اميل خوري/متى يبشِّر عون وجعجع اللبنانيين باتفاقهما على رئيس قبل أي أمر آخر؟

222

متى يبشِّر عون وجعجع اللبنانيين باتفاقهما على رئيس قبل أي أمر آخر؟
اميل خوري/النهار/14 أيار 2015

ما يهم الناس هو اتفاق العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع على انتخاب رئيس للجمهورية وهو أهم من أي اتفاق آخر، بما في ذلك الاتفاق على “جمهورية جديدة” وعلى ادراج مشروع قانون الانتخابات النيابية ومشروع استعادة الجنسية على جدول أعمال جلسة مجلس النواب، لأن هذين المشروعين يمكنهما الانتظار إلى ما بعد انتخاب الرئيس ليكون له رأي فيهما. أما انتخاب الرئيس فلم يعد في استطاعته الانتظار وقد مرّ عام على الشغور الرئاسي ودخل عامه الثاني. كما أن التعيينات في القيادة العسكرية والامنية تستطيع الانتظار أيضاً لأن لرئيس الجمهورية رأياً فيها كونه الرئيس الأعلى للقوات المسلحة، ولا يجوز اجراء تعيينات من دون أخذ رأيه.

لذلك مطلوب من عون وجعجع أن يبشّرا اللبنانيين ليس باتفاقهما على “اعلان نيات” وعلى “جمهورية جديدة” قد لا ترى النور إذا لم تحظ بموافقة كل القوى السياسية الاساسية في البلاد، علماً أن هذه الموافقة تحتاج إلى وجود رأس للدولة وإلى وجود حكومة تتمثل فيها كل هذه القوى، وإلى مجلس نيابي منبثق من انتخابات نزيهة وحرة يمثل شتى فئات الشعب وأجياله تمثيلاً صحيحاً كي يحق له مناقشة المواضيع المهمة والقضايا الوطنية وإقرارها.

وتتساءل أوساط سياسية: هل ثمة ضرورة لأي مشروع أكثر من ضرورة تأمين النصاب لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية، لأن بانتخابه تحل كل المشكلات التي تواجهها الحكومة ويواجهها مجلس النواب. فإذا سبق هذا الانتخاب درس ومناقشة مشاريع دقيقة تثير الخلافات مثل مشروع قانون الانتخابات النيابية الذي تعذّر الاتفاق عليه خلال سنوات، فهل يعقل التوصل إلى اتفاق عليه قبل انتخاب رئيس للجمهورية، الا إذا كان مطلوباً ارجاء انتخابه إلى أجل غير معروف فيصحّ عندئذ ما يتوقعه البعض وهو أن لا رئيس في عام 2015… وهل عون وجعجع متفقان على قانون للانتخابات كي يدرج على جدول أعمال الجلسة النيابية شرطاً لحضورها؟ وهل مجرد ادراجه يكفي للاتفاق على إقراره إلا إذا كان هذا الشرط للتعجيز ولتبرير تعطيل التشريع خدمة لمن يريدون إحداث فراغ شامل في البلاد بدءاً بسدة الرئاسة، ومروراً بمجلس النواب وانتهاء بالحكومة الواقفة على “صوص ونقطة”؟…

إن الناس يسمعون قيادات في “حزب الله” تتهم السعودية بتعطيل الانتخابات الرئاسية، ويسمعون العماد عون يتهم المرتبطين بالخارج بالتعطيل بقوله: “إن بعض الاطراف وضع لبنان في مكاتب المراهنات الاقليمية، وصار المراهنون يعوّلون على ربح محور سياسي وخسارة آخر وربطوا حراكهم السياسي وجميع قراراتهم بهذه الرهانات وهي عقيمة بكاملها، لأن جميع من يلعبون لعبة المراهنة على الخارج في لبنان سيصيحون في الخارج وسيخسرون الدنيا والآخرة”.

لكن ماذا فعل العماد عون ليرد على هؤلاء الذين استطاعوا إبقاء سدة الرئاسة الاولى شاغرة سنة كاملة سوى تبادل الشروط التعجيزية لانتخاب رئيس كأن يكون قوياً وليس ضعيفاً وإلا كان الفراغ أفضل، أو يختلفون على تفسير معنى “القوي”؟ هل يكون مثل هتلر أو ستالين أو موسوليني، أم يكون مثل غاندي القوي بهدوئه وحكمته واعتداله؟ ثم لماذا كل هذه الشروط وقد حدد الدستور بوضوح آلية انتخاب الرئيس ولم يشترط أن يكون قوياً أو ضعيفاً ولا وضع مواصفات له، إنما اشترط لانتخابه الاقتراع السري وأصوات اكثرية مطلوبة تقضي بها الممارسة الديموقراطية؟ وهذه الاكثرية هي التي تتحمل مسؤولية اختياره عوض أن يتحملها عدد محدود من الاقطاب وتدخل في هذا الاختيار اعتبارات شتى قد لا يكون لها صلة بمصلحة الوطن ولا بأحكام الدستور.

لقد حان وقت أن يرى الناس أفعال السياسيين لا أن يسمعوا أقوالهم وقد ملّوا منها. فاستمرار الشغور الرئاسي يترك قضايا الناس معلّقة، ويسقط لبنان في أتون حروب المنطقة اذا لم يتأقلم الناس مع الفراغ، فما يعانيه لبنان من خضات وازمات سببه عدم انتخاب رئيس وفقاً للدستور. فعلى النواب إذاً الحضور لانتخابه من دون شروط مسبقة، وإلا على الشعب محاسبة مَن يتغيب عن الجلسة من دون عذر مشروع. لقد توقف الناس باستغراب عند قول نائب الامين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم: “ان الخيار الوحيد في رئاسة الجمهورية هو اتفاق اللبنانيين، وان من ينتظر انتخاب الرئيس نتيجة التطورات الاقليمية، فهي بعيدة جداً ولن تكون لمصلحته”، وتساءل: “من يمنع اللبنانيين من الاتفاق؟”. وتوقفوا ايضاً عند قول وزير الدولة لشؤون التنمية الادارية محمد فنيش: “لبنان لا يحكم بفئة ولا بالغلبة ولا بالقهر”، فأين هذا القول من الفعل؟ واخيراً قول جعجع للعماد عون: “إن موقع رئاسة الجمهورية يتأكل، فاما ان نتوجه الى مجلس النواب، وإما أن نجلس معاً للتفاهم على بعض الاسماء ونتوجه بها الى المجلس”… أفلا تكفي سنة من الشغور الرئاسي لترجمة ولو كلمة واحدة من هذه الكلمات؟!