حسن صبرا/لم تكتبها كلينتون.. لكنها حقيقة هكذا ساهم أوباما في صنع داعش

269

لم تكتبها كلينتون.. لكنها حقيقة هكذا ساهم أوباما في صنع داعش
حسن صبرا/الشراع
29 آب/14

تحريفاً أكيداً حصل، أو سبق صدور كتاب وزيرة خارجية أميركا السابقة هيلاري كلينتون، ((خيارات صعبة))، خاصة في فصل كبير عن الشرق الأوسط، ورد في التحريف انها كتبت متهمة باراك أوباما بأنه ساهم في صنع داعش التنظيم الارهابي الذي يتحرك في العراق وسورية.

لم تكتب كلينتون هذا في كتابها، بل بات التحريف مادة دسمة سقط فيها عدد من الكتاب والصحافيين، استناداً إلى ما تم ترويجه عمداً وخطأ في مواقع عديدة للتواصل الاجتماعي..

لكن ما لم يرد في الكتاب، ورد في الوقائع.. أي ما لم يظهر في الأدلة.. ظهر في القرائن ومنها:

1-     ان تنسيقاً أمنياً على أعلى مستوى من الدقة والفعالية، حصل بين الولايات المتحدة وإيران، قبل وخلال وبعد غزو أميركا لأفغانستان، واحتلالها للعراق.. وحتى الآن تحت عنوان مقاتلة المتطرفين السنّة، الذين كانوا منتشرين في أفغانستان.. وما كان لهم أي وجود في العراق.. باعتراف لاحق للأميركان أنفسهم.

2-ان أميركا كلها تعرف ان إيران، هي التي استقبلت هاربي القاعدة والمتطرفين السنّة من أفغانستان، وأسكنتهم في قواعد مخصصة لهم في إيران وأعادت تدريبهم وتأهيلهم ثم أرسلتهم إلى العراق لمقاتلة أعداء أميركا فيه وتحديداً العروبيين الذين دافعوا عن وطنهم ووحدته وانتمائه.

3-تكاتفت قوات الاحتلال الأميركية مع فرق الموت التي أرسلتها طهران، لملاحقة العروبيين في العراق (جيش، مثقفين، حزبيين، علماء)، في وقت غضت فيه إيران وأميركا الطرف عن نشوء وتصاعد أعمال القاعدة.. وتحديداً ضد الشيعة.. وليس قتالاً للأميركان!

4-العجب العجب ان تكون إيران هي التي أرشدت أميركا إلى مكان وجود ابو مصعب الزرقاوي بعد ان استنفد دوره في تسعير الصراع بين السنّة والشيعة في العراق فتم اغتياله في شباط/فبراير 2006 لفتح الطريق أمام صعود ابراهيم عواد البدري، الذي كان أحد تلامذة الزرقاوي، وكان معتقلاً لعدة أشهر في معسكر بوكا الأميركي قبل إطلاقه ليكون خليفة أبو مصعب، بعد ان عادت الحاجة من جديد لدور التطرف لمزيد من الفتن السنية – الشيعية. (ألا يذكّر هذا الاسم بشاكر العبسي المعتقل في سجون الأسد.. المطلق السراح ليقود فتح الاسلام ضد الجيش اللبناني عام 2007، في معركة مخيم نهر البارد؟)

ابراهيم عواد البدري.. يذكّر العراقيين بقريبه الشيخ عبد العزيز البدري الذي كان أول رجل دين (سني) يعدم في العراق في عهد الرئيس الراحل صدام حسين.

ابراهيم عواد البدري كان بلطجياً من الذين تزدحم بهم شوارع بغداد، والمدن العراقية الكبيرة بعد هرب جيش العراق اثر احتلاله الكويت في 2/8/1990، انضم إلى الزرقاوي للقتال ضد الشيعة (كما انضم أبو حمزة المصري الذي كان حارساً في ملهى بلاي بوي ((Play boy)) في لندن لحماية الراقصات العاريات، إلى المقاتلين في أفغانستان ثم عاد يفتي ويصدر أوامر بصفته رجل دين وعلم وفضيلة؟!)

قتل الزرقاوي فتح الطريق أمام البدري، ليقود بعد ان كان يقاد.. ويجسد طريقة الزرقاوي في قتال الشيعة الروافض، لذا كان هناك الخلاف مع أيمن الظواهري الذي كان وما يزال يتجنب قتالهم لأن الأولوية عنده هي لمقاتلة الأميركان.. ثم إسرائيل.

خرج البدري عن القاعدة التي كان الزرقاوي والاها لكنه كان يعمل لحسابه، ولم يكن هناك فرصة لإظهار الخلاف بينه وبين أسامة بن لادن، ثم خليفته الزرقاوي..

أول خروجه حمل لقب أبو بكر البغدادي (تيمناً بالخليفة الأول، ابو بكر الصديق الذي تولى الخلافة بعد وفاة الرسول العربي محمد عليه الصلاة والسلام).

5-أولى إنجازات مجموعات البدري، التي توزعت بعد قتل الزرقاوي كانت تغطية الجريمة الايرانية الكاملة بنسف مرقدي علي الهادي والحسن العسكري في سامراء عام 2006، ووقائع تلك الجريمة تشير إلى التالي:

أ‌-ان المرقدين الشيعيين هما في مدينة سنية منذ أكثر من 1400 سنة لم يمسا، بل ان أهل المدينة السنّة كانوا مشرفين دائماً على الاهتمام بهما، كما يفعل أهل الشيعة في المراقد التي تقام في مناطقهم.

ب‌-ان حرس المرقدين كانوا دائماً مختارين من قبل الانظمة المتعاقبة.. حتى في عهد صدام حسين، حرص النظام على المحافظة عليهما وإتاحة الفرصة لزيارتهما بحرية كاملة لمن يشاء.

ج- بعد احتلال أميركا وإيران للعراق في 20/3/2003، ودخول ميليشيا المجلس الأعلى بقيادة محمد باقر الحكيم العراق.. تولت منظمة بدر التي نشأت في إيران من أسرى الجيش العراقي في الحرب العراقية – الإيرانية (1980 – 1988) حراسة وحماية المرقدين في سامراء.

ولم تمر فترة.. إلا وتم تدمير المرقدين.. إنما بعد ان انسحب حرس منظمة بدر المرتبطة بالاستخبارات الإيرانية. وبعد هذه الجريمة الايرانية الكاملة.. تم حرق وتدمير وإتلاف محتويات نحو 200 مسجد للسنّة في كل أنحاء العراق.. تحت سمع وبصر قوات الاحتلال الأميركي.

والجدير ذكره ان ابراهيم عواد البدري (الخليفة القادم لداعش) هو من مواليد إحدى قرى سامراء المحيطة بها وقد عاش في المدينة ودرس قبل أن ينتقل لدراسة الدكتوراه في الدراسات الاسلامية في جامعة بغداد، وكان دائماً خطيباً في مسجد سامراء مسقط رأسه.. وهو ينتمي إلى عائلة صوفية تقدر أهل البيت والأئمة تقديراً كبيراً كحال الحركات الصوفية في كل أرجاء العالم الاسلامي.

6-عندما كتب في كثير من وسائل اعلام العالم عام 2010 انه وفق معلومات الاستخبارات الأميركية بأن تنظيم القاعدة.. وبعد قتل العديد من قادتها بات بلا مستقبل. كان البدري يتمكن من جمع العديد من مجموعات القاعدة ومبايعي ابن لادن في العراق (وسورية فيما بعد) لبدء مرحلة جديدة من الصراع في المنطقة.. بعد ان أوغل الايرانيون في جسد العرب، تفتيتاً وتمزيقاً.. تحت سمع وبصر وغض طرف الاستخبارات الأميركية.. وكان باراك أوباما مطلع على كل هذه التطورات.. وأولاً بأول.. فقد قرر سحب قواته من العراق.. وتسليمه لإيران.. ولأن الدم يستسقي الدم، والاستفزاز هو فعل يستدرج رد فعل، وفرض أوباما نوري المالكي رئيساً للعراق بدلاً من الفائز بالأغلبية النيابية يومها إياد علاوي.. واستقبل أوباما المالكي.. وأطلعه على خططه التي لقيت اعجاباً وثناء من أوباما.. وعاد المالكي وكانت أولى قراراته هي.. توجيه تهمة الخيانة العظمى لنائب رئيس الجمهورية العراقية السني طارق الهاشمي.. وهل هناك استفزاز أكبر من هذا في تلك المرحلة..

هنا اندلع فصل جديد من فصول الصراع السني – الشيعي كان أبو بكر البغدادي (ابراهيم البدري) هو رجله في العراق.. وكان قاسم سليماني هو رجله في إيران، وكان باراك أوباما هو المشرف على تنظيم وتسعير أو تحقيق هذا الصراع.

7-جاءت فرصة استخدام البغدادي من قبل أوباما.. فقد أطلق الأخير أيضاً سراح عدد كبير من ضباط الجيش العراقي الوطني في عهد الرئيس الراحل صدام حسين.. وكان هؤلاء معتقلين لسنوات، وهذا ما حفظ حياتهم في سجون الأميركان. أما من لم يكن معتقلاً فقد توزع نصيبه بين:

أ‌-القتل بواسطة فرق الموت الايرانية، وكانت هذه احدى فرق استخبارات الحرس الايراني (كفرقة القدس التي يتبع لها حزب الله في لبنان) خاصة للضباط الذين أبلوا في الحرب مع ايران.. وكانت الملاحقات تتم بالاسماء للضباط الذين قصفوا طهران بالصواريخ، وللطيارين الذين قصفوا مواقع مهمة للجيش الايراني والحرس خلال الحرب.

ب‌-الهرب الى أحضان العشائر العربية التي كانت تحمي ابناءها ولا يستطيع احد الاقتراب منها.

ج- الالتحاق بجيش الاحتلال الايراني لإعادة تكوينه الفكري تمهيداً لإعادته الى العراق لخدمة مشروع طهران الشعوبـي.

د- الهرب الى خارج العراق وتحديداً الى الاردن وسورية والبعض هاجر الى اوروبا واميركا وكندا لمن استطاع الى ذلك سبيلاً.

ضباط الجيش المعتقلون.. خرجوا من معسكرات اميركا الى مناطقهم.. وبعضهم وهذا هو الاهم، استعان بهم ابراهيم البدري ليدربوا قواته على اسلوب مواجهة جيوش الاحتلال الاميركي + الايراني + نوري المالكي.

هذا التطور الجديد في حركة البدري مكنته لسنوات من السيطرة على الموصل ليلاً.. وتركها نهاراً لجيش المالكي.. وكان أهل الموصل مطمئنين في الليل ان حاكمهم هو من طينتهم خائفين نهاراً لأن حاكمهم خلاله هو من طينة معادية بأحقاد المالكي وجيشه ذي التوجه الشعوبي الفارسي.

8- ساهمت ثورة الشعب السوري ضد الهمجي بشار الاسد منذ آذار/ مارس 2011، في فتح المجال امام (البغدادي) ابراهيم البدري كي تتوسع حركته وجماعته.. لكن هذا التوسع اعطى الهمجي فرصة لتوكيد ترويجه المزعوم بأن الثورة هذه هي عمل ارهابي.. وهذا ما استند اليه ايضاً اوباما كي يمتنع نهائياً عن اي مساعدة جدية للثورة التي بدأت سلمية ديموقراطية ثم دفاعاً عن النفس. وظل اوباما يطيل عمر النظام ويماطل حتى بعد استخدامه الاسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري.. الى ان يصله مدد الاستخدام الجيد للبغدادي بوعيه او بدونه.

9- جاءت اوباما الفرصة.. فقد تعثرت المفاوضات بين اميركا وايران حول الملف النووي، وخرج علي خامنئي يعلن ان ايران تحتاج الى 90 الف طرد مركزي لأبحاثها السلمية فيما كان الكلام يدور حول 3 آلاف او 12 الفاً..

خامنئي فاق مزايدات مراكز القوى الايرانية المستفيدة من استمرار الصراع مع اميركا لمزيد من الابتزاز والفساد وتكديس الثروات نتيجة الحصار الاقتصادي، الذي يتيح لها احتكار كل بضاعة ممنوعة لفرض سعرها بأي ثمن (قاسم سليماني – محمد علي جعفري – مجتبـى خامنئي.. وغيرهم العشرات).

خامنئي أسكت الداخل المزايد.. وأوباما أسقط في يده.. هو يستجدي ايران للتسوية.. وهي تتبغدد عليه، وتفرض عليه التنازل.

10- انفجر الوضع في الموصل في 10/6/2014، بعد ان أدركت اميركا ان خامنئي يعطل التسويه معها..

الرئيس مسعود البرازاني أبلغ المالكي ان هناك تحركاً عسكرياً يتم التحضير له في شمالي العراق.. والمالكي رد: اهتم يا مسعود بأمنك ودعنا فوضعنا جيد جداً.

هرب جيش المالكي (67 الف عسكري وضابط).. انسحب المستشارون الاميركيون من قاعدتهم الشمالية تاركين 1400 سيارة ((همفي)) و((هامر)) وأسلحة حديثة.. استولى داعش والعشائر العربية الثائرة وجيش النقشبندية على كل هذا.. حرروا نصف العراق..

ابتسم اوباما جزئياً.. رد اللطمة لخامنئي الذي أرسل هذه المرة استجداء له لكي تدخل اميركا من جديد.. نصح قائد القوات الاميركية السابق في العراق ديفيد باتريوس اوباما ألا يجعل الطيران الاميركي ألعوبة في أيدي الميليشيات الشيعية لضرب القبائل العربية.

سكت أوباما.. هاجمته طهران.. لكن الذي قلب المعادلة هو هجوم داعش على معاقل الاكراد ومنها سنجار وبعشوقة.. ومجازر ضد الايزيديين، وطرد مسيحيي الموصل او إلزامهم الجزية او اعتناق الاسلام..

عاد أوباما الى العراق جوياً.. أسقط كل انجاز له قدمه للأميركان بأنه جاء للتغيير وللإنسحاب من العالم فضحته كلينتون فهي مرشحة للرئاسة العتيدة عام 2016..

الفضيحة الاكبر ان اوباما أعطى بشار الاسد ثلاث سنوات ونصف السنة من القهر والبطش والتوحش ضد الشعب السوري، سمح له خلالها بأن يقتل ربع مليون سوري وان يسجن مثلهم وان يهجّر عشرة ملايين انسان، وان يدمر ما قيمته 300 مليار دولار من منازل ومدارس ومصانع.. وما تحرك الا لسانه وعوداً كاذبة.. وفي لمح البصر تحرك لإنقاذ الايزيديين في العراق.. ثم قال بلسانه الكذوب ان الامر مبالغ به، وان الايزيديين لا يحتاجون مساعدة اكبر ولا ترحيلاً الى أماكن آمنة..

ما كذب الذين حرفوا كتاب كلينتون.. حتى لو لم يصدقوا.