علي نون/استنتاجات إيرانية

337

استنتاجات إيرانية..

علي نون/المستقبل

15 تشرين الأول/14

كان جموح إيران وسعيها نحو مراتب الدول العظمى سافراً ومن دون رتوش ولا براقع، ولا تذويقات وتلوينات، فإذ به الآن يصير أكثر سفوراً ويكاد أصحابه يستعيرون التقليد المألوف عند الهنود الحمر بالرقص حول النار طرباً وانتشاءً! سقطت منذ زمن البراقع التي غطّت المشروع «الثوري» بأغطية شفّافة أثيرة وفوّاحة في الوجدانين العربي والإسلامي العام. وكفّ كثيرون عن اعتناق وعي تبسيطي مركّب يفيد بأن إيران بعد الشاه، هي عضد للعرب في مواجهة إسرائيل، وراح هؤلاء في المقابل، يستأنسون بصحبة وعي مركّب مضادٍ متأتٍ في مجمله وتفصيله من الأداء والبيان والتوجيه والسياسة المتبعة والمرئية والملموسة.. وعي يفيد في خلاصته بأن إيران تبحث عن تصالح مع تاريخها القومي وليس مع إرثها الإسلامي المتراكم فوق حطام الأول!

أمّة مهجوسة بالمبالغات. قلقة وتبدو دائماً في حاجة ماسّة لتأكيد ثقتها بالنفس. ومعضلتها الفريدة من نوعها بين الأمم والشعوب والقوميات المستنفرة والمستيقظة، إنها تتكئ على تاريخين متناقضين. تعتنق الأول ولا تستطيع أن تنسى الثاني. بل إن فائض مبالغاتها الإسلامية ليس سوى ترجيع صدى لفائض امتلائها بتاريخها السابق للإسلام! بل إن التعبيرات الحادّة عن تمايزها الديني (المذهبي) تنسحب على أدائها السياسي من دون أن تلحظ أنها بيديها تحطم الإرثين معاً! وتودي بالعقيدة الجامعة الى مهاوٍ حيث الذبح يختصر الراية الكبرى، والتكفير يختصر رسالة التوحيد الخالدة! في قمة تجلّيّاتها «ثورة» إيران في هذه المرحلة! وهي ذاتها من تلغي ذاتها: ثارت على الشاه والمؤسسة الملكية واقتلعت الاثنين من جذورهما ثم بنت فوق الحطام، مؤسسات ودولة «الجمهورية الإسلامية». لكنها (للمفارقة) أبقت على إرث الشاه الخاص بالعلاقات مع العرب (أي مع المسلمين الآخرين!) كما هو. بل زادت عليه وأطنبت وأخذت تضعه موضع التنفيذ! الفارق بين السلف والخلف هو أن الشاه أراد أن يكون «شرطي» المنطقة، فيما إيران اليوم تريد أن تحرق هذه المنطقة! لتبحث في رمادها عن علّة تصالحها مع تاريخها القومي الأول! .. الوعي المركّب (ذاته) يقود الى حقيقة أنصع من شمس آب: «مشروع» إسرائيل وحّد العرب والمسلمين. الى حدّ أن أحداً على مدى خمسة عقود لم يكن ليجرؤ على طرح فكرة واحدة، تنظيمية، ثورية تغييرية، سلطوية، انتهازية، إذا لم تكن عابرة فوق الحدود الوطنية والكيانية والدينية، بغضّ النظر عن مدى نبوغ الفكرة أو ضحالتها، افتراضيتها أو واقعيتها، من «البعث» الى «القوميين العرب» الى الماركسية ومتفرعاتها ومشتقاتها العربية البائسة.. في حين أن «المشروع» الإيراني في المقابل، فتّت العرب والمسلمين الى حدّ أن أحداً اليوم لم يعد يجرؤ على استخدام مصطلح جامع واحد، أكان توصيفياً يتعلق بالعرب والمسلمين، أو أداتياً يتعلّق مثلاً بالمقاومة! وذلك كله، و«المشروع» لا يزال مشروعاً ناقصاً ومستحيلاً! فكيف الحال في خلاصاته؟ .. هل قلت شيئاً عن الهنود الحمر؟