جوزف باسيل: صرخة عبد الحميد الأحدب تمزّق الحجاب عن مأزق الإسلام السياسي

181

صرخة عبد الحميد الأحدب تمزّق الحجاب عن مأزق الإسلام السياسي
جوزف باسيل/النهار/29 آب 2016

مجموعة صرخات وجّهها عبد الحميد الأحدب ضد الإرهاب، راجياً ألّا تكون في برّية، بل أن يتردّد صداها في الحواضر والبلدان، خصوصاً إذا تلقّفها الأزهر في مصر، وغيره من المرجعيات الإسلاميّة، وفي دول كثيرة تنظر ولا ترى الجرائم والمجازر وكل الموبقات التي حرّمها الإسلام تمارس باسمه، وتنصت ولا تسمع صيحات التكفير والتهجير، وعبارة “الله أكبر” تطلق عند ذبح البشر. توجّه إلى مسؤولين سياسيّين ودينيّين ومثقّفين مسلمين حاضّاً الهمم على المواجهة، ومحفِّزاً على التحرّك بقوّة وعدم الرضوخ أو الانصياع أو التفرّج، بعدما صار سكين التطرّف والتخلّف على رقابٍ ليست رقاب نعاج وليس دمها مباحاً ولا ذبحها حلالاً… إنها سكين أضاحي الوثنيات التي لا تفرّق في الإنسانية أو الدين أو العرق أو الجنسيّة أو القوميّة… الصرخة إذ تلاقيها صرخات تدوّي في لبنان أولاً، ولعلّ صداها يتجاوز الحدود، والمسافات قصيرة، واللغة واحدة، فلا مجال للغلط أو السهو، وعسى ألّا يكون الأمر سهواناً مقصوداً.

صرخة اسلامية من لبنان

مقالات جمعها في كتاب بعنوان “مأزق الإسلام السياسي – الإسلام اللبناني أمام التاريخ” (دار سائر المشرق)، إذ قرّر أن يخوض الحرب الفكرية “ضد القبح والتخلف والبربرية والكسل والقذارة والمال الحرام”. كما قرّر أن يذهب على طريق “الإصلاح الديني والثورة الدينية التي تعيد الاسلام إلى حقيقته”، على خطى محمد عبده وعبدالله العلايلي وعبدالله القصيبي ونصر حامد أبو زيد – الذي يخصّه بالاعجاب – ومحمد اركون وصادق جلال العظم وفرح فوده وأدونيس ونوال السعداوي وغيرهم.

الصرخة الأولى للحرية “في وجه عالم عربي قابع في قناعاته ومستريح على مخدّاته وموزّع الولاء بين كأسه وسجادة صلاته، وبين رضى ربه ورضى زوجاته”. وصرخة الحرية هذه تتطلّب جرأة متناهية ليست من شيم الصغار، بل الكبار الأحرار.

والصرخة الثانية للعقل، إذ يجب إنهاء الإجازة الطويلة التي أمضاها العقل العربي في الأكل والنوم واصطياد “الغزلان” والجلوس في المقاهي واللعب بالورق وارتشاف القهوة المرّة وتدبيج المدائح وتأليف المواويل”.

منذ 11 قرناً أُقفل باب العقل – الاجتهاد و”صاروا يقولون لنا حاذروا أن تقرأوا أي كتاب فنحن نقرأ عنكم، وحاذروا أن تكتبوا أي خطاب فنحن نكتب عنكم! وسقط الفكر في النفاق السياسي…”.

والصرخة الثالثة للوجع، صرخة الوجع من بيروت التي “تبقى المكان الوحيد الذي تستطيع فيه الحرية أن تصرخ قليلاً وتبكي كثيراً”، ويستطيع العقل أن يفكّر قبل أن يتوكّل، وإذا توكّل فعلى الله وليس على شياطينه.

عانى وجع الإرهاب

وجع الأحدب من الإرهاب يعود الى عام 1978، حين أصاب الجرح قلبه باستشهاد ابنته في تفجير كان يستهدفه، رفضاً لمواقفه السياسية اللبنانية، ومذذاك يصارع عواطفه بتربتها الندّية دوماً، إذ يناضل في وجه كل ارهاب، على اختلاف أنواعه، وأنّى ذرّ بقرنه في لبنان أو سوريا أو مصر أو العراق أو غير ذلك من دول العرب. يجرؤ الأحدب، فالإسلام ترك باب الجرأة موارباً للقادر، ومفتوحاً للعاقل إذا رغب في استعمال عقله، فأعيدوا تشغيله بالتفكير، وليس بالتكفير، واعبروا منه الى المستقبل، فالماضي مضى، فكونوا أبناء الآتي. واعبروا الى الحرية، فالعبودية قضت عليها مفاهيم العصر، ولم تعد تعشّش إلّا في التخلّف والانحطاط. يقول الأحدب: “الإسلام دين الحرية… إن قائمة محرّماته ضيّقة، إلّا ما نصّ عليه التحريم، والمحرّمات نكاد نعدّها على أصابع اليد الواحدة، فالأصل في الإسلام الإباحة، وهو يخطف اليوم على يد جماعات الكفر والتكفير”. وحتى يكون ما يقوله واقعاً وليس رجاءً، نرجو أن يلطف الله بعباده، من عبيده الضاربين بسيفه!

من ألم يعتصر قلبه وهو ربيب إسلام عقلاني منفتح، ومجتمع متنوّع شرقاً وغرباً، ويكفي أن يكون المرء لبنانيّاً، كي يكون فيه من المسيحيّة شيء إذا كان مسلماً، أو يكون فيه من الاسلام شيء إذا كان مسيحياً، من هذا الألم يسأل: “لماذا ليس لدينا نحن المسلمين ما نقدّمه الى العالم والإنسانيّة ولباقي الطوائف هذه الأيّام سوى القتل والدماء؟ هكذا قال الكاتب الكويتي فؤاد الهاشم في الصحافة الكويتية”. وتساءل: “هل هناك طائفة في العالم غير الإسلام تؤمن أنّ قتل الناس بشكل جماعي، من الفقراء والنساء والأطفال، هو فعل من يرجو تقرّباً الى الله ورغبة في الجنّة؟”. وإن قلتم ظاهرة شاذة، فكيف تكون، وقد جمعت عشرات الآلاف من الانتحاريين، ووراءهم مئات الآلاف من الأعوان، وخلفهم ملايين المؤيّدين؟ “هل رأيتم تحرّكاً من زعماء أو مشايخ من المسلمين لمحاصرة هذه الظاهرة، والبحث في العيوب والخلل في الفكر الإسلامي الذي أوصل أبناء الطائفة الى هذا “الشذوذ”؟”.

خريطة طريق الى إسلام عصري

ووجد خريطة طريق الى إسلام حقيقي عصري يشكّل البداية لمسيرة الألف ميل، في بيان الرابطة الهاشمية الذي ورد فيه:

1- لا يجوز في الإسلام قتل النفس البريئة.

2- لا يجوز في الإسلام قتل الرسل “السفراء” (والمبعوثين)، وبالتالي لا يجوز قتل الصحافيين.

3- الجهاد في الإسلام دفاعي وهو منوط بسبب شرعي وأسلوب شرعي وغاية شرعية.

4- لا يجوز التكفير في الإسلام إلّا لمن صرّح بالكفر.

5- لا تجوز الاساءة الى النصارى بأي طريق أو ألى أهل الكتاب.

6- لا إكراه في الدين في الإسلام.

7- لا يجوز في الإسلام سلب حقوق النساء.

8- لا يجوز في الإسلام التعذيب.

9- لا يجوز في الإسلام اعلان الخلافة من دون اجماع الأمة الإسلاميّة.

10- الانتماء إلى الأوطان جائز في الإسلام.

من هذه المبادئ – المؤشرات يمكن بدء ورشة إصلاح كبيرة وطويلة لكل الموروث الديني الإسلامي، ارتكازاً على إنسانية الإنسان ببعديه الأساسيّين الكرامة والحرية. وعلى عقلنة المفاهيم الإسلامية وعصرنتها.