فارس خشان يكشف عورات وخلفيات واجندات مؤتمر الدفاع عن المسيحيين الإيراني والسوري والذمي

719

فارس خشان يكشف عورات مؤتمر الدفاع عن المسيحيين الإيراني والسوري والذمي

ولكن… من يحمي مسيحيي الشرق؟
فارس خشّان/يقال نت
06 أيلول/14

عبثاً حاول النظام السوري ان يستثمر، في الغرب، أصوات مؤيدين له ينتمون الى الطوائف المسيحية، لأنه عجز عن جذب مسيحيي لبنان، بداية، على الرغم من استغلال المنابر العونية.

عجز عن ذلك، لأن مسيحيي لبنان أدرى بشعاب جارتهم وبتاريخها، وهم كانوا، بالملموس، يدركون أن ما يلحقه قمع الثورة في سوريا من مآس، بحق الطوائف الأخرى، ولا سيما الطائفة السنية، يستحيل أن يقارن بما يمكن أن يتعرض له المسيحيون من مضايقات. كان هؤلاء يذكّرونهم بما كان يعاني منه مسيحيو لبنان على يد النظام نفسه.

لكن سرعان ما تغيّرت الحال، مع التطورات المتلاحقة في العراق، مع تمدد “الدولة الإسلامية” وإعلان “دولة الخلافة”، بزعامة أبو بكر البغدادي، وتوالي الأنباء عن تهجير المسيحيين الذين يرفضون دفع الجزية.

وكبرت المخاوف من تداعيات ما يحصل في العراق، خصوصا مع دخول الإعلام العالمي على الخط، في اللحظة التي قرر تنظيم “الدولة الإسلامية” التوسع نحو كركوك الكردية.

حينها تقدم ملف المسيحيين، ومعه ملف الأزيديين، الى الواجهة، فمناصرة الأكراد لوحدهم لا يمكن أن تحرّك الرأي العام الأميريكي والأوروبي. كان لا بد من إقحام المسيحيين في هذه المسألة.

قبل ذلك، لم يُسجّل سوى الصمت، مع أن المسيحيين في العراق كانوا قد عانوا الامرين، وخصوصا بعد الإجتياح الأميريكي لبلاد ما بين النهرين، فسجلت هجرة واسعة لهم نحو كل أنحاء العالم، ولا سيما نحو الدول التي سبق لها واحتضنت موجة الهجرة السابقة إبان عهد صدام حسين، الأمر الذي لم يُبق منهم في العراق أكثر من 12 بالمائة.

ولدفع مسيحيي لبنان الى الواجهة، كان لا بد من خلق ما يخيفهم مباشرة.

وتنفيذا لذلك، كان حساب “لواء أحرار السنة – بعلبك”، الذي راح ، مدعيا الإنتساب الى “داعش”، يُهدد المسيحيين بالقتل والذبح والتهجير.

وأعطت هذه التغريدات التي جرى تناقلها على نطاق واسع، بدعم طبعا من وسائل الإعلام التابعة مباشرة أو مداورة لحزب الله، مفاعيلها، فبدأت الدعوات الى التسلح والى الأمن الذاتي والى طلب الحماية من الديكتاتوري القريب كما من الديمقراطي البعيد.

وحين انكشف دور بيئة “حزب الله” في هذه العملية المخابراتية، مع توقيف مشغل الحساب الذي ينتمي الى “حزب الله”، فرديا وعائليا، تمّ اعتماد أسلوب آخر، فكان حرق “راية التوحيد” في الأشرفية وتعميمها، وكان الرد عليها، تحت جناح الظلام، بكتابات معادية للمسيحيين على جدران كنائس في طرابلس، وباسم “داعش” أيضا.

وبمجرد أن وقف المسلمون في طرابلس ضد هذه السلوكية المنسوبة الى “داعش”- مع أن “داعش” أوقح من أن يعمل تحت جناح الظلام- حتى انطلقت موجة تخويف جديدة، بهدف القول إن “داعش” أصبح على تخوم المناطق المسيحية، ومنها شائعات وصول تنظيم ” الدولة الإسلامية” الى بسكنتا.

ومن يتواصل في هذه الأيام مع البيئة المسيحية الشعبية، يطارده سؤال متكرر:” هل سيصلون الينا؟”

وبالتأسيس على تعميم هذا الخوف، وغالبية أسبابه اللبنانية دعائية حتى الآن، تنطلق مؤتمرات هنا وهناك في عواصم العالم، ولا سيما واشنطن ، وبتمويل لبناني – سوري، تحت عنوان “حماية مسيحيي الشرق”.

ولكن، من يحمي مسيحيي الشرق؟

جيش الولايات المتحدة الأميريكية الذي يتم الإستنجاد به اليوم، كان بكامل قدّه وقديديه في العراق، وتحت عيونه، عاش مسيحيو العراق واحدة من أبشع كوابيس الهجرة والموت، ولم يحمهم، قصدا أم عجزا.

فمن يحميهم، إذن؟

في نقاشات مسيحية – مسيحية، ومن منطلق براغماتي وروحاني، ثمة اقتناع راسخ بأن المسيحيين حين يتحوّلون الى أقلية، يعجز أي كان عن حمايتهم، ومهما أوتي من قوة، لأن قدرهم أن ينموا لا أن يتضاءلوا، وأن ينتشروا لا أن يتقوقعوا، وحين ينعكس الواقع، لا يعود لهم مبرر وجودي حقيقي.

وفي هذه النقاشات، إن المسيحية حين انطلقت من الشرق لم تكن تبحث عمّن يحمي المنتسبين اليها، بل هي نمت وانتشرت وتمددت، في ظل اضطهاد كبير.

كانت حمايتها نابعة من الجرأة في رسالتها. هذه الجرأة التي تجلت في العلية، مع حلول الروح القدس، على هؤلاء الذين كانوا يختبئون، بعد صلب معلمهم.

وراح هؤلاء يُتلمذون العالم. يقفون مع المريض ومع المظلوم ومع المضطهد ومع الفقير.

وكان الناس يعرفونهم من محبة أحدهم للآخر.

وجرأة هؤلاء تخطت كل اضطهاد، وكل عمليات الإعدام التي شملت غالبية الرسل، وتفوّقت على أفواه الوحوش الجائعة.

لم يحتم المسيحيون بروما، بل بجرأتهم وثباتهم وإيمانهم، سيطروا عليها.

حاليا، فقدت المسيحية المشرقية جرأة العلية. فقدت رسالتها.

قبل مسيحيون كثر، وعلى عكس المفترض بهم، أن يكونوا في حماية ديكتاتور هنا وقاتل هناك. تنازلوا عن أدوارهم الريادية المفترضة لمصلحة الفقير ولمصلحة المضطهد ولمصلحة المظلوم.( تأكيدات البابا فرنسيس عند وصولهم الى سدة الفاتيكان).

حوّلوا أنفسهم الى مجموعة حضارية، لها دين. لم يعودوا مجموعة دينية لها حضارتها.

وارتضوا، بتهاونهم، أن يصبحوا أقلية في الأرض التي انطلقوا منها.

أصبحوا أقلية بحجة الإضطهاد، في أرض نموا فيها، بالأصل، في تربة إضطهادية.

وأصبح الناس يعرفونهم من كرههم لبعضهم البعض، ومن عداوتهم لبعضهم البعض.

سبق وخسروا الكثير، بسبب هذه السلوكية، وهم يخسرون اليوم ما تبقى بسبب إصرارهم على هذه السلوكية.

التطرف الإسلامي، سواء كان شيعيا كما نظمته إيران، أم سنيا، كما ينشره تنظيم القاعدة ومشتقاته الحالية، وبغض النظر عن كل ما يقوم به أو ما يُنسب إليه ( وكله مدان ومرفوض ومنبوذ) ميزته أنه يخلق دينامية المواجهة، ودينامية الإستمرار في حمل – او ادّعاء- حمل الحلم التأسيسي، في حين أن الإعتدال الإسلامي، لا يواجهه، إلا يإظهار مزيد من التديّن.

المسيحيون تخلوا عن الحلم التأسيسي.

المسيحيون تخلّوا عن كتابهم المقدس. تخلّوا عن مسيحهم، ليستوردوا مسيحا دجّالا يخضع للديكتاتور ويساير القاتل ويترك المظلوم ويهزأ من الفقير ويبث الكراهية ويؤمن بالعنف.

نعم، هناك مجموعة حضارية تحمل صفة المسيحية تعاني من خطر الإنقراض في الشرق الأوسط، لكن المسيحيين في الشرق الأوسط ، إنقرضوا منذ سنوات طويلة.

ثمة كلام كثير وكبير يُقال، ولكن ليس مكانه هنا، إلا أن الأكيد أن إنقاذ المسيحيين لا يحتاج الى اجتماع في واشنطن، بل الى لقاء في تلك العلية!

الرابط للمقالة على موقع يقال نت