عطاء الله مهاجراني/لماذا أضرم لبناني النار في نفسه ببلجيكا؟

666

 

لماذا أضرم لبناني النار في نفسه ببلجيكا؟

عطاء الله مهاجراني/ صحافي ايراني

الشرق الأوسط13 تشرين الأول/14

ما الذي يمكن أن يدور في ذهن رجل في الأربعينات من عمره في اللحظة التي يسكب فيها البنزين على جسده، ثم يتناول عود ثقاب ويشعله ليضرم النار في نفسه؟ وفي اللحظة التي تحرق فيها ألسنة اللهب وجهه وعينيه، ما هي طبيعة اللهب الذي كان يحرق روحه؟ أعتقد أنه لا بد أن هناك لهبا مستمرا ومتأججا في ذهن المرء كي يقدم على مثل هذا العمل ويشعل النار بنفسه، مثلما فعل الرجل اللبناني.

جاءت الأنباء التي تناولت الحادث مقتضبة وبسيطة في صياغتها، بل وأغفلت حتى ذكر اسم الرجل. وقالت الأخبار إن رجلا لبنانيا نقل في حالة خطيرة لأحد المستشفيات يوم الجمعة الماضي، بعد إشعاله النار بنفسه أثناء مشاركته في مظاهرة نظمها مهاجرون غير موثقين، أي لا يتمتعون بالإقامة بشكل رسمي في البلد، في قلب مدينة بروكسل.

يذكر أن المظاهرة شارك فيها قرابة 300 فرد، ونسقتها مجموعة «صوت غير الموثقين» في قلب العاصمة البلجيكية بروكسل للمطالبة بحقوق لهم. غير أنه وأثناء المظاهرة فوجئ المشاركون برجل وهو يشعل النار بنفسه، حسبما أفادت وكالة الأنباء البلجيكية.

وقد هرع المشاركون في المظاهرة نحو الرجل لإخماد النيران، وعلى الرغم مما قاموا به من مساعدة لإخماد اللهب فإن الرجل أصيب بالفعل بحروق شديدة في الوجه واليدين. وبعد ذلك، تم نقله لأحد المستشفيات القريبة. وأعلنت الشرطة البلجيكية أن حياة الرجل «في خطر».

هذا الرجل في الأربعينات من عمره، ويخالجه شعور قوي بالإحباط، وعدم وضوح المستقبل لديه، وقد قرأت تعليقا يعكس تفكيرا عميقا في أحد المواقع الإلكترونية اللبنانية، وجاء فيه الآتي:

«السياسيون في الدولة الفاشلة لبنان يتحملون مسؤولية ما حصل لهذا الرجل. كل مهاجر لبناني يتحزب لسياسي أو لرجل دين في لبنان هو غبي وأحمق. إنني أشمئز عندما أرى لبنانيين في بلاد الاغتراب يجتمعون ليستمعوا لسياسي أو رجل دين لبناني، ولكي يحتفوا به، بعد أن هجّرهم هؤلاء السياسيون ورجال الدين ليبقوا هم وأولادهم ليتنعموا بالوطن».

ويتضح من ذلك أن الزواج أو الجسر الذي أقيم بين الدين والسياسة أثمر ظاهرة جديدة ليست بدين ولا سياسة. ويعني ذلك أن كل ظاهرة قد تفقد هويتها، وتتحول إلى شيء آخر غريب.

من جهته، يصف أمين معلوف، الروائي اللبناني، بدقة هذا التحول في الهويات في روايته الأخيرة «التائهون»، حيث يقول: «الحكومة لم تعد حكومة، والجيش لم يعد جيشا، والأديان لم تعد أديانا، بل طوائف وأحزاب وميليشيات» (التائهون، ص 80).

للأسف، نحيا في عصر من عصور التاريخ يسوده الجنون والاندفاع، حيث تطالعنا كل يوم أنباء الموت والتفجيرات الانتحارية والتفجيرات وقطع الرؤوس والذبح وما إلى ذلك. وربما يبدو خبر الرجل اللبناني الذي أشعل النار بنفسه غير ذي أهمية في خضم كل هذه الأنباء التي تحوطنا من كل جانب. لماذا؟ لأننا لا نعرف حتى اسمه، ولم يعبأ صحافي بمتابعة القضية للتعرف على جذور الحادث.

في مارس (آذار) الماضي، نقلت لاجئة سورية إلى وحدة الرعاية المكثفة بمستشفى السلام في طرابلس بلبنان، بعد إشعالها النار بنفسها في اليوم السابق، اعتراضا على عجز أسرتها عن الحصول على مساعدات غذائية.

اللاجئة السورية واسمها مريم الخولي، وهي أم لأربعة أطفال، أشعلت النار بنفسها داخل مركز تسجيل تابع للأمم المتحدة، ونقلت للمستشفى مصابة بحروق خطيرة. وتبعا لما أفاده أحد الشهود، فقد أخرجت مريم زجاجة بلاستيكية صغيرة من حقيبة يدها، وألقت بمحتوياتها على رأسها وملابسها، ثم أشعلت النار في نفسها. وقال زوجها، خالد الضاهر، إن الأسرة لا تملك مالا لسداد الإيجار أو شراء طعام.

والآن، هل هناك تشابه بين هذين الشخصين؟ أحدهما أشعل النار في نفسه ببروكسل، والآخر فعل الشيء نفسه في طرابلس.

بالطبع، يمكننا التوصل للسبب الرئيس وراء هذه الكارثة، وهو باختصار أن هذين الشخصين والكثيرين غيرهما ممن ماتوا في صمت، من دون أن نسمع بهم، فقدوا بوصلتهم في الحياة.

إننا نواجه مجموعة غريبة من الأفراد اليوم ممن لا ملاذ آمنا لهم، ولا مال لديهم يكفي لشراء ضروريات الحياة العادية، ومن دون ملاذ روحي أو فعلي في الحياة. وللأسف ينتهي هذا الوصف بكلمة الموت.

في الغرب، تتمثل المسؤولية الرئيسة على عاتق الحكومات التي استمدت شرعيتها وسلطتها من أصوات أبناء شعبها في حل مشكلاتهم، وإزالة العقبات من طريق البلاد، بمعنى أن الحكومات تخلق بيئة مريحة لأبنائها كي يعيشوا فيها. وأحيانا يطلق على هذه الحكومات اسم «دول الرفاه».

وتعتمد المسؤوليات والمهام الرئيسة للحكومات على وجود استراتيجية وبرامج واضحة. أما في دولنا في الشرق، فترغب الحكومات أو الأحزاب العسكرية في إرسال شعوبها للجنة. ويخلق هذا تناقضا واضحا، حيث تخلق هذه الحكومات جحيما في بلادها كي ترسل أبناءها للجنة، وبالتالي، لم يخطر ببال مسؤوليها بناء حياة مريحة في الدنيا، وإنما يعيش مواطنو هذه الدول في ظل حالة دائمة من الخوف والتهديد، ويعيشون مثل الطائر المسجون بقفص حديدي ضيق. وعندما تتحدث إلى شباب عبر شبكة الإنترنت، فإن غالبيتهم يؤكدون على رغبتهم في الرحيل عن بلادهم، بل ويبدون استعدادهم للعمل حتى في مقاه أو مطاعم وما إلى ذلك في الخارج.

وأحيانا نقرأ في الصحف عن شباب من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يفقدون حياتهم أثناء محاولتهم الفرار من بلادهم. أما من يتمكنون من السفر إلى الغرب فيواجهون مشكلات قانونية عسيرة للحصول على تأشيرة دائمة والحصول على وظائف وبناء حياة جديدة هناك.

وتعد الأم السورية التي أحرقت نفسها والرجل اللبناني الذي حاول قتل نفسه بالطريقة ذاتها في بلجيكا مثالين جليين على هذه المأساة. إن الوجوه والأجساد المحروقة صيحة إيقاظ للجميع، خاصة صانعي القرار بلبنان وسوريا.