محمد مشموشي/التلاعب بالسلم الأهلي: عود على بدء

381

التلاعب بالسلم الأهلي: عود على بدء
محمد مشموشي/المستقبل
07 أيلول/14

يبدو أن عملية التلاعب بالسلم الأهلي اللبناني لم تنته بعد، لا من قبل النظام السوري ولا من قبل عملائه وأتباعه ومن يسمون أنفسهم حلفاءه في لبنان. وعملياً، لا حاجة الا الى متابعة مواقف هؤلاء وتصريحاتهم وبياناتهم وتسريباتهم الاعلامية لاكتشاف هذا الواقع على حقيقته.

كان الهدف منذ أحداث عكار والشمال المتنقلة، وصولاً الى تفجير مسجدَي «التقوى» و«السلام» في طرابلس، ومروراً بمؤامرة علي المملوك – ميشال سماحة، اعادة اشعال الحرب الأهلية (وهذه المرة، المذهبية تحديداً) بين الفئات والطوائف اللبنانية المختلفة، بداية لإبقاء كل ما كان في زمن الوصاية على لبنان على حاله، ولاحقاً في العام 2011، بعد تصاعد الثورة السورية على نظام بشار الأسد، لتصدير موبقات القمع غير المسبوق الذي مارسه النظام لهذه الثورة وللشعب السوري الى لبنان. هل من معنى لأحداث عكار المشبوهة بين فترة وأخرى، ولمحاولات توريط الجيش وقوى الأمن في عدد منها، ولجولات القتال المتعددة بين جبل محسن والتبانة في طرابلس، ولمؤامرة المملوك – سماحة التي استهدفت الايقاع بين المسلمين والمسيحيين في عكار، ولتفجير المسجدين مع المصلين فيهما في عاصمة الشمال، غير هذا المعنى؟.

الآن، وبعد حرب عرسال التي طالما وصفها هؤلاء بأنها «أصل البلاء» أو «دمل يجب استئصاله»، لم تختلف الممارسة على الأرض ولا الغاية المبيتة بأي شكل من الأشكال. واذا كانت الحملة على الجيش وقيادته، خصوصاً بعد وقف اطلاق النار وانسحاب المسلحين الغزاة منها، دليلاً واحداً على ما سبق، فما رافق ويرافق قضية تحرير العسكريين المخطوفين لدى تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» حتى الآن، والذي يهدد البعض بأنه سيتصاعد ويأخذ أبعاداً جديدة في المرحلة المقبلة، انما «يكشف البير وغطاها» كما يقال في الأمثال الشعبية.

على الصعيد الأمني، لا حاجة الى القول ان تسريبات وشائعات وأنباء كاذبة تنشر حالياً لا تستهدف الا صب الزيت على النار في أكثر من منطقة وعلى أكثر من مستوى كما يأتي على سبيل المثال لا الحصر:

– تهديدات ما سمي موقع «لواء أحرار السنة» في بعلبك (تبين أن وراءه عضواً في «حزب الله») للمسيحيين في المنطقة وكنائسهم وصلبانهم، وتعمّد جهات سورية وأخرى من قوى 8 آذار توزيع ما يبثه على نطاق واسع في البلدات والقرى المسيحية.

– اعادة تفعيل ماكينة الشائعات، خصوصاً بعد حرب عرسال، تارة حول وجود معسكرات لـ «داعش» في الضنية، وأخرى حول مواقع لتفخيخ السيارات في طرابلس، وثالثة حول تسليح الشبان وفرض منطقة «أمن ذاتي» في عين عطا براشيا، ودائماً في سياق حملة تحريض للوقوف في وجه الأخطار التي يشكلها كل من تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» على لبنان.

-تعمّد اظهار مجموعة من المسلحين المقنعين في تظاهرة على الطريق العام في البقاع، بذريعة التضامن مع تحركات أهالي العسكريين المختطفين لاطلاق سراحهم، ولكن هذه المرة للدعوة الى اصدار عفو عام عن كل السجناء والمعتقلين… تجسيداً، بالحرف، لما اقترحه أحد «أقطاب» الوصاية السورية (اللواء جميل السيد) رداً على مطالبة الخاطفين بالافراج عن بعض المعتقلين الاسلاميين في سجن رومية.

– نشر مجموعة من الأنباء التحريضية الكاذبة وتوزيعها، مرة عن انشقاق الرقيب الشهيد علي السيد من الجيش، وأخرى عن ذبحه بأيدي شخصين لبنانيين (ترك انتماؤهما المذهبي للتخمين؟!) يعملان ضمن تنظيم «داعش»، وثالثة عن صفقة «مقايضة» في السر تشمل اطلاق الجنود المخطوفين السنة والمسيحيين وتستثني الشيعة… لكن مع التحذير من رد فعل «لا يعرف أحد طبيعته ومداه»، كما جاء في احدى صحف الماكينة الاعلامية؟!.

– قيام أفراد معروفين بانتماءاتهم باحراق علم «داعش» في الاشرفية، والرد عليهم بعد ساعات فقط من آخرين معروفين أيضاً برسم صلبان مهشمة على جدران شوارع طرابلس… وليس ذلك وحده، انما بالتزامن مع حملة تحريض وشتائم ضد وزير العدل اللواء أشرف ريفي لمجرد أنه قرر احالة الفاعلين على النيابة العامة للتحقيق معهم وانزال العقاب بهم بدعوى الاساءة الى الوحدة الوطنية.

وعلى الصعيد السياسي، لم تكن الحال أقل سوءاً في ضوء عدد من الأفكار والشروحات التي تولى طرحها «التيار الوطني الحر» مؤيداً من حلفائه في 8 آذار: استرجاع حقوق المسيحيين السليبة عن طريق انتخاب رئيس الجمهورية على مرحلتين أولاهما مسيحية خالصة، نزع «الوصاية الاسلامية» على النواب المسيحيين باعتماد ما يسمى «القانون الأرثوذكسي» للانتخابات النيابية، وبعد ذلك كله تسلّح المسيحيين للدفاع عن وجودهم في مواجهة «الداعشيين» في لبنان.

ليس ذلك فقط، بل ان «التيار» وحلفاءه لم يجدوا ما يردون به على مبادرة قوى 14 آذار التي دعت الى ما يمكن وصفه بحل وسط للخروج من مأزق الشغور الرئاسي سوى أنها «قديمة» و«ممجوجة»، وأن لا تسوية في النهاية الا عبر ما ترتئيه 8 آذار وحلفاؤها في المنطقة.

ومن هنا السؤال: هل نحن أمام جولة عنف جديدة، في عرسال أو في غيرها، أو ربما في بيروت نفسها استمراراً للتلاعب الدائم بالسلم الأهلي اللبناني؟.