأثير على سوريا والسوريين، فإنها في أحد جوانبها، قد تكون المفتاح الذي يضع حدا للعنف في البلاد، إذا استطاعت بالفعل أن توقف إرهاب نظام الأسد وإرهاب جماعات التطرف، وأن تأخذ القضية إلى حل سياسي أو عسكري، يتناغم مع احتياجات السوريين ومصالحهم، لكن تحقيق ذلك سيكون مرتبطا بوجود سيطرة قوية وفعالة على السلاح الموجه ضد الإرهاب المزدوج للنظام والمتطرفين، وما لم يكن ذلك متوافرا، فلا شك أن صعود العسكرة سيأخذ سوريا والسوريين إلى أعماق الكارثة، وهذا هو الخوف الرئيسي من العسكرة الصاعدة اليوم.