الياس الزغبي/كيف يحمينا الجيش ونحميه

314

كيف يحمينا الجيش و.. نحميه
الياس الزغبي/12 تشرين الأول/14

لعلّ الجواب على الشقّ الأوّل من السؤال “كيف يحمينا الجيش” ليس صعباً أو معقّداً، لأنّ مهمّة جيوش الدول معروفة ومقرّرة في الدساتير والأعراف والتاريخ، وهي حماية الحدود وصون السيادة الوطنيّة. وفي حال الاضطرابات الداخليّة وإعلان الطوارىء، تكون له مهمّات في الداخل، يُقرّ الجميع بها. والجيش اللبناني، مثل سائر جيوش الأمم، لا يشذّ عن القاعدة. لذلك نراه على الحدود جنوباً وشرقاً وشمالاً وبحراً. ونراه كذلك في مناطق التوتّر داخليّاً بتكليف من السلطة السياسيّة. لكنّ الإشكاليّة التي تميّز جيشنا عن سائر جيوش الدول المستقلّة، هي في وضعَيْن:

– في الداخل، يده ليست طليقة، فهناك قوى أمر واقع تُقفل بعض المناطق في وجهه وتضع شروطاً أو خطوطاً حمراً على حركته (بعض الضاحية نموذجاً). وإذا استُدعي للمساعدة ففي حدود مضبوطة ومشروطة، وتحت مراقبة “أهل الدار”.

– وعلى الحدود، تتفرّد قوّة مسلّحة غير شرعيّة، تحت راية “المقاومة”، في أعمال عسكريّة جنوباً وبقاعاً، عبر قطاعات واسعة (كما حصل أخيراً في جرود بريتال ومزارع شبعا)، تحت ذرائع شتّى، ليس عجز الجيش وضعف تسليحه أقلَّها.

لذلك، يواجه لبنان مشكلة خطيرة في أساس مهمّة الجيش ووظيفته، أي حصريّة الحقّ في الدفاع الخارجي والحماية الداخليّة. والجواب البديهي عن السؤال “كيف يحمينا الجيش” هو إلغاء الشراكات غير الشرعيّة في هاتين المهمّة والوظيفة.

والمشكلة نفسها توجب طرح الشقّ الثاني من السؤال ” كيف نحمي الجيش”؟

في الواقع، هذا السؤال غير مطروح في الدول المستقلّة ذات السيادة. ربّما تسخر الأمم منّا حين تسمعنا نتحدّث عن حماية الجيش، وهو المكلّف أصلاً حماية الناس!

لكن، وبما أنّ واقع لبنان هو ما هو، بات علينا أن نتصارح في سُبُل “حماية الجيش” كي يستطيع حمايتنا.

الأكيد أنّ أهمّ السُبل هو تثبيت ثقة كلّ اللبنانيّين بجيشهم، ليس فقط ثقة غنائيّة عاطفيّة أو فولكلوريّة.

وهنا، لا بدّ من معالجة “فائض” المحبّة التي تُغدقها فئة سياسيّة أو طائفيّة على الجيش، بما يوحي وكأنّه لطائفة واحدة ولنصف ثانية، وليس لثالثة ورابعة. ثمّ يتبيّن أنّ من “الحُب” ما قتل.

كذلك معالجة “فائض” الاستثمار في محاولات تنسيب الجيش على مدى ربع قرن، بعقيدته القتاليّة وتسليحه وتدريبه ومهمّاته، إلى فريق أو محور شاء أصحابه أن يسمّوه تمويهاً “محور الممانعة والمقاومة”.

يجب الاعتراف بأنّ أهل “الفائضَيْن”، المحبّة والاستثمار، نجحوا في هزّ صورة الجيش، منذ أحداث الشيّاح، وسجد، والنبي شيت، وكمين دورس، والكويخات، وصولاً إلى مجدل عنجر وعبرا وعرسال..

نجحوا، جزئيّاً، في الايهام بأنّ الجيش لهم، لا يمسّ شعرةً من جماعتهم وتجاوزاتهم، وبأنّه عدو أخصامهم سياسيّاً وطائفيّاً، وبأنّه لا يقترب من خطوط انتشارهم (جرود بريتال كنموذج)، وبأنّ الارهاب في غير بيئتهم، وهم سَنَد الجيش الوحيد في مواجهته.

وأورثت خطّتهم شكوكاً في أداء الجيش واعتداءات عليه ( بعضها تركيب أجهزة مخابرات)، نرى مظاهرها في أكثر من مكان، من طرابلس وعكّار إلى ضواحي عرسال.

وقد ساءهم أن يسارع سعد الحريري وسمير جعجع إلى تصويب البوصلة، والتصدّي لخطّتهم، وتبنّي الجيش كقوّة وطنيّة وحيدة لصدّ أيّ خطر على لبنان واللبنانيّين. ولكنّ محاولاتهم مستمرّة، ويبتهجون كلّما سمعوا بإطلاق نار على الجيش أو كمين تعرّض له هنا أو هناك.

يعتبرون أنّ استهداف الجيش ضمن مناطق طائفيّة معيّنة هو حصاد لما زرعوه، ونجاح لما بذلوه.

وهذا الواقع، يوجب طرح المشكلة في أساسها: لا نحمي الجيش بالتصدّي فقط للمعتدين عليه، بل بمواجهة خطّة توريطه، فنعالج السبب وليس النتيجة فحسب. بالمزيد من احتضان 14 آذار له ولدوره، وفكّ طوق 8 آذار في المزايدة حوله. بكشف لعبة استثارة الغريزة ضدّه. بحملة توعية يقوم بها الجيش نفسه لكسر عمليّة تشويه رسالته. بفضح حقيقة الأزمة الراهنة الناتجة من تورّط “حزب الله” في الحرب السوريّة.

يكفي لبنان والجيش دفع أثمان قرارات سواهما. “حزب الله” ينزف في جرود بريتال والقلمون وسائر سوريّا النظام، ويريد أن يمسح دماء مقاتليه بالجيش. يحاول من شبعا تغطية مأزقه البقاعي والسوري، كاشفاً الجيش أمام إسرائيل في الجنوب.

معادلة واحدة تُنقذ لبنان: نحمي الجيش من شرور مورّطيه، كي يحمينا.

أمّا ترك الحبل ل”حزب الله” على غاربه، فكارثة أكيدة، ومواكب جنازات لا تنتهي.